بينما يواصل “حزب الله” رفع الصوت والسقوف في مواجهة السعودية ودول الخليج العربي معمّقاً أزمة لبنان الداخلية والخارجية تحت شعار سعيه إلى قلب موازين البلد، “من الحقارة إلى الاحترام ومن المغلوب إلى الغالب في المنطقة”، كما قال السيد هاشم صفي الدين، في معرض تحديده معالم “الكرامة الوطنية” التي يجب على البلد أن يقتدي بها، وإلا فإنّ “هذا الوطن لا يستحق الحياة” إذا كان مصيره يقف على دعم “دولة أو مملكة”… أعادت الرياض ترسيم الخطوط العريضة للأزمة اللبنانية بالتذكير بأنّ أمين عام “حزب الله” نفسه كان قد “اعترف بتلقيه الدعم من إيران”، مجددةً التشديد انطلاقاً من ذلك على أنّ طبيعة الأزمة اللبنانية الراهنة هي ناتجة عن “فرض حزب الله إرادته على الشعب اللبناني بالقوة العسكرية”، وفق ما لفت وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لـ”فرانس 24″، مؤكداً في الوقت نفسه أنّ “تحرير لبنان من هيمنة حزب الله” هي مهمة ملقاة على عاتق “الطبقة السياسية اللبنانية” دون سواها.
وعلى الجبهة الوطنية الداخلية، تتعالى الأصوات السيادية الرافضة لسياسة تركيع لبنان وتخضيع أبنائه لأجندة التعطيل واستعداء العرب، وسط تصاعد ملحوظ لنبرة التحذير الكنسي من مغبة الاستمرار في تقويض أسس “العيش المشترك والميثاق والصيغة”… فغداة تأكيد مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك على دعم مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي الإنقاذية للبنان، والتي ترتكز في جوهرها على “إعلان الحياد” برعاية أممية وتطبيق “القرارات الدولية واستكمال تنفيذ اتفاق الطائف”، ذهب الراعي في خلاصة عظة الأحد أمس إلى حدّ “التوأمة” بين مفهومَي الحياد الوطني والشراكة الوطنية، محذراً “بصريح العبارة” من أنّ “إنقاذ الشراكة بات متعذراً من دون الحياد، وكلما تأخّرنا في اعتماد هذا النظام كلما تضررت الشراكة الوطنية ودخل لبنان في متاهات دستورية لا يستطيع أي طرف أن يحدد مداها”.
وإذ أسف لكون “المتعاطين العمل السياسي يمتهنون إفقار المواطنين ويتلكؤون عن معالجة الأزمة الحادة الناشبة مع دول الخليج”، لفت البطريرك الماروني في مواجهة شعارات الحفاظ على “الكرامة الوطنية” التي تُرفع لتبرير رفض استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، إلى أنّ “تعريض اللبنانيين للطرد والبطالة والفقر والعوز والعزلة العربية هو ما يمس بالكرامة والسيادة والعنفوان، وتحليق الدولار هو ما يمس بالكرامة ويذل الناس”، مشدداً على أنه “لا يحق لأي طرف أن يفرض إرادته على سائر اللبنانيين ويضرب علاقات لبنان مع العالم، ويعطل عمل الحكومة، ويشل دور القضاء، ويخلق أجواء تهديد ووعيد في المجتمع اللبناني”، في انتقاد واضح لأداء “حزب الله”، بالتوازي مع تنديده بالعجز الرئاسي والسياسي الرسمي إزاء هذا الأداء من خلال الإشارة إلى أنه “لا يحق للمسؤولين، كل المسؤولين، أن يتفرجوا على كل ذلك، ويرجوا موافقة هذا الفريق وذاك… فهذا هو فقدان الكرامة وهذا هو الذل بعينه”.
وتحت وطأة العجز الحكومي عن تطويق تداعيات الأزمة مع الخليج العربي، تتواصل مفاعيل “لعنة تصريحات قرداحي” الكارثية بالارتداد سلباً على لبنان وأبنائه، وجديدها تمحور خلال الساعات الأخيرة بما كشفته جريدة “الجريدة” الكويتية عن قرار اتخذته وزارة خارجية الكويت، ويقضي بوقف “جميع طلبات الجمعيات الخيرية الراغبة بإرجاء تحويلات مالية إلى بيروت”، موضحةً نقلاً عن مصادرها أنّ “هناك تخوفاً كويتياً” على مصير أموال التبرعات في ظل عدم الاستقرار السياسي والمالي في البلاد، و”من منطلق الحرص على عدم ضياع هذه الأموال ارتأت الجهات الحكومية ذات العلاقة وقف التحويلات حتى إشعار آخر”.
وفي الغضون، لا يزال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على تفاؤله بنجاح محاولات تدوير الزوايا مع “حزب الله” لإعادة إنعاش مجلس الوزراء، لا سيما وأنّ مصادره عممت أمس أجواء إعلامية تفيد بإمكانية عودة الحكومة إلى الاجتماع خلال الأسبوع الجاري، مع تعويلها في هذا المجال على جهود تركية وقطرية سيبذلها موفدا أنقرة والدوحة في بيروت، لحث الأطراف اللبنانية على ضرورة الإسراع في حلحلة تعقيدات الأزمة الحكومية المستعصية.
وإلى الحصار السياسي الذي تفرضه الطبقة الحاكمة على البلد بسياساتها الهدامة لمصالح اللبنانيين في الوطن والمهجر، حاصرت نيران الأحراج الخريطة اللبنانية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، فأوقعتها تحت لهيب “زنار نار” متمدد إلتهم “الأخضر واليابس” وحاصر في بعض المناطق المنازل السكنية، وسط تقاطع المعلومات الأولية عند توجيه أصابع الاتهام إلى “جهات منتفعة” تقف وراء افتعال بعض من هذه الحرائق، عبر إشعال شرارتها الأولى لتتولى الرياح التشرينية مهمة توسيع رقعتها.
وأكدت مصادر ميدانية مواكبة لعمليات إطفاء الحرائق أنه بغض النظر عما ستؤول إليه نتائج التحقيقات الجارية لتحديد أسباب اندلاع الحرائق المتزامنة، وتبيان ما إذا كانت “بفعل فاعل”، فإنّ السلطة تبقى هي نفسها “المتهم الأول والأخير” بارتكاب هذه الجريمة البيئية، سواءً من خلال كونها مسؤولة عن “التغطية الموسمية لاندلاعها من دون أن تحرك ساكناً في سبيل وضع خطة طوارئ وطنية، ودعم الدفاع المدني ورفده بالتجهيزات اللازمة لمكافحة الحرائق”، أو من خلال “ما يُحكى عن ضلوع سماسرة نافذين في ارتكاب هذه الجريمة الحرجية لغايات لها أبعاد متصلة بمصالح عقارية في بعض الأماكن، وبمصالح ربحية تتعلق بتجارة الحطب في أماكن أخرى”.