ٍَالرئيسيةتحقيقات - ملفات

المفكر المغربي الدكتور ادريس هاني… تكلفة التطبيع

 

مجلة تحليلات العصر الدولية

أكد المفكر الباحث المعاصر المغربي الى أنّ تطبيع العلاقة مع الإرهاب، ومع كل ما هو مناهض للقانون الدولي لم يكن يوما له علاقة بالسيادة. إقحام السيادة في موضوع التطبيع شكل من التدجيل….

شرح المفكر الباحث المعاصر المغربي الدكتور ادريس هاني في حوار مع وكالة أنباء التقریب موضوع ” تطبيع ” : أخطر من الفوضى هو انفراط عقد السياسة والمنطق، الخشية اليوم قائمة من ضياع آخر أشكال المعقول السياسي، أقرأ في الصحف العربية تراشقا بين أشقّاء على خلفية الإعلان عن تطبيع العلاقات بين دولة عربية وإسرائيل، ينتمي كلّه للمغالطة.

 

هذا شيء مقصود لأنّه ينتهي بقبول الأمر الواقع سواء بالإحباط أو نتيجة للاستفزاز. يتحدثون أيضا عن المصالح والسيادة وأشياء أخرى لا صلة لها بموضوع الموقف من الاحتلال حتى لو تعلق الأمر بكومبارس دولي داخل الأمم المتحدة يعترف بالاحتلال ويسميه بإسم آخر.

و أضاف الدكتور تلك الدول لا علاقة لها باستحقاقات الإقليم، ولا بمصيره، لكن أليس من الممكن الحديث عن الشيء غير الواضح في ماكينة التبرير تلك ألا وهو الهشاشة؟

 

.. أحاول أن أفهم، وطبعا
أليس الشعب الفلسطيني وهو محور شرعية المقاومة رافض لكل التسويات الخادعة؟
لكي تفهم عليك أن لا تتابع ما يقوله شغّيلة البراباغاندا، الذين مسبقا هم في تعاقد فاوستي لا يحسنون غير تأكيد الموقف، وكذلك أساليبهم هي في الأصل أساليب لقطع الطريق على التّواصل بالشّكل المقنع. وكما قلنا دائما: سيشاركونك المفاهيم نفسها حتى أنّك ستجد نفسك في فوضى عارمة يفقد فيه المنطق سلطته أمام جبروت المُغالطة. لقد كان إبليس أبو المغالطة بامتياز.

 

السير المائل كان من البداية، ثمة دول تؤكد دائما أنها غير قادرة أن تعيش دون حماية، وكثيرون توهّموا أنّ التحالفات الخاطئة يمكنها خدمة الأمن القومي. يقول المغالط: نحن لن نفرض على الفلسطينيين قرارا ولا يمكن أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، ومثالهم على ذلك أوسلو. لكن، أليس الشعب الفلسطيني وهو محور شرعية المقاومة رافض لكل التسويات الخادعة؟ من فرض على الطبقة التسووية الفلسطينية هذا الرهان؟
يعيدون النّقاش إلى الأصل، وكأنّ الحروب العربية-الإسرائيلية الأولى كانت عدوانا عربيا على إسرائيل، ولا يريدون الاعتراف بأنّ أساس كل هذا الإنشاء المغالط الجديد هو تبرير
كل الوثائق التي كانت تمضى في ظل الانتداب البريطاني تحمل إسم سلطة فلسطين بما فيها جوازات السفر، قادة صهاينة أنفسهم تقدموا لطلب الإقامة باسم فلسطين.
الهزيمة والبحث عن مصالح محتملة إرضاء لرئيس أمريكي يواجه استحقاقات بأوراق فاشلة على رأسها صفقة القرن.

 

و تسائل المفكر المغربي هل كانت فلسطين دولة؟ سؤال بليد بمعايير القانون الدّولي، ذلك لأنّ هذا السؤال قد يرتد على سائر الدول العربية لمّا يحمى وطيس التقسيم، كلهم أو أغلبهم كانوا مثل فلسطين إيالات عثمانية، سننقل السؤال إلى أوربا ونسأل السؤال نفسه في ضوء التحولات الجيوسياسية خلال الحربين العالميتين.

كل الوثائق التي كانت تمضى في ظل الانتداب البريطاني تحمل إسم سلطة فلسطين بما فيها جوازات السفر، قادة صهاينة أنفسهم تقدموا لطلب الإقامة باسم فلسطين

هل هذا كله يسقط بالتقادم؟ كيف نتحدث عن تقادم والحراك الشعبي الفلسطيني متواصل منذ 1948،طه وهو كله تاريخ نكبات. من قال أنّ فلسطين لم تكن لها شخصيتها منذ قرون، شخصية جديرة ومعتبرة في تأسيس الدول؟ فلسطين كيان يتمتع بشخصية بشرية وثقافية وأرض وشعب وهو في هذا أقدم من دول لم تكن لها شخصية كيانية قبل فلسطين.

 

من له الحق يا ترى في السؤال عن الخلفية التاريخية لدولة فلسطين المحتلة؟ القانون الدولي يقرّ بكل الكيانات المبنية على أعراف قديمة وكيانية متّصلة . لكن من أين جاء الاعتراف الدولي بالاحتلال لو لم يكن للقضية صلة بوعد بلفور والدعم
فلسطين كيان يتمتع بشخصية بشرية وثقافية وأرض وشعب وهو في هذا أقدم من دول لم تكن لها شخصية كيانية قبل فلسطين.
الغربي للاحتلال؟

تخون التطبيعيين الجرأة والواقعية لأن الانفعال حاضر حتى في سياسات التطبيع، هذا الأخير لم يكن اختيارا بل هو سياسة إجبارية وابتزازية واستحقاق لسنوات من الأعمال الخاصة. ما يحاول موظف البروباغاندا التطبيعية تمريره هو أن التطبيع شكل من الواقعية السياسية لكن الحقيقة الصادحة هي أن التطبيع مطلب لإسرائيل وحلفائها وليس للعرب. ليس واقعية سياسية بقدر ما هو إفلاس سياسي لا يمكن أن نتوقع منه سوى سلسلة من الكوارث السياسية على المديين المتوسط والبعيد.

