وفي ظل انسداد آفاق الحلول لهذه الازمات يبقى المواطن اللبناني الضحية، وتتوسع دائرة الفقر لتطاول اكثر من ستين في المئة من اللبنانيين، الامر الذي دفع مقرر الامم المتحدة المعني بالفقر المدقع الى رفع الصوت بوجه السلطات اللبنانية متهما اياها بتدمير العملة الوطنية واغراق لبنان في فقر مدقع.
ورغم التحذيرات والمناشدات الدولية تستمر حالة الجمود والمراوحة على غير صعيد، ولا يبدو في الافق اية حلول للقضايا المستعصية، بدءا من قضية الخلاف حول مسار تحقيق القاضي طارق بيطار في انفجار مرفأ بيروت، وانتهاء بالازمة السعودية – اللبنانية بعد قرار القطيعة الذي اتخذته الرياض بحق لبنان ديبلوماسيا واقتصاديا على خلفية تصريح الوزير جورج قرداحي واتهامها حزب الله بالسيطرة على القرار اللبناني.
وفي هذا السياق، قالت مصادر مطلعة لـ «الديار» امس، ان كل ما يحكى عن محاولات جديدة لحل او تسوية قضية الوزير قرداحي هو مجرد تكهنات واستنتاجات غير مسندة الى افكار واقتراحات جدية لمعالجة الازمة مع السعودية.
واضافت ان مسار التطورات والوقائع التي سجلت منذ اندلاع هذه الازمة تؤكد ان المسألة تجاوزت او تتجاوز قضية بقاء او عدم بقاء قرداحي في الحكومة، مشيرة الى ان المعالجة تحتاج الى مزيد من الجهود والتدخلات الخارجية طالما ان الرياض باقية على موقفها.
واستبعدت المصادر ان تعطي السعودية ضمانات مسبقة بالعودة عن قراراتها، مشيرة الى ان استقالة قرداحي او اقالته غير مطروحة اصلا ، فكيف اذا لم تقدم المملكة اية ضمانات او تبدي مرونة في هذا المجال؟
وفي ظل هذا الوضع اكد مصدر وزاري لـ «الديار» ان الرئيس ميقاتي، الذي تلقى دعما اميركيا متجددا على لسان وزير الخارجية بلينكن اول من امس، بفضل الملاءمة او «المساكنة» بين استمرار الحكومة وتجميد جلسات مجلس الوزراء بانتظار حل ازمة القاضي بيطار ومعالجة قضية الوزير قرداحي.
وتفيد المعلومات المتوافرة لـ «الديار» ايضا بان محاولات حل ازمة القاضي بيطار تراجع زخمها في الايام القليلة الماضية في ظل انسداد آفاق المخارج التي كانت طرحت مؤخرا خلال زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي الى عين التينة ولقائه الرئيس بري.
وحول احتمال زيارة بري قريبا الى بكركي، قالت المعلومات ان مصادر عين التينة متكتمة حول مثل هذا الموضوع، وهي لا تنفي او تؤكد احتمال حصول هذه الزيارة، مشيرة الى ان الرئيس بري لا يتكلم في مثل هذا الموضوع او هذه الزيارات حتى في الدائرة الصغرى المحيطة به.
واشارت المعلومات الى ان لقائه مع الوزير قرداحي لم يتناول اية افكار او صيغة معينة لمعالجة قضيته، لكن البحث تطرق بالتأكيد الى القضية في اطار عرض الوضع القائم.
وحسب المعلوماتk فان ما جرى بعد قرار السعودية زاد من تعقيدات الازمة الحكومية، لا سيما ان الرئيس ميقاتي ما زال مصرا على استقالة او اقالة قرداحي، وانه لا يستطيع تجاهل هذا الموضوع لدى عودة انعقاد جلسات مجلس الوزراء.
ووفقا للاجواء والمعطيات القائمة فان اقالة او استقالة قرداحي يبدو انها بعيدة المنال بسبب معارضة الثنائي الشيعي و»المردة» لها، وكذلك بسبب عدم انتزاع اي موقف ايجابي او ما يوصف بالضمانات من السعودية بالعودة عن قراراتها اذا ما جرى تغيير الوزير قرداحي.
تشدّد سعودي
والتشدّد السعودي ترجم امس بموقف لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، حيث اشار الى انه «على الطبقة السياسية اللبنانية اتخاذ ما يلزم لتحرير لبنان من هيمنة حزب الله وهو يستخدم القوة العسكرية لفرض ارادته على الشعب اللبناني»، لافتا الى ان «حزب الله يبذل قصارى جهده لعرقلة تحقيق انفجار مرفأ بيروت». واوضح ان «المحادثات السعودية – الايرانية ستستمر ومن المتوقع اجراء جولة منافسة قريباً».
تباين بين عون وميقاتي حول ازمة مجلس الوزراء
ويلخص مصدر سياسي بارز الوضع بما يلي:
1ـ الوضع الحكومي مرشح للاستمرار على ما هو عليه وعدم انعقاد مجلس الوزراء طالما لم تحل قضية القاضي بيطار ولم يطرأ اي تطور ايجابي على صعيد معالجة الازمة مع السعودية.
