في ظل الخلافات التي شهدها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي المعروف باسم “الموساد” بعد تقديم عدد من كبار مسؤولي الأجهزة مؤخراً أبرزهم رئيس جهاز التكنولوجيا ورئيس جهاز مكافحة الإرهاب ورئيس جهاز تجنيد العملاء، جاء تعيين الرئيس الجديد للموساد ديفيد برنيع ليزيد التعقيدات في هيكلية الجهاز لما يطرح اسمه من تحديات على أكثر من مستوى أولها العلاقة مع الولايات المتحدة. فبالتوازي مع الاهتمام الكبير الذي يوليه برنيع للبرنامج النووي الإيراني والذي ترجمه بقيادة عمليات اغتيال ضد علماء إيرانيين كان مسؤولا مباشر على ارتكاب الجرائم بحقهم، تفضل واشنطن العودة إلى الاتفاق وردع أي عمل تخريبي قد يضطر الجمهورية الإسلامية للقيام بالتصعيد. وضمن سلسلة “إعرف عدوك” يأتي هذا الطرح لأبرز ما يتعلق برئيس الموساد الجديد ديفيد برنيع.
ولد برنيع في 29 آذار 1965 في عسقلان. لعائلة كانت تعرف بعصبيتها اليهودية الشديدة، وأبوين محافظين، حيث فرّت عائلة والده من ألمانيا مع صعود هتلر للحكم وهاجرت لفلسطين المحتلة عندما كان عمر والد برنيع ثلاث سنوات. والده خريج مدرسة هبوعيل مزراحي في بني براك. في سن السادسة عشر، جُند والده في البلماح (البلماح أو البلماخ، اختصارا لعبارة “پلوجوت ماحتس” أي سرايا الصاعقة، هو القوة المتحركة الضاربة التابعة للهاجاناه الجيش غير الرسمي لليشوف (المستوطنات اليهودية) أثناء الانتداب البريطاني في فلسطين. وقاتل مع الكتيبة الثالثة للتنظيم في معارك النبي يهوشوع والاستيلاء على تزيماخ وصفد.
عقب إعلان إقامة “إسرائيل” في عام 1948، خدم والده كضابط في سلاح الجو “بالجيش الإسرائيلي”. ثم أصبح مديرا لشركة “تاديران” “الإسرائيلية” التي كانت متخصصة في مجال الكهرباء والإلكترونيات والاتصالات.
أما والدة رئيس الموساد الجديد فكان اسمها “ناعومي”، وولدت على متن سفينة بريطانية تعرف باسم “باتريا”، كانت تحمل مهاجرين يهود هاربين من ألمانيا في نوفمبر 1940، وأرادت أن ترسو على شواطئ فلسطين، فرفضت قوات الانتداب البريطاني آنذاك ذلك، وأعدت هذه السفينة لنقل اليهود عليها إلى جزيرة موريشيوس، لكن عصابات الهاجاناة الصهيونية، زرعت قنبلة في السفينة التي كانت راسية في ميناء حيفا، لإعطابها حتى لا تكون قادرة على الإبحار، وكان الهدف التسبب بضرر بسيط فيها، لكن الأضرار كانت كبيرة للغاية حتى إن السفينة غرقت في 25 نوفمبر 1940، ما تسبب في غرق أكثر من 208 من اليهود المهاجرين، وذهبت تقديرات أخرى إلى غرق أكثر من 250 يهوديًا، بالإضافة إلى اثنين من الشرطة البريطانية. وأصبحت «ناعمي» بعد ذلك معلمة ومديرة مدرسة. وهذا ما جعل ما انعكس مباشرة على تربية ديفيد بشكل مباشر على العصبية والكره والإصرار على الانتقام.
ترعرع برنيع في بيت صهيوني “متدين”، في ريشون لتسيون وهي مدينة تقع في المنطقة الوسطى، جنوب تل أبيب وتعد رابع المدن “الإسرائيلية التي تم احتلالها من فلسطين” من حيث عدد السكان.
انضم دايفيد برنيع في عمر 15 للمدرسة الداخلية العسكرية في تل أبيب بدافع الرغبة بتطوير قدراته القيادية في الجيش. حينها قرر أنه يريد أن يكون قائد ولذلك قرر أن يغادر البيت للمدرسة الداخلية.