 

يستعمل التطبيعيون مُغالطة التسامح والتعايش ويقحمون اليهود كجماعة دينية في موضوع صراع ضد الاحتلال، مغالطة الاختزال مرة أخرى، والحقيقة أنّ النّازية تصرّفت بفضاضة ضدّ اليهود بينما تخلّص منهم الغربيون بطريقة ناعمة عبر وعد بلفور التوريطي: إخراج الجماعة اليهودية من أوربا والإبقاء فقط على كتلتها المالية ولوبياتها – نوع من الترنسفير الناعم تجاه محرقة الشرق الأوسط – كانت النازية ضدّ اليهود لكنها تواطأت مع الصهاينة. المشكلة اليوم تتعلق بأقدم أشكال الاستعمار.

يقولون مرة أخرى : إنها عضو في الأمم المتحدة، لكن نظام الآبرتهايد ببريتوريا
الهرولة نحو إعلان علاقات غير مقنعة لأن المسألة تتجاوز فكرة السيادة، قد تبدو سهلة لكن تكلفة التطبيع العلني ستكون باهضة.
كان عضوا في الأمم المتحدة. كم من قرار أممي ضدّ شطط الاحتلال تمّ إجهاضه فضلا عن أنّ المسار منذ البداية لم يكن طبيعيا؟ إنّها مناورات للإرغام ولتصفية القضية الفلسطينية بأساليب إمبريالية، لا يهمّ الأساليب المتبعة والأدوات المستعملة.

لا زلت أنتظر الطابور الخامس لمحوري التطبيع: التطبيع الناعم والتطبيع الخشن، بعضهم يخشى من تقلب الجغرافيا السياسية، لا زال ينتظر الإشارة، هذا أكبر دليل على خلوّ البيئة العربية من خبراء ومحللين وطبعا على مبدئيين.

 

لا أثق فيمن تكرّشوا على طريق النضال بالمراسلة. هذا الصّباح رمقت أحدهم وهو يمشي وكأنه حائر، يفكّر في عمل استعراضي، يبدو أنّنا سنبقى مصرين على الأساليب نفسها، احتكار القضية، تدكينها، المتاجرة فيها، لا شيء مبتكر في أساليب النّضال فضلا عن أشياء أخرى. عشنا العشرية الأخير في فوضى اللغة والمفاهيم والسياسة وحتى الذّوق، اليوم يبدو الجميع في حالة تحسس للمصير، البحث عن موجات جديدة، عن سوق جديدة لبيع الذّمم. زمن المهرولين للتطبيع، لكن ما معنى التطبيع اليوم؟ إنه لحظة اعلان الزفاف أمّا الزّواج العرفي فقد بدأ قبل ذلك بكثير.

في هذه المعركة لا يهمّ إن كان هذا الزفاف سيطول في موضوع فلسطين لا بدّ من التذكير بأنّ ثمة شعبا لا زال يقاوم لن يتوقف عن المطالبة بحقوقه التاريخية. أمّا التاريخ فهو لم يكن يوما ضامنا لاستمرار الاحتلال لا سيما حين يكون في مواجهة شعب موصول بالتاريخ والمحيط ويبتكر كل يوم أساليب جديدة للصمود أبعد من شهر عسل في صيف قائض. مرّ الإعلان في لحظة انفجار كبير هدّ بيروت، شدّ الأنظار، تشتيت الاهتمام، لقد كان التوقيت مناسبا – إذا لم نقل مقصودا – حتى وإن لم يكشف التحقيق عن الأسباب المفتعلة لتفجير مرفأ بيروت.

الهرولة نحو إعلان علاقات غير مقنعة لأن المسألة تتجاوز فكرة السيادة، قد تبدو سهلة لكن تكلفة التطبيع العلني ستكون باهضة، لا ندري تفاصيل التغييرات المفاجئة التي ستغيّر كل الحسابات في المنطقة. قلت أن المسألة وخلافا لما تلوكه ألسن موظف البروباغاندا، المسألة خارجة موضوعا عن السيادة، وجب أن نذكّر بأنّ تطبيع العلاقة مع الإرهاب، ومع كل ما هو مناهض للقانون الدولي لم يكن يوما له علاقة بالسيادة. إقحام السيادة في موضوع التطبيع شكل من التدجيل.

في موضوع فلسطين المحتلة لا بدّ من التذكير بأنّ ثمة شعبا لا زال يقاوم لن يتوقف عن المطالبة بحقوقه التاريخية. أمّا التاريخ فهو لم يكن يوما ضامنا لاستمرار الاحتلال لا سيما حين يكون في مواجهة شعب موصول بالتاريخ والمحيط ويبتكر كل يوم أساليب جديدة للصمود، لا ينبغي قياس شعب أعزل بقوة متطورة بل قس روح الشعب بكيان فاقد للثقة في المصير. سيقولون: لا أحد يتدخّل في قرارنا السيادي المهيب، سنرى حين تسفر الاستحقاقا عن تطورات خطيرة إن كنا لن نتحدث يومئذ عن أهمية التضامن العربي، و في الختام قال المفكر المغربي الدكتور ادريس هاني : السؤال الذي يؤرّقني هو: هل بقي حبل للعودة؟ ما تكلفته؟ هنا القضية!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى