أحمد الغز -اللواء
شكل اكتشاف اميركا ١٤٩٢ نقطة تحول في تاريخ المنطقة مع هجرة اوروبا باتجاه اميركا وتركها الشرق الاوسط مسرح للنزاع بين العثمانيين والصفويين في ١٥١٦ معركة مرج دابق وهيمنة العثمانيين حتى قيام ثورة الاستقلال الاميركية عن الاستعمار البريطاني ١٧٧٧ وعودة بريطانيا الى الشرق والخليج عبر شركة الهند الشرقية، ثم جاءت حملة نابليون الى مصر ١٨٨٩ والشروع في عملية نزاع فرنسي بريطاني جديد حول المنطقة، ثم تأسست دولة محمد علي في مصر ١٨٠٥ التي نجحت في شق وافتتاح قناة السويس ١٨٦٩.
شكلت بيروت الحاضرة الوطنية الاولى بعد اتفاقية المتصرفية ١٨٦٠ بضمان نمساوي فرنسي بريطاني روسي مع التركي واصبحت بيروت عاصمة الانصهار الوطني والعربي واستقبلت ابناء المناطق اللبنانية والسورية والفلسطينية والعراقية والكويتية وكذلك البعثات الدبلوماسية، بالتزامن مع تأسيس المدارس الارسالية واستحضار الهوية العربية الجامعة للمسلمين والمسيحيين بمواجهة التتريك، وتكونت نخبة المؤتمر العربي الاول في باريس ١٩١٥ الذين علقت مشانقهم في بيروت ودمشق في ٦ ايار وتكونت منظومات سياسية قادرة على فهم اشكال وتحولات النزاع.
شكلت بيروت عاصمة النزاع من اجل الحريات العامة الفكرية والدينية والعقائدية والاعلامية والتربوية والثقافية والابداعية واصبحت بيروت مدرسة الشرق ومطبعته وكتابه وجريدته، وشهدت بيروت اولى مظاهر التدخلات الدبلوماسية في الامور الداخلية السياسية التي اصبحت من التقاليد والاعراف اللبنانية، وبيروت في الليل منذ ١٨٦٠وحتى الان هي مرتع لسفراء الدول ودول السفراء، وعرفت بيروت تقاطعات الحرب العالمية الاولى وشهدت المجاعة وسفر برلك وتجنيد السخرة الاجبارية، ثم كانت بيروت على طاولة فرساي ونزاعات سايكس بيكو ووعد بلفور واعلان الانتداب.
اعلنت بيروت عاصمة دولة لبنان الكبير١٩٢٠وشهدت نزاع المنتصرين في الحرب الاولى وبقايا الامبراطوريات المهزومة، وتكونت نخبة الاستقلال على قاعدة النزاع بين باريس المحتلة والطموحات البريطانية في استحداث الدولة المستقلة والسعي لإنشاء جامعة الدول العربية على اساس بروتوكول الاسكندرية في ٧ تشرين الاول ١٩٤٤، ثم كانت النكبة وحرب فلسطين٤٨، ثم كانت الثورة المصرية ٥٢، وتأسيس بريطانيا حلف بغداد ٥٤، ثم العدوان الثلاثي ١٩٥٦، ثم النزاع المسلح في بيروت بين دولة الوحدة المصرية السورية وحلف بغداد ٥٨ والذي انتهى باعتماد مبدأ ايزنهاور ونزول الجيش الاميركي في بيروت واعتبارها الساحة الاولى في الحرب الباردة مع السوفيات.
اصبحت بيروت ابان الحرب الباردة عاصمة النزاع بين اليمين واليسار والتيارات القومية والدينية والوطنية، وعاصمة النزاع العربي الاسرائيلي بعد هزيمة ٦٧ واتفاق القاهرة ٦٩ حتى الاجتياح الاسرائيلي ٨٢، ثم اصبحت بيروت عاصمة النزاع الايراني الاسرائيلي والنزاع العربي الايراني والساحة الخلفية لحروب الخليج الاولى والثانية والثالثة وعاصفة الصحراء، وبيروت عاصمة حل النزاع عبر مبادرة بيروت للسلام خلال القمة العربية ٢٠٠٢ على انقاض تفجيرات نيويورك في ١١ ايلول ٢٠٠١، وبعد احتلال افغانستان وقبل احتلال العراق ٢٠٠٣ ثم نزاعات لبنان ما بعد ١٤ شباط ٢٠٠٥ واغتيالاته وحروبه ثم ربيع ٢٠١١ واهواله حيث استقبلت بيروت تداعيات النزاعات في سوريا وفلسطين والعراق واليمن .
احترفت بيروت وظيفة احتواء النزاعات واستوعبت هذه الوظيفة كل المكونات الوطنية ، والان مع تحولات المنطقة نحو ما بعد النزاع ومجتمعات الانتظام فإن بيروت تعاني من خواء كبير في النخب الاستشرافية القادرة على تجاوز الموروثات وتحويل بيروت الشرق من عاصمة النزاع الى عاصمة الانتظام.
ahmadghoz@hotmail.com