نبيه البرجي- الديار
لكأننا أمام هزات سريالية في الشرق الأوسط. ماذا يعني أن يرحل الأميركيون ويتركون وراءهم كل ذلك الحطام؟
ترانا لم نلاحظ، وقد فقدنا الرؤية (والرؤيا) منذ قرون، أن الخروج من أفغانستان هو المدخل للخروج من الشرق الأوسط. في البنتاغون يحكى عن انقلاب دراماتيكي في الأولويات الأميركية…
هلع في البلدان العربية الحليفة. لمن يتركنا الجنرال كينيث ماكنزي… للايرانيين والأتراك أم للروس والصينيين، ناهيك عن أصحاب الايديولوجيات المجنونة الذين يقيمون حتى في شقوق الجدران؟
ماذا يعني أن تصدر وزارة الخارجية في واشنطن بياناً تعلن فيه «أن كبار المسؤولين الأميركيين ناقشوا وأعضاء مجلس التعاون الخليجي بناء قنوات ديبلوماسية فعالة مع ايران لمنع النزاعات، أو حلها، أو تهدئتها» ؟
البيان أوضح أنه «تم الاتفاق خلال (جلسات) مجموعة عمل في شأن ايران عقدت في مقر مجلس التعاون في الرياض بين الولايات المتحدة ودول الخليج على علاقات اقتصادية قوية بعد رفع العقوبات عن ايران».
الكلام الذي أحدث هزة (أو هزات) في المشهد الاقليمي، تزامن مع تحرك ديبلوماسي لافت من دولة الامارات العربية المتحدة، بقنواتها المفتوحة مع سائر الأطراف، في اتجاه دمشق، وفي اتجاه طهران، أيضاً في اتجاه أنقرة.
هل هو الطريق نحو انشاء اطار مبدئي لنظام اقليمي يضع حداً للصراعات العبثية في المنطقة، ويؤسس لعلاقات تؤمن الاستقرار والازدهار للدول المعنية، بعيداً عن «لعبة الأمبراطوريات» التي لا توصل سوى الى الخراب؟
الأبحاث التي تصدر عن معاهد دولية كبرى تشير الى قابلية مجتمعات المنطقة، وبسبب الهشاشة في البنى السوسيولوجية، للانفجار الذي لا يقتصر على الدول العربية. في «اسرائيل» قلق حقيقي من الانكفاء الأميركي بتداعياته الكارثية عليها.
هذا ما يحمل قوى مؤثرة في الدولة العبرية على التفكير بل وعلى الاعداد لانفجار عسكري يقطع الطريق على أي تغيير في المسار الاستراتيجي للولايات المتحدة.
واذا كان برنارد لويس قد وصف المنطقة بـ «العربة العتيقة التي تجرّها آلهة مجنونة»، بدا أن سياسات دونالد ترامب جعلت هذا الوصف ينطبق على الكرة الأرضية، في حين أن تشابك المصالح، والأسواق، حال دون الولايات المتحدة وبلورة ديناميكية استراتيجية شاملة، فكان اللجوء الى ما يدعوها الباحثون «استراتيجية نهش الكلاب» !
بكل معنى الكلمة، باتت الولايات المتحدة عاجزة عن ادارة الصراعات، كما ادارة الاستراتيجيات. ايمانويل ماكرون، وفي حديث الى «الايكونوميست»، رأى أن حلف الأطلسي أصيب بالسكتة الدماغية.
ربما كانت اللمسة المضيئة في شخصية ترامب أنه أماط اللثام عما دعاه السناتور بيرني ساندرز بـ «عرينا الأخلاقي والفلسفي». الأيدي الأميركية تلطخت في كل مكان. وبعدما سقطت نظرية رونالد ريغان حول «حرائق الغابات»، أي الحروب المبرمجة لأغراض تكتيكية محددة، بدا أن العديد من الصراعات بات خارج السيطرة، ليسقط دور المايسترو ويحل محله دور الغانغستر.
من البداية، قال جو بايدن، الخبير المخضرم في السياسات الدولية، أنه يولي الأولوية للعملية الديبلوماسية بعدما كان سلفه يمارس، وبطريقة بهلوانية وغير مجدية، سياسة حافة الهاوية. أي انفجار في الشرق الأوسط لا يعني فقط السقوط في المتاهة الاستراتيجية، بل وتدمير كل المصالح الأميركية في المنطقة…
اذ يحزم الأميركيون حقائبهم للرحيل من الشرق الأدنى الى الشرق الأقصى، فاجأهم الاستنفار الصيني العسكري حول تايوان، وهي الخنجر في خاصرة التنين، حتى اذا ما عادت الى البلد ـ الأم، أصبح الصينيون على أبواب لوس انجلس وسان فرنسيسكو.
هل يفتــح بيان الخارجية الأميركية العقول، والعيون، المقفلة في المنطقة العربية، بعدما باتت دولنا، وحتى دول المحيط، مهددة، على الأقل، بالبلقنة ؟ أنظروا ماذا تفعل الأيدي الغليظة بأثيوبيا بعدما ظن آبي أحمد أنه على قاب قوسين أو أدنى من… «أمبراطورية يهوذا»!!