في عام 1983 تجند برنيع للجيش وخدم كمقاتل وقائد في سييرت ماتكال.
حين أنهى جميع الفريق الخدمة في الجيش، أجّل برنيع خدمته لمدة سنة وذلك لإتمام أنشطة عملياتية حساسة ذات أهمية استراتيجية لإسرائيل كان مشاركًا بها.
بين عامي 1989-1992 توجه لنيويورك لدراسة إدارة الأعمال في “معهد نيويورك للتكنولوجيا” وبعد ذلك فورًا واصل دراسته الجامعية العليا في كلية إدارة الأعمال في جامعة PACE في نيويورك وحصل على شهادة ماجستير في إدارة الاعمال بتخصص التمويل مع مرتبة الشرف.
بعد الانتهاء من الدراسة، عمل في بنك استثماري في “إسرائيل”، ثم عمل كمحلل اقتصادي ومدير أعمال في شركة تسمى «كلال مانفيكيم». وفي العام 1996 انتسب للموساد.
البطاقة العملية
عام 1996-1997 خضع لدورة ضباط الجمع (التابعة لشعبة تسوميت المسؤولة عن تجنيد العملاء) وبرز في هذه المرحلة كرجل محترف. فتم تعيينه في شعبة العمليات. كما تم تعيينه في شعبة جمع المعلومات “كيشيت”، وسريعاً وبتعيين من رئيس الموساد في ذلك الوقت مائير داغان شغل منصب نائب رئيس شعبة “كيشيت” التي تتولى تنفيذ عمليات وجمع معلومات بوسائل تكنولوجية تتضمن المراقبة والقرصنة والعمليات في دول مهمة، ودول تربطها علاقات دبلوماسية “بإسرائيل”، مما سمح له بالاحتكاك واكتساب الخبرات لممارسة عمليات من نوع مختلف ومهم جدًا للموساد.
في نهاية سنوات التسعينات خرج في مهمة بالخارج وعمل بجانب يوسي كوهين الذي شغل حينها منصب رئيس الوفد في تلك الدولة. في نشاطاتهم المشتركة، قدموا ونفذوا عمليات وصفت بالـ “جريئة” في الدولة الأجنبية، وفي 2003 حصلوا على جائزة أمن “إسرائيل”.
لاحقًا ذهب برنيع في مهمات أخرى، هذه المرة كرئيس وفد في نفس الدولة. تطلبت عملياته موافقة خاصة من رئيس “الموساد” مائير دغان بسبب تعقيدها. الحديث عن عمليات كبيرة تعتبر حتى اليوم مهمة بالنسبة لأمن “إسرائيل”. اعتُبر برنيع في تلك الفترة رفيق دغان ولاحقًا كوهين أيضًا.
في عام 2007 عاد “لإسرائيل” وتم تقديمه على يد دغان لوظيفتين مختلفتين في الجهاز. فقد واصل الصعود في سلم الوظائف حتى وصل دور نائب رئيس وحدة (تسوميت) – كنائب لكوهين.
واصل تامير باردو، الذي شغل في تلك السنوات منصب رئيس “الموساد” (2010 – 2016)، تطوير قدرات برنيع القيادية وفي خطوة غير عادية عينه كنائب رئيس شعبة المقاتلين، لاحقًا تم تعيينه على يد باردو كرئيس شعبة “تسوميت”.
في عام 2013، مع دخوله لمنصب رئيس شعبة “تسوميت”، ترأس تغييرات تنظيمية جوهرية بما فيها تغييرات في النظريات القتالية والعملياتية للموساد.
في عام 2019 تم تعيين برنيع كنائب رئيس “الموساد” ورئيسًا لإدارة العمليات في الجهاز. في تلك الفترة عمل جنبًا إلى جنب مع كوهين ونفذوا مع بعضهما البعض سلسلة من الجرائم التي تتعارض مع القانون الدولي عمليات كسرقة بعض الملفات من الأرشيف الايراني في طهران.
برنيع متزوج وأب لأربعة أبناء، يتحدث دافيد برنيع العربية والعبرية والإنجليزية بطلاقة بالإضافة إلى إجادته لغات أخرى..
