برّأت المحكمة العسكرية مفتي راشيا السابق الشيخ بسام الطرّاس «عرّاب» متفجرة كسارة، رغم أن التحقيقات أثبتت وجود صلات له مع إرهابيين نفّذوا تفجيرات انتحارية. المحاكمة – المسرحية التي أخرجها رئيس المحكمة العميد منير شحادة برّأت «أمير» الخلية، فيما تُرك بقية الموقوفين ممن لا حظوة لهم في السجن الذي يقبعون فيه منذ 6 سنوات
قبل خمسة أعوام (تشرين الأول 2016)، أوقف الأمن العام مفتي راشيا السابق الشيخ بسام الطرّاس بشبهة ارتباطه مع قياديين في تنظيم «داعش» متورطين في التخطيط لعمليات انتحارية وتنفيذها في لبنان. يومها انتفض رجال السياسة والدين، وقُطعت الطرقات في البقاع وبيروت والشمال، بدعوات من هيئة علماء المسلمين ومشايخ دار الفتوى، استنكاراً للتوقيف، وتدخّل وزيرا الداخلية والعدل نهاد المشنوق وأشرف ريفي ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية آنذاك صقر صقر لإرسال القاضي هاني الحجار، ليلة عيد الأضحى، للاستماع إلى إفادته قبل أن يُقرر عدم وجود شبهات حوله. تُرِك الطراس بوساطة. أُخلي سبيله رهن التحقيق واحتُجز جواز سفره ليقضي عطلة العيد برفقة عائلته. حظوةٌ لا ينالها من كان مواطناً «عادياً» و«ضعيفاً» لا «ظهر» سياسياً له.
فقد بيّنت التحقيقات وجود تواصل وعلاقات بين الطراس وإرهابيين أزهقوا أرواح العشرات في تفجيرات انتحارية. وأظهر تحليل داتا اتصالاته وهاتفه أن علاقة تربطه مع محمد قاسم الأحمد «أبو البراء»، العقل المدبّر لـ«خلية الناعمة» التي نفذت تفجير سيارة في منطقة بئر العبد في تموز 2014، وتفجير سيارة مفخخة في منطقة الرويس (الضاحية) في آب عام 2013، وعملية التفجير الإرهابية في منطقة كسارة (زحلة) في آب 2016. وهو لم يتمكن من التنصّل من معرفته بالمطلوب محمود الربيع الذي التقى في منزله في تركيا الموقوف علي غانم، العنصر التنفيذي الرئيسي في «متفجرة كسارة». فقد اعترف غانم بأنّ «الأمير» الذي أعطاه الأمر بالضغط على زر التفجير هو «أبو البراء». ولما سُئل عمّن يكون، ردّ بأنّ الطرّاس عرّفه إليه، علماً أنّ محمد قاسم الأحمد، بحسب اعترافات أفراد الخلية، هو العقل المدبّر لعملية كسارة ولعمليات أخرى. أما الربيع، فهو العنصر الرئيسي في العملية الانتحارية التي استهدفت السفارة الإيرانية في تشرين الثاني 2013. كما كشفت التحقيقات أنّ الطرّاس كان على تواصل مع تنظيم «داعش» عبر اثنين من أخطر المطلوبين اللذين نفّذا عدداً من التفجيرات الانتحارية في لبنان. غير أنّه لم يُقرّ بعلاقته بـ«أبو الوليد السوري»، مسؤول العمليات الخارجية في التنظيم، المشرف الرئيسي على التفجير الانتحاري المزدوج في برج البراجنة (تشرين الثاني 2016) وهجمات باريس السنة الماضية، علماً بأنّ هذا الارتباط مُثبت بالدليل من خلال داتا الاتصالات الخاصة برقمي الطرّاس و«أبو الوليد». وعُثِر في هاتف المفتي على تطبيق اتصال مشفّر. وبعد أخذٍ ورد، اعترف بأنّ شخصاً على علاقة بـ«داعش» زوّده به للاتصال الآمن. وقد خلص الجهاز الأمني الذي تولّى التحقيق معه إلى تورطه في شبهة التواصل مع «داعش».
لكن أي علاقة يمكن أن تربط شخصاً واحداً مع ثلاثة من أخطر الإرهابيين المتورطين في أكبر التفجيرات التي هزّت لبنان؟
بناء على هذه المعطيات أثيرت علامات الاستفهام حول حكم المحكمة العسكرية برئاسة العميد منير شحادة، والذي قضى بتبرئة المفتي السابق وكفّ التعقبات عنه، علماً أنه خلال الجلسة الأخيرة، لم يعلق رئيس المحكمة ولم يصدر عنه رد فعل عندما هدّده الطراس في حال إرجاء الجلسة من دون إصدار حكمٍ بـ «عدم العودة إلى المحكمة والمثول أمامها حتى لو صدرت مذكرة إنتربول بحقي». لكن رئيس المحكمة «رضخ» مع أنّ الشهود الموقوفين الذي أدلوا بإفادات تُبيّن علاقة المفتي السابق بالتنظيم المتشدد، لم يحضروا لتعذر سوقهم من السجن. فصرف شحادة النظر عن استدعائهم ليُصدر حكمه بكفّ التعقبات بحقّ الشيخ من دون الاستماع إلى شهود رئيسيين.
مصدر مطلع عزا قرار المحكمة إلى ضغوط مارسها مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان الذي رفض طوال خمس سنوات السير في محاكمة الطراس لكونه مفتياً سابقاً، «ولم يُرد دريان أن تسجل في عهده سابقة محاكمة مفتٍ وسجنه» رغم وجود أدلة على تورطه في ملف كسارة والاتصال بتنظيم «داعش». وتضيف المصادر أنّ الضغوط على رئيسي المحكمة السابق والحالي أخّرت سير المحاكمة لسنوات، ما انعكس سلباً على عدد من الشبان الموقوفين القابعين في السجن (قد يكون بعضهم مذنباً وبعضهم بريئاً)، فيما الطرّاس خارجه.
وتنقل المصادر رواية عن اتفاق بين دريان ومرجعيات سياسية كبيرة لإغلاق ملفّ الطرّاس، وتقول المصادر إن الاتفاق قضى بالسير في المحاكمة مقابل ضمانات بتبرئته. وهو الأمر الذي ينفيه رئيس المحكمة الذي نقل عنه أن «الحكم يستند إلى عدم وجود ما يوجب الحكم على الرجل». علماً أن شحادة الذي برّأ الطرّاس، أبقى على بقية أفراد «خلية كسارة» التي غرّر بها الشيخ في السجن.