يراقب الفاتيكان الوضع عن كثب في لبنان والمنطقة، ويرى أن الأجواء لا توحي بالإيجابية بل إن التأزم هو العنوان الوحيد لما يسود لبنان.
تمنح الدول الفاعلة إهتماماً بالوضع اللبناني، لكنها تشاهد بأمّ العين كيف أن حكّام البلاد غير آبهين لمصير الوطن والعباد بل إن تصرفاتهم تدل على قلّة مسؤولية قلّ نظيرها.
ويأتي تقييم الكرسي الرسولي للوضع اللبناني ليس من منطلق مصلحة كما بقية الدول الفاعلة، بل من جهة تحسّس آلام الشعب ومعاناته التي تزداد مع تقدّم الأيام.
وتشير مصادر مطّلعة على موقف الفاتيكان إلى أن كل ما يرتكبه حكّام لبنان بحقّ بلدهم هو جريمة موصوفة، إذ إن الشعب يُهاجر ويجوع ويبحث عن دواء فيما هناك لامبالاة وحشية تجاه كل تلك المعاناة.
وأمام كل هذا التصلّب الداخلي، يرى الكرسي الرسولي أن الأمل مفقود من هذه الطبقة الحالية، فالمطلوب منها خريطة طريق واضحة تنطلق من إصلاحات جذرية لمكافحة الفساد لتصل إلى معالجة الأزمات الإقتصادية والإجتماعية المتتالية.
وتتخوّف المصادر الفاتيكانية من وجود مخطّط لضرب أسس الكيان اللبناني، وهذا المخطّط يتجلّى كما هو واضح بإفلاس الدولة اللبنانية وانهيار القطاعات التي شكّلت رافعة للبلد مثل المصارف والمستشفيات والمدارس والجامعات، ومن ثمّ ضرب المؤسسات الدستورية، وبذلك يكون هيكل الدولة قد انهار، وعندها يضمحل لبنان المتعارف عليه وتسيطر شريعة الغاب.
وتزداد المخاوف الفاتيكانية بعد مشاهدة كل ممارسات السلطة الحاكمة وكأنها تُمعن في إفقار الشعب ودفعه إلى اليأس والهجرة، وهكذا يُفرغ البلد من كل طاقاته ويبسط الطرف الأقوى سيطرته على مقدّرات البلاد.
وأمام كل هذه الأزمات المتتالية، فإن الفاتيكان يدقّ ناقوس الخطر، ويرى أن موجات الهجرة تتوالى لكن المكوّن المسيحي هو الخاسر الأكبر، فصحيح أن معظم الشعب اللبناني يئس، لكن المسيحي “سريع العطب” ويتأثر أكثر من غيره، والهجرة المسيحية تظهر أكثر من غيرها لأنه بالأساس لم يتوقّف هذا النزيف، وهنا الكارثة الكبرى.
يحمل الفاتيكان همّ لبنان الكيان، وكذلك الوجود المسيحي المهدّد والدور السياسي الذي يلعبه المسيحيون في لبنان والشرق، لذلك فإن هذا الأمر بلغ الخطوط الحمر، وأرقام الشباب والعائلات التي ترغب بالهجرة ضخمة جداً وتصل إلى حدّ مئات الآلاف.
لا شكّ أن هذا الموضوع يشغل بال الفاتيكان والكنائس خصوصاً وأن هناك بلدات بدأت تفرغ من شبابها، والأخطر أن هناك هجرة عائلية، أي كل عائلة بعائلتها، في حين أن الديموغرافيا المسيحية تنخفض بسبب عدم الإقبال على الزواج والولادات، وأتت الهجرة في ظلّ هذا العهد لتقضي على أي أمل بتعديل الميزان الديموغرافي.
يُشدّد الفاتيكان، على الرغم من كل الأزمات، على تمسّكه باتفاق “الطائف” ونموذج العيش المسيحي – الإسلامي الفريد في العالم، ويرى أن لا حلّ لأزمة المسيحيين والمسلمين على حدّ سواء إلا ببناء دولة عادلة خالية من الفساد، لذلك فإن هذه الخريطة لا تزال بعيدة بفعل سلوك الحكام الحاليين.