كيف سيكون الموساد تحت إدارة دايفد برنيع
في الخطاب الذي كشف فيه عن اسم دايفيد برنيع بعدما أزيلت السرية عنه، أعلن نتنياهو “أبلغكم اليوم بتعيين دايفد (ديدي) برنيع رئيسا للموساد الدائم المقبل”. “من أجل استمرار الموساد في “إسرائيل” على طريق الإنجاز، لضمان أمن “إسرائيل”. المهمة الأولى لكل واحد منكم هي منع إيران من تسليح نفسها بأسلحة نووية. هذه هي المهمة العظمى”.
في الواقع، في السنوات التي تولى فيها قيادة فرقة المفرق، كان برنيع مسؤولاً عن العمليات الرئيسية في تاريخ التنظيم، بما في ذلك تلك التي جلبت لإسرائيل المعلومات الاستخبارية الدراماتيكية حول القضية النووية الإيرانية وتعزيز حزب الله. وتابع نتنياهو: “كل عملية تقوم بها هي أكثر جرأة وإبداعًا وجنونًا من سابقتها”. “جيمس بوند مصاص مقارنة بك. سنفتتح دور السينما في غضون أيام قليلة، لا يوجد فيلم حركة واحد يقارن بما تفعله المؤسسة.”
كما شارك رئيس الموساد المنتهية ولايته، يوسي كوهين، في التهاني وتمنى له الكثير من التوفيق في منصبه. وقال كوهين “أنا مقتنع بأن رئيس الموساد الجديد سيشكل قوة وسيواصل قيادة الموساد إلى نجاحات عملياتية وإنجازات مهمة”. “العمليات المختارة هي عمليات استثنائية وفريدة من نوعها، والتي ساعدت بشكل كبير على تعزيز أمن “إسرائيل”. وتمثل جميع العمليات المختارة نطاق الأنشطة العملياتية للموساد، وستكون ممكنة بفضل عمل الموساد. كل الوحدات معًا”.
وفي أول خطابٍ له بعد توليه مهام منصبه، وجه برنيع تهديدات إلى إيران، متحدثًا وقتها عن أن طهران تتقدم باستمرار نحو برنامج لإنتاج أسلحة دمار شامل. وقال برنيع، في حفل تنصيبه: “إيران تعمل، حتى في هذه اللحظة بالذات، على تحقيق رؤيتها النووية تحت غطاء من الحماية الدولية وتحت رعاية الاتفاقية النووية التي أبرمتها القوى العالمية مع إيران، وتسعى الولايات المتحدة إلى العودة إليها بعد انسحاب الإدارة الأمريكية السابقة منها عام 2018”.
يفيد تقدير كبار المسؤولين في الموساد وفي أجهزة “إسرائيلية” أخرى أن برنيع سيجعل جهاز الموساد مرةً أخرى منظمة تعمل في صمت، وتتجنب أنظار العامة والتغطية الشخصية التي ميزت عهد يوسي كوهين.
وستتمثل أولويته أيضًا في تحسين العلاقة بين “إسرائيل” والولايات المتحدة خلال ولاية الرئيس جو بايدن، وبين الموساد ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) على وجه الخصوص.
جدول أعمال الموساد، الذي يضم حوالي 7 آلاف موظف، بعد شغل برنيع لمنصبه لن يتغير. وستظل الجهود المبذولة لجمع المعلومات عن البرنامج النووي الإيراني وإحباط جوانبه العسكرية، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، على رأس أولويات الجهاز. هذا بالإضافة إلى جمع المعلومات الاستخباراتية، وإحباط الأنشطة والعمليات الخاصة من طرف حزب الله في “إسرائيل” وأماكن أخرى، وجمع المعلومات الاستخباراتية عن خطط جماعات الجهاد الإسلامي لشن هجمات على أهداف “إسرائيلية” ويهودية، وحماية المؤسسات اليهودية في جميع أنحاء العالم، وكذلك توثيق الروابط مع أجهزة الاستخبارات الأخرى، والبلدان والمنظمات التي ليس “لإسرائيل” علاقات دبلوماسية معها. ويقيم الموساد حاليًا علاقات من هذا القبيل مع 150 جهة.
