بعد مصادرة ولي العهد السعودي الحكم من والده، كان الاستيلاء على كل مؤسسات المملكة وتجييرها لخدمة مشاريعه التي يتطلع لتحقيقها أمراً ضرورياً، بغية بناء افضل العلاقات مع الولايات المتحدة من جهة، وإعادة نسج علاقة جديدة مع القوى الكبرى في المنطقة من جهة أخرى. هذا الطموح الأرعن والمتهور لولي العهد الشاب جعله يتورط بعدد من الحوادث التي أزمت وضع المملكة، من الاستمرار بحربه على اليمن، إلى قتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي وما بينهما من قمع وكم للأفواه وتجيير المؤسسة الدينية بكل ما تحمله من ثقل وامتداد إيديولوجي في عمق قيام المملكة منذ تأسيسها، لخدمة تطلعاته.
المحاكم السرية السعودية
منتصف عام 2017 خرج الداعية عائض القرني في تصريح متلفز محذراً من التهديدات التي تتعرض لها المملكة من قبل “إيران واردوغان والاخوان المسلمين…وقع تيار الصحوة في أخطاء تحريم مظاهر الفرح، بعد ما نضجنا اكتشفنا هذه المآخذ، نحن مع الإسلام المعتدل الذي دعا إليه الأمير محمد بن سلمان، سأسخر قلمي في خدمة مشروع ولي العهد في الاعتدال”. غير ان الاعتدال المزعوم هذا لم يترجم الا بإقامة الحفلات الماجنة وافتتاح المعارض التجارية وغيرها. مع الحفاظ على انتهاك حقوق الانسان بل والتشدد أكثر في ملاحقة المعارضين أو المخالفين حسب عرف بن سلمان، ومحاكمتهم في محاكم سرية يمنع فيها حضور المحامين وفريق الدفاع أو أي أحد من ذويهم الذين لا يعلمون بأمر الاعتقال إلا صدفة أو عند صدور القرار.
أوساط حقوقية أكدت مؤخراً على ان السلطات السعودية تستخدم هذا السلاح -أي المحاكمات السرية- كأداة لتصفية المعارضين ومعتقلي الرأي، حيث أشارت في هذا السياق منظمة سند لحقوق الانسان ان “السلطات السعودية مستمرة في إجرامها وهي تعمل على تصفية معتقلي الرأي والتنكيل بهم، من خلال التحايل على القانون والتلاعب بالأحكام القضائية”.
عدد من المعتقلين والذين يخضعون لمحاكم سرية ولا يعرف كيف سيكون مصيرهم في الأيام المقبلة، يتنوعون بين معارضين وأخرين مما تقول السلطات السعودية أنهم متورطين بجرائم غسيل أموال وأخرى تضر بالأمن القومي للمملكة. أما في طليعة الشخصيات التي تتعرض لأسوأ أنواع التعذيب: محمد الخضري، سعود مختار الهاشمي، سفر الحوالي وعائدة الغامدي غيرهم من الذين لا تعرف أخبارهم حتى وقد تعرضوا للإخفاء منهم خالد محمد عبد العزيز.
على الرغم من ان الرياض لم تشهد من قبل هذا النوع من المحاكمات، فقد كانت تجري سابقاً بشكل علني على اعتبارها تشكل “رادعاً” لارتكاب الجرائم، -بغض النظر عن أحقية الحكم من عدمه، كمحاكمة جهيمان العتيبي عام 1979، والتي قامت الوسائل الإعلامية السعودية بنقلها مباشرة على الهواء. إلا محمد بن سلمان يواصل ابداعاته التي ورث قسماً منها عن والده، في الانتقال إلى المحاكمات السرية بشكل كبير، فكما نذكر ان سليمان العلوان قد جرى اعتقاله دون محاكمة عام 2004، لكن بن سلمان “يتفنن” في الاستبداد التي مست أيضاً الأمراء والعائلة المالكة المقربة.
بين دعم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لمحمد بن سلمان الذي أتى على شكل تعليمات من قبل مكتب خدمات المواطنين الأميركيين الذي يتبع للسفارة الأميركية في العاصمة السعودية الرياض، أن أي شخص يتواجد في المملكة يخضع لقوانينها وواشنطن لن تتدخل إذا ما تم اعتقاله، يحاول جو بايدن بعد وصوله إلى البيت الأبيض كبح بن سلمان، ومحاسبته على اغتيال خاشقجي.
لم يستطع بن سلمان مجاراة ترامب فما نال رضاه ولم يستطع إلى اليوم كسب ود بايدن، وما بين الاثنين ينتظر مئات المعتقلين يومهم الأسود.
الكاتب: الخنادق