عدة أسباب اجتمعت لتساهم في إنهيار قطاع الإتصالات في لبنان؛ أولها انهيار سعر الصرف، ما يؤدي الى تراجع مداخيل الشركات، وبالتالي تسريح عدد كبير من العاملين في هذا القطاع، وتأثر جودة الخدمات المقدمة وصعوبة تطوير الشبكة، تليها أزمة شح مادة المازوت.
أزمة المحروقات
رئيس هيئة “أوجيرو” عماد كريدية ناشد المعنيين لإيجاد حل قبل أن ندخل في المحظور. محذراً من أن “لبنان مهدّد بالإنقطاع التام في الإنترنت وعزله عن دول العالم، إذا لم توزع المنشآت النفطية المازوت لشركات الاتصال الثلاث ”أوجيرو”، و”ألفا” و”تاتش”. مؤكّداً أن “هذه الشركات غير قادرة على تأمين الدولار لشراء المازوت وتشغيل محطاتها”. وأوضح كريدية أن “هذه الشركات كانت تشتري في السابق المازوت من المنشآت النفطية بالليرة اللبنانية، إلا ان وزير الطاقة فرض بموجب قرار أصدره إستيفاء ثمن المازوت بالدولار الأميركي، فيما نحن كمؤسسة عامة موازناتنا بالليرة اللبنانية ولا نتعامل بالدولار وليس بإمكاننا تأمينه”، وأشار إلى “وجود مشكلة حقيقية تتمثل بان مولداتنا تعمل لمدة 22 ساعة من أصل 24 ساعة يومياً منذ خمسة أو ستة أشهر، في حين أنها يجب أن تعمل لمدة 4 أو 5 ساعات فقط. ونحن مسؤوليتنا هي تأمين الإتصالات وليس تأمين الكهرباء”.
“المشكلة اليوم تتعلق بغلاء مادة المازوت وليس بوفرتها، إضافة الى فداحة تأثير انقطاع التيار الكهربائي الذي توفره شركة كهرباء لبنان”، يقول خبير التحويل الرقمي رامز القرا. “هذه العوامل تؤثر على الجودة. وما يزيد القلق مع اقتراب فصل الشتاء وبعد مرور وقت طويل على استعمال المعدات، صعوبة إصلاح وصيانة الأعطال التي تواجه شبكات الإتصالات وفقدان قطع الغيار والمواد التقنية للبنية التحتية لشبكات الإتصالات، التي يتم استيرادها من الخارج ويجب تسديد أثمانها بالعملة الصعبة”.
لا غنى عن الانترنت
لا يمكن إخفاء أهمية قطاع الاتصالات والإنترنت على جميع الاصعدة، إن كان من الناحية العملية او العلمية، وخاصة بعد انتشار جائحة كورونا، حيث اضطر عدد كبير من الموظفين لتحويل بيوتهم الى مكاتب عمل، كما الى مقاعد دراسية للتلاميذ. إضافة الى عدد كبير من اللبنانيين الذين لجأوا الى تطوير عملهم واقامة مشاريع صغيرة عبر الانترنت، كبيع أو ترويج الملابس ومنتجات أخرى. ومن ناحية أخرى، يرى قسم آخر من المواطنين أن اللجوء الى استعمال مواقع التواصل الإجتماعي يعتبر “فشة خلق”، فهي تخرجهم من الأجواء السلبية التي تدور حولهم. لذلك يعتبر قطاع الاتصالات والانترنت “عصب الإقتصاد” في لبنان، يقول القرا، “ونرى أن جميع القطاعات أصبحت مرتبطة بتوفره، فالمصارف لا يمكنها أن تقوم بالتحويلات بين فرع وآخر بدون توفر الانترنت، وكذلك المدارس التي تعتمد على التعليم المدمج، والشركات العادية التي تتطلب وجود شبكة انترنت بجودة عالية للقيام بعملها”. ويوضح أنه “حتى اليوم لا يوجد أي خدمة بديلة عن الانترنت في لبنان، فلا يجوز اللجوء للإنترنت عبرالأقمار الصناعية من دون موافقة الدولة”.
إنهيار القطاع وهجرة الكفاءات
“الى جانب فقدان وغلاء الموارد الأساسية والبنى التحتية الضرورية لعمل هذا القطاع بشكل طبيعي، يعاني أيضاً من فقدان الموارد البشرية الكفوءة”، تقول المديرة الإقليمية في شركة “Intalio” ستيفاني عزاريان، “وذلك بسبب تدهور القدرة الشرائية وتدني أجور الموظفين. حيث بات حلم الكثير منهم هو الهجرة للبحث عن فرص عمل أفضل والاستقرار في الخارج، أو حتى العمل في شركات أجنبية على الأراضي اللبنانية، ما يخلق منافسة غير عادلة بين الموظفين في هذا القطاع”. وتتحدث أيضاً عزاريان عن الأثر السلبي الذي يمكن أن يترتب على القطاع بعد توجيه الإنذارات من الشركات المعنية وتقول: “إن هذه الإنذارات والمشاكل التي يواجهها قطاع الاتصالات ستؤدي الى هروب الاستثمارات الخارجية، خوفاً مما سيحمله مستقبل البلد”.
ما المطلوب؟
“المطلوب اليوم هو البدء بخطوات جدية وبسيطة”، يقول قرا، حتى ولو لم تتوفر الامكانيات المادية. فعلى سبيل المثال قد تكون من أهم الخطوات التي يمكن أن تقوم بها الدولة:
• إنشاء إمدادات وخطوط غير مدعومة للشركات القادرة على تسديد ثمنها بالدولار النقدي، وذلك لتحافظ على استمرارية عملها.
• الحصول على الانترنت عن طريق الأقمار الصناعية بدلاً من الاعتماد على الدولة.
• رفع التعرفة الذي بات حقيقة لا مهرب منها.
من جهتها تعتبر عزاريان أن المطلوب هو “دعم توفر الأساسيات لاستمرار هذا القطاع (بنية تحتية، كهرباء وانترنت)، خاصة وأن الدولة لم تقم بدعم هذا القطاع على مستوى الخدمات الاخرى في لبنان، ليتمكن المواطن اللبناني الاستفادة من قدراته وخبراته في هذا المجال وتطوير عمله عن طريق تصدير الموارد والخدمات الى الخارج. إضافة الى الحفاظ على الأمن كي نتمكن من استقطاب استثمارات من الخارج”.
من المفترض أن يؤمن هذا القطاع للمواطنين أفضل وأجود الخدمات وبأرخص الأسعار، خصوصاً أنه يؤمن ايرادات كبيرة للدولة، وعلى المسؤولين البدء بالعمل لحل الأزمة قبل أن نخسر واحداً من أهم القطاعات الحيوية في البلد. وليس أمامهم سوى حلين: إما رفع التعرفة كسائر القطاعات ما سيزيد من معاناة الشعب، إما التوجه نحو “وهم” الدعم وبالتالي زيادة انهيار هذا القطاع.