وعلى الرغم من أن الموساد وكالة تجسس مهمتها الأساسية جمع المعلومات من خلال عملاء – الاستخبارات البشرية – على مدى العقد ونصف العقد الماضيين، إلا أن الجهاز استخدم على نحو متزايد التكنولوجيا والحرب الإلكترونية. ويبدو أن الاتجاه سوف يستمر نحو استخبارات هجينة، مزيج من الاستخبارات البشرية واستخبارات الإشارات.
ويعتزم برنيع بعد مدة وجيزة من توليه المنصب تعيين نائب له، وهو شخص لا يمكن تعريفه الآن إلا بحرف إي، وهو مهندس ميكانيكي، وكان نشاطه التشغيلي في الغالب في قسم كيشيت.
ربما تكمن خطورة رئيس الموساد الجديد دايفد برنيع في إدارته الشخصية لعمليات التجنيد والتخابر في دول تقيم علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل”، ما جعله، بحسب الكاتب “الإسرائيلي” المتخصص في الشؤون الأمنية رونين برجمان، أكثر العناصر الاستخباراتية احتكاكًا بالعمل الميداني.
ورغم ملف خبرات برنيع، المتخم بعمليات سرية، منحته أرفع الأوسمة الأمنية في تل أبيب، لكن مهامه الجديدة قد تواجه صعوبات وعراقيل يصعب تفاديها.
برنيع ورث عن سلفه يوسي كوهين مهمة إقناع دول جديدة بتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، لكن الأخير كان مدثرًا في حينه بغطاء من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بينما يؤشر الواقع الجديد إلى تآكل هذا الغطاء نسبيًا مع إدارة بايدن. وإذا كان لبرنيع دور كبير في إنجازات كوهين على الصعيد الإيراني، فالإيرانيون حاليًا، خاصة بعد تفجير منشأة نطنز، وتصفية أكثر من عالم نووي، انتبهوا إلى ثغراتهم الأمنية، وهو ما قد يحول دون نجاح عمليات مماثلة، تنفي “إسرائيل” عادة مسئوليتها عنها.
وفى ظل تقديرات اقتراب إيران من تجاوز العتبة النووية، وحرص واشنطن على إحياء الاتفاق النووي معها، تواجه مهمة برنيع على هذا الصعيد صعوبة بالغة التعقيد، إذ ستفرض إدارة بايدن قيودًا على أنشطة الموساد. ووفقًا للكاتب الإسرائيلي المخضرم رون بن يشاي، لن يقبل قادة البيت الأبيض بتوترات في إيران قبل وبعد اتصالات العودة للاتفاق النووي، ولن تسمح واشنطن كذلك باستهداف ما تبقى من جنودها في المنطقة، خاصة في العراق، ردًا على عمليات “إسرائيلية” تستهدف منشآت أو علماء إيرانيين، كما كان متبعًا في الماضي غير البعيد.
ويرى مراقبون في تل أبيب أن برنيع سيضطر في أولى مهامه إلى بناء جسور الثقة مع الإدارة الأمريكية، وتعزيز العلاقات مع مؤسساتها الاستخباراتية، وبلورة استراتيجية وأسلوب عمل جديد معها، يحظى بموافقة الطرفين، نظرًا لحاجة “إسرائيل” لمساعدات عسكرية وسياسية أمريكية، إذا اقتربت إيران من قدرات نووية أعلى، وأضحت هناك ضرورة للتنسيق مع واشنطن حول الواقع الجديد.
وتعد هذه المهمة هي الأكثر تعقيدًا أمام رئيس الموساد الجديد، لكن تعقيداتها ستتفاقم، إذا عيَّن نتنياهو يوسى كوهين موفدًا خاصًا له في الملف الإيراني، لاسيما وأن إدارة بايدن لا تميل إلى التعاون مع نتنياهو. ورغم أن كوهين هو الأكثر تأهيلًا للتعاطي مع هذا الملف، لكنه في حقيقة الأمر محسوب جدًا على معسكر نتانياهو
الأكثر من ذلك، ففي ظل دعم نتنياهو، فإن كوهين كان سيتمتع حينئذ بفوقية وصلاحيات تربو على منصب رئاسة الموساد، وهو ما يقلِّص حرية قرارات برنيع، الذي ربما يخشى تطوير مبادرات خاصة به. علاوة على ذلك، سيضطر برنيع إلى مضاعفة عمليات جمع المعلومات، للحيلولة دون تعاظم قوة حماس والجهاد الإسلامي، بعد عملية “حارس الأسوار”، وهي المهمة التي لم يضعها الموساد سابقًا على رأس أولوياته، وإنما كانت موكلة لأجهزة أمنية أخرى.
قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إنه إذا كان رئيسُ جهاز الاستخبارات “الإسرائيلي” (الموساد) السابق يوسي كوهين، قد عرف بانجذابه إلى الأضواء، فإن خليفته دايفد برنيع الذي تولى منصبه في الأول من الشهر الجاري، يفضل الظل والعودة إلى تقاليد وكالة التجسس “الإسرائيلية”.
وتوقفت الصحيفة عند مسيرة المدير الجديدة لجهاز الموساد، قائلة إنه عارف لخبايا هذا الجهاز الذي كان الشخصية الثانية فيه لمدة ثلاث سنوات؛ مشيرة إلى أنه قد ارتقى في الرتب، حيث كان مسؤولاً عن تحديد وتجنيد وإدارة العملاء في قسم أهداف المراقبة والتسلل. وقادهم حول العالم للتعامل مع مواضيع “إسرائيل” ذات الأولوية: إيران وحزب الله.
وأضافت الصحيفة أن يوسي كوهين “وسيم الموساد” تميز خلال فترة ولايته، من خلال تنظيم سرقة وثائق نووية إيرانية حساسة في طهران؛ وحظي بتغطية إعلامية كبيرة من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. كما لعب كوهين دوراً حاسماً من خلال دبلوماسيته الأمنية في التقارب مع الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة، والتي توجت باتفاقات أبراهام في عهد ترامب.
وكانت إحدى العمليات الرئيسية المنسوبة إلى الموساد خلال العام الماضي، بينما كان دايفد برنيع نائباً لرئيسه، اغتيال مدير البرنامج النووي العسكري الإيراني، محسن فخري زاده، في 27 تشرين الثاني. ومضت “لوفيغارو” إلى القول إنه على الرغم من أن الموساد هو وكالة تجسس تتمثل مهمتها الأساسية في جمع المعلومات الاستخباراتية من خلال الاستخبارات البشرية، إلا أنه يستخدم بشكل متزايد التكنولوجيا والحرب الإلكترونية. ويوضح الصحافي والكاتب المتخصص يوسي ميلمان أن “كبار مسؤولي الموساد يصفون دايفد برنيع بأنه مصلح منفتح على التغيير الهيكلي والتنظيمي والمهني، وشخص غير متحفظ في طرقه وليس محافظاً”. فمنذ إنشائه قبل 72 عامًا، تعرض الموساد لاضطرابات تعكس التغيرات في المجتمع “الإسرائيلي”. واحد منها، هو تأنيث المهنة. فلطالما أشعل الموساد الخيال في الخارج وفاقم في الداخل “الإسرائيلي” ثقافة البطولة الذكورية.
اليوم، فإن ما يقرب من 40% من القوى العاملة من النساء. وفي عام 2019، شكلت النساء 47% من المجندين الجدد في الموساد. 30% من قادة الوحدات اليوم من النساء.
يقول الخبراء إن الموساد تكيف للسماح للمرأة بالزواج وإنجاب الأطفال، مع منحها الفرصة لمواصلة مهامها. وعندما يتم تجنيد امرأة من قبل الموساد، يقوم أرباب العمل أيضا بمقابلة زوجها. هل يقبل رعاية الأبناء أثناء غيابها كما في أي مهنة؟
ويبدو يوسي كوهين مقتنعا بأن الموساد ستقوده امرأة في يوم من الأيام. فوفقا له، فإن الفرق المختلطة أكثر نجاحا في إنجاز المهام المعقدة. وهي وجهة نظر يتشاركها معه خليفته؛ تقول لوموند، موضحة أن الموساد لديه حوالي 7 آلاف موظف، معظمهم يعملون في مقر Glilot في الضواحي الشمالية لتل أبيب، بقيادة الوحدات التنفيذية، فيما تقوم النساء بشكل أساسي بمهام المراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية في الميدان.
