تركيا جادة في تقديم عرض لملء الفراغ السعودي

 ناصر قنديل-البناء

– يزداد الكلام السعودي العالي السقوف بحق حلفاء السعودية التقليديين من اللبنانيين قبل خصومها، وصولاً إلى الحديث القطعي عن إدارة ظهر طويلة الأمد، لأن العقل السياسي الحالي للسعودية يعتقد بأن الفراغ الذي تتركه السعودية سيبقى فراغاً حتى ترضى وتعود إليه، كما تعتقد القيادة السعودية بأن عودتها ستكون سبباً لعروض لبنانية بتنازلات تتلاحق حتى تبلغ السقف الذي يرضي السعودية، بما في ذلك ما يعتقد المسؤولون السعوديون أنه يتعلق باليمن، كما تعتقد القيادة السعودية أنها ستتلقى عروضاً خارجية إيرانية وسورية وفرنسية وأميركية  للتعاون في توفير شروط ملء الفراغ، لكن الواقع شيء آخر، فهذا لبنان، تلك النقطة على المتوسط التي تجاور سورية وتقابل أوروبا، وتقع على حدود فلسطين، وتختزن أقوى مقاومة في الشرق تؤرق إسرائيل ومن خلفها أميركا، وهو لبنان المرفأ الاستراتيجي الذي تتسابق عليه الدول، والسوق العقارية النادرة الذي بات يمثل فرصة ذهبية مع انهيار سعر الليرة، والمصارف الواقعة تحت أعباء كبرى تجعل منها سلعة معروضة للبيع بأرخص الأسعار، وهو لبنان حيث الطوائف كيانات اجتماعية شبه مغلقة تبحث كل منها عن قيادة تقف خلفها دولة وازنة، تقدم نفسها حامياً إقليمياً وشريكاً في صناعة التوازنات.

– تركيا الدولة الإقليمية الكبرى، باقتصادها وعدد سكانها وجيشها، القلقة على حبال التوازنات الدولية، التي تخوض حروباً صغيرة بعد فشل حربها الكبيرة في سورية، وهاجس رئيسها على أبواب انتخابات رئاسية صعبة، وفي ظروف اقتصادية حرجة، أن يجد انتصاراً سياسياً يفتح آفاقاً اقتصادية جديدة، ويخفف إحراجات التصادم مع عناصر المعادلة الإقليمية والدولية، تركيا هذه لم تأت إلى لبنان بوزير خارجيتها في جولة سياحية ولا بمهمة إنسانية كانت مفهومة بعد انفجار مرفأ بيروت، وتركيا لم تخف اهتمامها بالحصول على عقود الكهرباء وعقود تشغيل وإعادة إعمار مرفأ بيروت، وهي همست حيث يجب بأنها جاهزة لاستقبال البضائع اللبنانية التي توقف تصديرها إلى دول الخليج، وأنها حاضرة لتجديد عروضها الاستثمارية في مجالات كالمرفأ وسكك الحديد ومشاريع الكهرباء، بطريقة التمويل والإنشاء والتشغيل، وفتح الباب أمام مصارفها للدخول على خط الحلول المتداولة لتعويم القطاع المصرفي، وأمام تكامل سياحي لبناني تركي بحري وجوي، وتركيا مهتمة بالتوازي بتحفيز قطر التي تستمع بإصغاء للنصائح التركية، للمشاركة المالية في خطط النهوض اللبنانية بعد موافقة صندوق النقد الدولي عليها، فيما كررت قطر مراراً اهتمامها بسوق الغاز في لبنان، وبناء منصات التغويز وتشغيلها وإمدادها بالغاز.

– التحفظ الفرنسي على الحضور التركي الإضافي على البحر المتوسط، في ظل مخاوف من دور تركي بين النازحين السوريين يرفع من وتيرة القلق الفرنسي خصوصاً والأوروبي عموماً، لكن التحفظ الفرنسي مبني أساساً على تطلع الشركات الفرنسية للعب الأدوار التي يهتم التركي بشغلها، والمنافسة التركية الفرنسية في ليبيا مثال مشابه، ففرنسا بقيت مترددة بالتوغل على خلفية الثقة بمكانتها كدولة عظمى، بينما كانت الشركات التركية تقفز إلى الخط الأمامي، وتؤسس للدور السياسي، وصولاً لترسيم حدود النفط والغاز، وهو ملف لا يغيب عن التنافس على لبنان، الذي تمثل ثروته مصدراً للسباق الإقليمي والدولي، وإذا كانت العقدة التي تعترض طريق تركيا هي عجزها عن اتخاذ موقف نوعي ينهي تورطها في سورية، فثمة من يقول إن تركيا أبدت الاستعداد لمقايضة من نوع التسهيل المتبادل، تسهيل تركي للتقدم السوري في شمال سورية، وتسهيل سوري للتقدم التركي في لبنان، وفي ظل ما يشهده اليمن من تحولات كبرى ترسم إيقاع المنطقة، تتقدم تركيا نحو لبنان وتأتي بعدها قطر لترصد النتائج، بينما السعودية تقفل الأبواب مع لبنان، ولا تعلم ما سيكون الحال عليه بعد تطورات اليمن.

Exit mobile version