الأخبار- يحيى دبوق
يتّجه النظام الليبي إلى الالتحاق بركب التطبيع الخليجي مع إسرائيل، مهما كانت هُويّة الفائز في الانتخابات الرئاسية المُقرَّر إجراؤها الشهر المقبل، إذ إن ما بين المرشّحيْن الأبرزَين للرئاسة جامعاً مشتركاً واحداً: التطلّع إلى رضى تل أبيب، بوصفها بوّابة لرضى واشنطن، ومن خلالهما تعزيز فرصة الفوز في الانتخابات والإمساك بالنظام الجديد. هذان المرشّحان، وهما اللواء المتقاعد خليفة حفتر (الذي تسيطر قوّاته على الشرق الليبي) ونجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، سيف الإسلام القذافي، كلاهما مستعدّان للتطبيع، بل ويطالبان به من تحت الطاولة، وهو يمثّل جزءاً لا يتجزّأ من برنامجهما الانتخابي غير المعلَن، كونهما يفضّلان أن لا يكشفا توجّههما هذا مباشرة في الوقت الحالي، خشية أن يعاقبهما الناخب الليبي في صناديق الاقتراع، على خلفية موقفه الرافض للتعامل مع إسرائيل. على أن الحالة الليبية لا تفارق الحالات الإماراتية والبحرينية والمغربية والسودانية، لناحية انفصال الشعوب عن الحكّام الذين يفرضون توجّهاتهم فرضاً على مواطنيهم.
وكان صدام حفتر، نجل الجنرال خليفة حفتر، زار تل أبيب عبر طائرة خاصة نقلته من دبي إلى مطار بن غوريون، حيث التقى مسؤولين إسرائيليين عارضاً أمامهم معادلة يطمح إليها والده، متمثّلةً في تعزيز العلاقات بين الجانبين، بما يشمل حصول ليبيا على مساعدات سياسية وعسكرية، مقابل مضيّها في تطبيع دبلوماسي مع إسرائيل، في أعقاب فوز أبيه بالرئاسة الليبية، وترؤّسه حكومة الوحدة الوطنية والمصالحة التي يُفترض أن تُشكّل بعد الانتخابات. وصدّام حفتر يُعدّ اليد اليمنى لوالده، وسيمثّل الحاكم الفعلي لليبيا في حال فوز الأخير في الانتخابات، علماً أن حفتر الأب يعاني من مرض عضال، ويُقدَّر أن ينقل الحُكم إلى نجله فور فوزه، عبر تسليمه منصباً كبيراً مع صلاحيات واسعة، تُمكّنه من الإمساك بالسلطة في حال غياب أبيه. على المقلب الآخر، تعود علاقات منافس حفتر في الانتخابات، سيف الإسلام القذافي، مع إسرائيل، إلى عهد أبيه. فوفقاً لما كُشف في الكيان العبري أخيراً (صحيفة هآرتس)، حافظت تل أبيب، على رغم العلاقات السيّئة مع طرابلس ودعم الأخيرة للمنظّمات الفلسطينية، على اتصالات ذات طبيعة سياسية وإنسانية مع نظام القذافي، و«كانت الشخصية التي نسّقت هذه الاتصالات هي نجل القذافي، سيف الإسلام، بمعيّة ومساعدة رجال أعمال يهود من أصول ليبية». وهذه العلاقة لم تنقطع البتّة، إذ واصل القذافي الابن الاتصال بالإسرائيليين طالباً خدماتهم في مقابل وعد بالتطبيع، وذلك خلال الحرب الداخلية الأخيرة التي أعقبت سقوط والده، وأيضاً في أعقابها، وهي اتصالات أدارها بنفسه وعبر مستشاريه، وأخيراً عبر مستشاريه من الإسرائيليين، الذين يديرون حملته الانتخابية في ليبيا وفي خارجها للتسويق له لدى الدول ذات النفوذ.
