طوني عيسى-الجمهورية
يترسَّخ الاقتناع في العديد من الأوساط بأنّ «لا حلول متوقّعة خلال عهد الرئيس ميشال عون». وهذا الاقتناع يثير هلع اللبنانيين، إذ يعني أن لا مجال حتى للمُسكّنات في الأشهر المقبلة، وأنّ وضعية الاهتراء التي تتكرّس حالياً ستستمرُّ عاماً إضافياً، بما تحمله من كوارث، فيصبح البلد محكوماً بمعادلةٍ جهنمية: شعبٌ جائع ضائع في دولة فاسدة فاشلة.
في السابق، كان فريق عون يعتبر أنّ خصومه هم الذين يتعمدون تعميم فرضية العهد الفاشل. ولكن، اليوم، بات هذا الفريق نفسه مقتنعاً بأنّ لا مَهرب من الاعتراف بالفشل، حتى إنّه توقف عن الرهان على السنة السادسة لتعويض ما خسره في الأعوام الخمسة السابقة. أي أنّ فريق عون السياسي انضمَّ إلى خصومه في الاعتراف بالفشل، ولكن طبعاً من زاوية تحميلهم المسؤولية.
على الأرجح، فريق العهد يفكّر اليوم بتجاوز عثرات السنوات الـ6، وقد بدأ يحضِّر لما بعدها، لعلّ الظروف تتبدّل وتنضج الحلول. والتوصيف الدقيق هو أنّ فريق عون يرغب في أن تكون له فرصة جديدة بعد العام 2022، بانتخاب النائب جبران باسيل رئيساً للجمهورية. وإلّا، فلماذا لا يبقى عون نفسه في الموقع… حتى إجراء انتخابات تأتي بباسيل؟
والسيناريو الذي يناسب فريق عون يقضي بإجراء انتخابات نيابية تُكرّس التوازنات الحالية في المجلس النيابي وتتيح انتخاب باسيل. ولكن، إذا كانت الانتخابات النيابية ستؤدي إلى اختلال المعادلة وتعيد خلط الأوراق بما يهدّد حظوظ باسيل، فالأحرى أن تطير الانتخابات الرئاسية أيضاً، ويُعاد الخلط جذرياً.
طبعاً، الخصوم من داخل منظومة السلطة وخارجها يعملون لإحباط مخطّط عون وباسيل. ولذلك، معركة عون- بري ترتدي اليوم طابع «الموت أو الحياة»، لكل من المحورين. فبأي ثمن، يريد بري إحباط وصول باسيل أو التمديد لعون، لأنّ تجربة السنوات الـ5 الفائتة كانت متعبة له. وهو يرغب في تمرير العام الأخير من العهد «بالتي هي أحسن»، لعلّ الآتي يحمل الفرج.
وهذا التقاطع بين القوى المحلية على الاعتراف بفشل العهد يلتقي مع كلام بالغ الخطورة يجري تداوله في الأقنية الإقليمية والدولية، ومفادُه: فلنترك لبنان ينضج بناره، كي يرضخ للضغوط، ويصبح مستعداً للقبول بالخيارات التي سيوضع أمامها في المراحل المقبلة من مخاض الشرق الأوسط.
وهذا الكلام يوحي بأنّ على اللبنانيين عدم التيقن من اقتراب الحلول، لا قبل الانتخابات ولا بعدها. لا في عهد عون ولا بعده. ولذلك، غالباً ما يَطرَح المراقبون سؤالاً على الديبلوماسيين الغربيين والعرب المعنيين: «متى تتوقّعون أن يدخل لبنان مسار الحلول»؟ فيأتي الجواب كالآتي:
«فقط، أنتم اللبنانيين تسألون عن الوقت، لأنكم أنتم الذين تتألمون. ولكن، «كمبيوترات» القوى الدولية والإقليمية لا تشعر بالوجع. وهي تُجري حساباتها ببرودة وتقرّر مصائر الشعوب، ولا مشكلة عندها إذا وصلت إلى النتائج المتوخاة خلال شهور أو سنوات. ولتتحمَّل هذه الشعوب مسؤولياتها وتدبِّر رؤوسها».
ويذكّر هؤلاء بأنّ هناك دولاً عدّة في آسيا وأفريقيا وأميركا تغرق في الأزمات والحروب المريرة منذ سنوات، بل عشرات السنين، ولم يكلف أحدٌ نفسه عناء التضحية من أجلها. وعلى العكس، تداخلت أزماتها وتناسلت وقام كل طرف دولي بعمليات الاستغلال وفقاً لما تقتضيه المصالح.
ويمكن القول أيضاً إنّ الحرب التي اندلعت في لبنان، العام 1975، لم تتوقف منذ نحو نصف قرن، وهي مستمرة حتى اليوم بأشكال مختلفة، عسكرية وأمنية وسياسية واقتصادية وثقافية، وبين أطراف عدة لبنانية وأجنبية، وليست في الأفق فرصة لانطفائها في المدى المنظور.
هذا الاستنتاج يعني أنّ مرحلة الاهتراء التي يدخل فيها لبنان حالياً، والتي ستحكم سنة الاستحقاقات الحسّاسة، ليس حتمياً أنّها مرحلة نهائية وأنّها ستقود إلى تسوية. وعلى العكس، هي ربما تقود البلد إلى مستوى أسوأ من التردّي يستمرّ شهوراً بل سنوات أخرى، سواء جرت الانتخابات النيابية والرئاسية أو تأجّلت.
فهل يتحمَّل لبنان فصولاً من هذا الإهتراء المتمادي، ولفترات طويلة، بعدما وصل إلى هذه الحال؟ واليوم، مع انطلاق مسار انحداري جديد لليرة، ما هي المرتكزات الباقية لصمود الدولة فترات أطول، في مواجهة الموجة العاتية من الجوع والتضخم والهجرة والبطالة والركود؟ وتالياً، أي تداعيات متوقعة سياسياً وطائفياً واجتماعياً وأمنياً؟
في اعتقاد البعض أنّ تعطيل الاستحقاقات سيُغرق البلد في أزمة نظام لا ينهيها إلّا مؤتمر تأسيسي، وهذا خيار «حزب الله» المفضّل. ولكن، إذا استمر انحدار البلد لفترات طويلة، بلا كوابح، فبالتأكيد ستكون التداعيات حاسمة على المؤسسات كما على الأرض. وفي هذه الحال، قد تأتي الحلول ذات يوم… لكن لبنان لن يكون هنا!