تسلم برنيع مركزه عند مفترق طرق دراماتيكي في تصميم الأمن السري “إسرائيل”. في الأيام التي يستعد فيها الأمريكيون للعودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران، سيعطي الموساد الأولوية لهذه القضية من أجل محاولة كبح إيران التي يرفض الغرب حاليًا فهمها وقبولها – إيران التي تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية وثلاثية. تتمثل إحدى أهم المهام في جلب معلومات استخباراتية يمكن أن تغير الواقع في الشرق الأوسط. في الوقت نفسه، فإن المؤسسة كمنظمة استخباراتية يُنسب إليها عدد غير قليل من العمليات غير المعروفة، مثل اغتيال علماء نوويين، يجب أن تستمر في الحفاظ على الغموض فيما يتعلق بالعمليات الهادئة في الخارج.
مع وصول برنيع إلى رئاسة جهاز الموساد أعادت رابطة قدامى الموساد تذكيره بضرورة الموافقة على تمرير قانون الموساد ليعيد الجهاز إلى الصمت بعدما أضر به سلفه يوسي كوهين بكشفه عن عمليات وتفاصيل كانت من المحرمات في عرف وعقيدة الموساد التشغيلية والامنية.
ومن بين القوانين، التي نشرت أن حكومة بينيت الجديدة تنوي تمريرها، لم يذكر قانون واحد، ضرورة ملحة كثيراً، المقصود قانون الموساد، الذي سينظم الموقع القانوني لمنظمة الاستخبارات الخارجية “لإسرائيل” وسيحدد صلاحياته وواجباته – على شاكلة قانون الشاباك -، الذي تم سنّه في العام 2004.
الحاجة إلى قانون كهذا أصبحت أكثر وضوحاً خصوصاً خلال خمس سنوات ونصف على تولي يوسي كوهين منصب رئيس الموساد. تمتع كوهين بعلاقات خاصة، موضع خلاف، مع رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو. أدلة شائنة على العلاقة بينهما قدمها كوهين خلال مقابلة مع برنامج “عوفدا” حينما تفاخر كوهين خلالها بإنجازاته وكشف أسرار عملية تتعلق بإيران. تصرفاته كانت استثنائية إلى حد أنهم في “أغمون”، وهي جمعية متعاقدي الموساد، درسوا تقديم احتجاج جماعي. في نهاية الأمر، اكتفى مدير عام الجمعية بنقل رسالة لكوهين ولمسؤولي الأقسام والإدارات في الموساد.
وحيث أن رئيس الموساد يعين شخصياً من رئيس الحكومة ولا يخضع لمصادقة الحكومة. وحيث أن كل ما هو مطلوب من رئيس الحكومة عند تعيين رئيس أحد أقوى الأجهزة التي تعمل في الظلام في “إسرائيل”، هو إبلاغ سكرتير الحكومة بالقرار. أي أن مصير هذا الجهاز الحساس، مرتبط كله بسلطة رئيس الحكومة، بدون إشراف مناسب، بما يليق بنظام يعتمد المؤسسات.
يوجد للموساد مراقب داخلي، كشف في السابق عدة حالات فساد. بعض المراقبون، حتى الذين اعتبروا أقوياء، حصوا بشكل خاص مسائل لوجستية، مثل المناقصات واجراءات بناء وغيرها. وفي هذه المواضيع كشفوا في فترة مئير داغان عن مخالفات وتجاوزات. لكنهم لا يستطيعون فحص إذا كانت هناك ظواهر تبذير أموال وأيضاً فساد في المجالات العملياتية. أيضاً رقابة اللجنة الفرعية للجنة الخارجية والأمن، غير كافية.
منذ عقدين تقريباً، يتم طرح فكرة قانون الموساد بين حين وآخر على الأجندة العامة – وتختفي.