على أيّ حال، ووفقاً لمصدر إماراتي رفيع المستوى مقرّب من المرشحين للرئاسة في ليبيا (إسرائيل اليوم، 16.11.2021)، فإنه «في ما يتعلّق بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإن المرشَّحَيْن (الرئيسَين) متّفقان على الرأي، وقالا في أحاديث مغلقة مع مقرّبين إنهما سيعملان للدفع بهذا الاتجاه وبزخم أكبر». وقال مصدر مقرّب من حفتر للصحيفة إنه «من السابق لأوانه الحديث عن اتفاقية تطبيع مع إسرائيل وكيف ستبدو، فقبلاً يجب أن يُنتخب حفتر رئيساً، وهو ما سيتمّ بالفعل، ومن ثمّ المستقبل سيكون مع إسرائيل، وكذلك لا يمكن الحديث من الآن عن التطبيع لأن هناك عداءً داخلياً وتقليدياً بين الجمهور في ليبيا تجاه إسرائيل نفسها. في الوقت الحالي، يمكن لهذا الحديث أن يؤثّر سلباً على ناخبي حفتر، ويضرّ بفرصه في الفوز بالانتخابات». والخشية من الناخب الليبي هي التي تدفع المرشّحين إلى الابتعاد عن ذكر إسرائيل والتطبيع معها بشكل مباشر وعلني، وإن كانت الاتصالات جارية سواءً في الكيان العبري نفسه أو في خارجه، بمعيّة ومساعدة أميركية وإماراتية، خاصة أن أبو ظبي معنيّة، إلى حدّ تشخيص مصلحة إماراتية كبيرة جداً، في جذب ما أمكن من أنظمة عربية إلى صفّ التطبيع.
أمّا في ما يتّصل بإسرائيل نفسها، فهي معنيّة بتحقيق أكثر من مصلحة استراتيجية عبر التطبيع مع ليبيا وإلحاقها بمحور حلفائها في المنطقة، لكنها تبدو أكثر اهتماماً بأن يتمّ الأمر لها من خلال خليفة حفتر – ونجله صدام -، الذي لم يقطع علاقاته بها منذ أن بدأت سيطرته على الشرق الليبي، فضلاً عن أنه حليف (بمعنى التابع) لحلفاء إسرائيل، وفي المقدّمة أميركا والإمارات ومصر، اللتين بدأت تل أبيب وواصلت علاقاتها به عبرهما، بما يشمل مساعدات استخباراتية ولوجستية إسرائيلية لقوات حفتر، في حين أن الأخير يَدين لإسرائيل في حثّها شركاءَها على الوقوف إلى جانبه، وفي المقدّمة الولايات المتحدة. وتحوز الساحة الليبية، بالنسبة إلى إسرائيل، أهمية كبيرة جداً، إذ إن حضور تل أبيب في طرابلس الغرب، عبر حفتر نفسه، يضمن لها إبعاد النفوذ التركي المنافس لها في حوض المتوسط، ليس على المستوى الأمني فقط، بل وأيضاً في ما يتّصل بأمنها الاقتصادي، عبر توسيع دائرة حلفائها، من قبرص إلى اليونان فمصر وليبيا، الأمر الذي يضيّق الخناق على منافسيها، في أكثر من مستوى واتجاه. في الوقت نفسه، تُعدّ ليبيا بلداً غنياً جدّاً بموارده، وهي دولة بحاجة إلى إعادة إعمار واسعة النطاق، ولذا فإن النفوذ الإسرائيلي فيها من شأنه أن يدرّ على الشركات الإسرائيلية، مباشرة أو عبر وسطاء، أرباحاً اقتصادية كبيرة، فضلاً عن أن ربط اقتصاد دولة عربية وازنة وبنيتها ومواردها بإسرائيل يمثّل مشروعاً طموحاً جدّاً بالنسبة إلى الأخيرة، يتيح لها ترسيخ مكانتها في المنطقة، على رغم كلّ التهديدات الأمنية الماثلة أمامها. ومن هنا، فإن للكيان العبري مصلحة في الدفع قُدُماً بمرشّحه المفضّل، الذي تعتقد تل أبيب أن نجاحه من شأنه أيضاً أن يرسّخ في وعي حكّام الأنظمة العربية، معادلة قوامها: ملاحقة الرضى الإسرائيلي للوصول إلى الرضى الأميركي، كي تضمن تلك الأنظمة بقاءها واستمرارها. مع هذا، وإن كانت إسرائيل تميل إلى خليفة حفتر ونجله صدام، إلّا أنها لا تقطع العلاقة مع منافسيه، بما يضمن لها «خطّ رجعة» في حال تَغيّرت الظروف وتطوّرت باتجاه الأسوأ، أي نحو فشل مخطّطها وشركاءَها أو تراجعه نسبياً.