أزمة الخليج: إبحثوا عن “أبو ملحم”
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
لا زال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، يحور ويدور حول أزمة تجميد انعقاد حكومته دون أن “يلتقط” السبب. هو يعلم، بل ويدرك، أن وضعية المحقق العدلي في تفجير المرفأ طارق البيطار، “غير سليمة” وتُعدّ أساساً في الأزمة، مع ذلك يتجاهلها مفضّلاً الخوض في السبب الثاني، الأزمة التي افتعلتها السعودية مع لبنان، ليجعلها الأولوية على قاعدة إنشاد الحل.
ما بلغ ميقاتي من رسائل خلال الساعات الـ48 الماضية التي تلت حراك الثلاثاء المكوكي أسفر عن النتيجة ذاتها: “لا استقالة لوزير الإعلام جورج قرداحي، متى لم تسفر عن أي نتيجة في مجال إصلاح ذات البَين مع السعودية”. والميقاتي عندما سئل عن مدى قدرته على “تسويق الإستقالة” لدى الخليج أجاب بشكل يوحي بالتباس، وكأنه فاقد القدرة، وإنما يطلب الإستقالة فقط لصبّها في مجال “إرضاء المملكة” وكبادرة حسن نية لا أكثر!
عند هذا الموقف جمّد الحراك، وفهم المتحرّكون أن ميقاتي فاقد الشيء، ويريد أن يقدّم “جوائز ترضية” من حساب غيره، معتقداً أن المعنيين بأزمة تجميد عمل الحكومة “محشورين”، أو أنهم يدفعون أثمان الجمود من جيوبهم السياسية، وربما فسّر رئيس الحكومة أن في الأزمة الجارية لا دور له سوى قيادة “مشيخة الصلح” على وزن مشاريع “أبو ملحم”.
على العموم، يبقى أن استقالة قرداحي، التي ما زالت تُطرح عبر الإعلام ويُركّب لها أقدام وأرجل كمثل تحديد مواعيد لتقديمها في قصر بعبدا لا يعلمها سوى كاتبها، فاقدة لعنصر التشويق أو التسويق. وبدا أن الجمود الراهن يصبّ في مصلحة مطالعة بعض المعنيين بإتجاه الإستفهام من جانب الرياض، إذ كانت الإستقالة بحال قُدّمت، تكفي لوضع حدٍ للإجراءات التصاعدية المُتخذة بحقّ لبنان، وقد بدأت الكويت “الجيل الثاني” منها تجاه الرعايا اللبنانيين، ويُفترض أن تليها البحرين، ولم يظهر في أجندة المعنيين وجودٌ لأي طرح بالتراجع عن الإجراءات المتخذة، كما يطالب مثلاً القرداحي ومرجعيته في بنشعي، فيما يبدو انه طرح أصبح خارج الحسابات. ويُفترض بحالته أن ينتقل بحثها إلى زمان آخر. المهمّ إعادة تشذيب الإجراءات حالياً.
نموذج حلٍّ من هذا القبيل يُقابَل بالرفض من جانب المعنيين المباشرين في الأزمة. فلا شيء يضمن مثلاً أن تبقى السعودية ودول الخليج سقفها، في حالة التسليم بالإستقالة ضمن الإجراءات المتخذة حصراً، في ظلّ حديثها المستمرّ حول بقاء الوضع على ما هو عليه، طالما أن “حزب الله” لا زال يهيمن على الدولة. إلى جانب ذلك، ترفض الرياض إلى حينه أي مجال للتدخّل في الأزمة من جانب حلفائها في لبنان، المحصور حضورهم حالياً بـ”تسويق” وجهة نظر السعودية وتحميل النتائج إلى “حزب الله “، وقيادة حرب شعواء على كلّ من يدعم القرداحي (أو الحكومة) بموقف. إذاً يُفهم أن الرياض تطالب بأثمانٍ أعلى من استقالة، وهو ما لا يفهمه كثرٌ من رجالات الدولة المنقّبين عن حلول.
في هذا الوقت، يتردّد أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، بات في صدد التحرّك بعدما دخلت الكويت (لما لها من علاقة مميّزة مع عين التينة) في برنامج الضغوطات. مصدر موثوق قال لـ”ليبانون ديبايت” أن حركة برّي يُفترض أن تتخذ “التوازن” معياراً، وهو سيبحث عن “مبادرة حلٍ شاملة” لفكفكة الأزمة مع الخليج. وفي حين لم يُفصح المصدر عن الجهة المساندة لبري في مسعاه، استرعى الإنتباه ،الخروج القطري من المضمار عبر تجميد رحلة البحث عن حلّ إلى بيروت بشكلٍ لافت، وفق ما كان نشره “ليبانون ديبايت” قبل أيام. وإذ يبدو أن هذا الخروج أتى بسبب عدم توفّر “الوصفة” المناسبة للخروج من الأزمة، عُلم أن الرياض لم تبدِ تشجيعاً للدخول القطري عبو وزارة الخارجية في الدوحة، وهو ما قرأته الاخيرة على أنه رسالة سلبية لا تقود إلى بلورة حلّ.
ويذهب ظنّ من يتواصلون على خط العاصمة القطرية، أنها لم تتخلَّ عن محاولتها رأب الصدع بين دول الخليج العربي ولبنان، إنطلاقاً من كونها تبحث دائماً عن دورٍ في العمق العربي، لكنها تفضّل حالياً لعب دور “الديبلوماسية الناعمة غير النشطة” بمعنى أن تبحث عن حلّ لكن ليس عبر الأطر والزيارات الرسمية، وإنما من خلال العلاقات الثنائية وما تتمتع به من علاقات ونفوذ ايجابي على مستوى لبنان والخليج. هذا الكلام يوصل إلى تحليل أن يكون بري يرتكز لتدعيم حراكه على “مساندة قطرية” بحكم علاقته مع الإمارة الخليجية، ولذلك، بات مستعداً لتولي دورٍ لن يكون اللواء عباس إبراهيم بعيداً عنه، لكن صورته الكاملة لن تتبلور الآن، وستبقى المعالجات تتمّ من خلف الكواليس حتى الوصول إلى نقاط إيجابية.
بهذا المعنى، يكون الرئيس نجيب ميقاتي بصفته رئيساً لمجلس الوزراء ويشغل الموقع الثالث في الدولة نيابة عن السنّة، قد خرج من أداء أي دور في مسألة حلّ الأزمة، ما يوحي بأن الأزمة التي بدأها الشيعة عملياً (بصرف النظر عن أن الموقف جاء على لسان وزير مسيحي ماروني) ووفق مضبطة الاتهام السعودية المعممة في بيروت، سيقف الشيعة أنفسهم عند ناصية حلها. معادلة غير محبّذة لدى ثلة من المعنيين، ولكن!