وفي فترة ولاية حكومة إيهود باراك قال وزير العدل “الإسرائيلي” يوسي بيلين في مقابلة مع “هآرتس” بأنه يفحص تقديم مشروع قانون بهذا الشأن. أيضاً المستشاران القانونيان للحكومة اللذين شغلا هذا المنصب منذ العام 2010، يهودا فاينشتاين وافيحاي مندلبليت، حاولا دفع هذا الموضوع قُدُماً.
في السنوات الأخيرة كان كوهين من أعاق سَنّ القانون، الذي صيغت مسودته قبل فترة قصيرة على تسلمه المنصب في العام 2016.
عملياً، رؤساء الموساد الثلاثة الذين سبقوا كوهين، فرايم هليفي، داغان وتمير باردو، أيدوا هذا التشريع. وبشكل خاص عمل باردو الذي شغل هذا المنصب في الأعوام 2011 – 2016 على الدفع قدما بهذا القانون. وقد انكبت على صياغته أيضاً نائبة المستشار القانوني السابقة، دينا زلبر، والمستشارة القانونية لمكتب رئيس الحكومة شولاميت برنياع – بارغو. إلا أن هذا الاجراء تم وقفه عند دخول كوهين إلى مكتب رئيس الموساد. أسباب ذلك واضحة، من الأسهل العمل بدون قيود قانونية ورقابة، لكن هذا بالضبط هو السبب لماذا من المهم سنّ هذا القانون.
إضافة إلى مسائل التبذير والفساد، هدف القانون هو منع تطور أوضاع خطيرة. مثلاً، وضع يتعاون فيه رئيس الحكومة ورئيس الموساد ويأخذان على عاتقهما، دون إشراك الحكومة، قراراً بالقيام بتنفيذ اغتيال أو تخريب في دولة مثل إيران، يمكن أن تكون نتائجها كارثية.
ينبغي على قانون الموساد أن يقول ما هو مسموح وما هو ممنوع على المنظمة فعله. يحظر عليه، بالطبع، أن يعمل داخل حدود “إسرائيل”، خلافاً للشرطة والشاباك. ويبدو أن هذا هو العائق الأكبر الذي يقف أمام الدفع قدماً بالقانون. ولكن كيف يقومون بصياغة قانون يسمح للجهاز بخرق سيادة دول أخرى؟ ولكن هذه مشكلة قابلة للحل، مثلما يثبت قانون الـ “سي. آي. إيه” من العام 1974.
أولاً، يجب أن يحدد القانون، بأن الموساد سيعمل وفقاً لقرارات الحكومة. وبذلك يمنح موظفيه الغطاء القانوني الذي يحتاجونه في عملياتهم في الخارج. اليوم، مع عدم وجود هذا القانون، يمكن أن يتكون وضع يتنصل فيه رئيس الحكومة من مسؤوليته على الموظفين الذي أرسلوا باسمه في مهمات واعتقلوا – كما حصل في حالة شبكة التجسس “الإسرائيلية” التي عملت في مصر في الخمسينات. الموساد، كما حُدِّدَ في قانون الشاباك، سيكون خاضعاً لقرارات الحكومة، ولا يعمل على دفع مصالح سياسية وحزبية وسيكون ملزمًا بحماية الديمقراطية.
يجب أيضاً أن يتم تقييد ولاية رئيس الموساد في القانون بخمس سنوات، وتشكيل لجنة وزارية خاصة لشؤون الموساد. بهذا ستزداد الرقابة عليه والتي ستتضمن رئيس الحكومة، الحكومة، والكابينت (المجلس الوزاري المصغر)، لجنة وزارية خاصة، الكنيست واللجان فيها.
يقول ضباط الموساد الحاليون والسابقون: يجب علينا أن نأمل بأن يهتم رئيس الحكومة نفتالي بينيت، ورئيس الحكومة البديل يئير لبيد، ووزير العدل غدعون ساعر، سوية مع رئيس الموساد الجديد دايفيد برنيع، بالدفع قدماً بهذا القانون. فهو حيوي من أجل حماية الجهاز والعاملين فيه والحفاظ على الطهارة العامة، والأمن القومي “الإسرائيلي”.
كُتب هذا المقال بناء على تصريحات ووثائق كيان الاحتلال
الكاتب: الخنادق