ويشير المصدر في هذا المجال الى انه على الرغم من حسن العلاقة بين الرئيسين عون وميقاتي الا انهما يختلفان في الرأي حول طريقة التعاطي مع موضوع انعقاد مجلس الوزراء، فرئيس الحكومة يحرص على عدم القيام بدعسة ناقصة والدعوة الى عقد جلسة لجلس الوزراء من دون معالجة قضيتي البيطار وقرداحي خشية احداث ازمة حكومية اكبر جراء اعتراض الثنائي الشيعي واحداث مزيد من الارباك والخلخلة في صفوف حكومته. اما الرئيس عون فهو يدرك اهمية معالجة الازمتين لكنه يشدد على فصل مسارهما عن اجتماعات الحكومة، ويدعو الى اجتماع مجلس الوزراء من دون ابطاء.
وفي اعتقاد ميقاتي حسب المصدر، ان العمل في اطار عقد الاجتماعات الوزارية لمعالجة الملفات الحيوية والملحة ريثما ينضج حل مشكلة القاضي بيطار، وحل قضية قرداحي هو افضل من اقحام مجلس الوزراء في تفاصيل محاذير هاتين القضيتين، معتبرا انه من الصعب بل المستحيل تجنب هذين الموضوعين داخل مجلس الوزراء.
2ـ تشهد البلاد حالة من الحذر والقلق الشديدين بسبب التدهور الاقتصادي والمالي والاجتماعي المستمر الذي قد ينعكس على الشارع في اي وقت، ويؤدي الى اهتزاز الاستقرار العام في البلاد.
3 ـ رغم كل التطورات السلبية التي سجلت وتسجل، فان الحكومة صامدة وباقية بفعل ارادة داخلية وخارجية برزت مؤخرا بعد الازمة مع السعودية من خلال المواقف الدولية الداعمة للحكومة ورئيسها وفي مقدمها مواقف الادارة الاميركية وفرنسا واوروبا عموما.
زيارة وزير خارجية قطر
وفي غياب المساعي المثمرة لحل الازمات القائمة تستمر الزيارات والتحركات الخارجية باتجاه لبنان حيث ينتظر ان يزور وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بيروت بعد غد الثلاثاء للقاء رؤساء الجمهورية والمجلس والحكومة ونظيره اللبناني، ويتناول البحث سبل مساعدة لبنان على تجاوز التحديات التي يواجهها وكذلك الازمة بين لبنان والسعودية وبعض دول الخليج.
…والوزير التركي
كما يزور بيروت وزير الخارجية التركي مولود اوغلو في اطار استطلاع الوضع في لبنان خصوصا على الصعيد الاقتصادي والبحث في التعاون بين البلدين.
جلسة للمجلس قريباً
من جهة اخرى ما زالت تداعيات قرار رفع الدعم مستمرة على غير صعيد، لا سيما في ظل عدم تطبيق برنامج البطاقة التمويلية التي طلبت الحكومة في الجلسة الاخيرة لمجلس النواب اعادة درس مشروعها مع التعديلات التي طلبها صندوق النقد الدولي خلال اسبوعين، وتعثر تطبيق برنامج شبكة الامان الاجتماعي الذي لم يتمكن المجلس من اقراره في الجلسة الاخيرة ايضا بسبب فقدان النصاب.
وتوقعت مصادر نيابية ان يدعو بري الى عقد جلسة تشريعية عامة في غضون الاسبوعين المقبلين مشيرة الى ان هناك حاجة لمثل هذه الجلسة من اجل البت بالمشاريع الملحة خصوصا المشروعين المذكورين.
كنعان: التيار الرقم واحد في جبل لبنان
على صعيد آخر، تجتمع لجنة المال والموازنة غدا لبحث الوضع المتردي للموظفين في القطاع العام والمتقاعدين وتسريع اقرار مساعدة اجتماعية لهم وزيادة بدل النقل بالاضافة الى امور اخرى تتصل بالشأن المالي.
وعشية الاجتماع جدد رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان التأكيد على «وجوب اجتماع الحكومة فورا لبحث الانهيار غير المسبوق الذي نشهده والذي يشكل تهديدا وجوديا للدولة والكيان».
وقال لـ»الديار: ان انعكاس هذا الوضع سيكون اقله انفجارا اجتماعيا كبيرا يهدد كل شيء. هل يعقل ان دولة وصلت الى هذا الدرك من الخطورة لا تجتمع حكومتها مهما كانت الاعتبارات ومواقف الاطراف محقة او غير محقة.
ان ما نشهده هو انتحار جماعي سيصيب الجميع ولن يستثني احدا».
واكد «ان الاولوية كما يعرف الجميع هي للانقاذ الاقتصادي والمالي والاجتماعي وان الامر يحتاج الى قرار جريء باجتماع الحكومة اليوم قبل الغد لوضع اربعة بنود على النار:
1- انجاز الاتفاق الاولي مع صندوق النقد الدولي فلماذا الانتظار الى نهاية هذا العام.
2- لا يجوز ترك القطاع العام يهترئ بهذا الشكل الخطير حيث بات معاش او راتب الموظف لا يكفي للمحروقات والنقل، هذا القطاع يواجه اكبر ازمة وما يحصل من هجرة للعاملين فيه يهدد كيان وادارات الدولة ومؤسساتها فأين نحن ذاهبون؟
ويوم الاثنين سنبحث في اللجنة مع وزير المال تحديد الايرادات المتبقية والاستحقاقات المقبلة التي لا يستطيع لبنان ان يتجاهلها. اما بالنسبة للقطاع العام فالبحث سيتناول المساعدة الاجتماعية الشهرية للموظفين والمتقاعدين واثارها وسبل تطبيقها.
3- ماذا ستفعل الحكومة بموازنة العام 2022 هذه الموازنة المطلوبة دوليا ومن صندوق النقد الدولي ،موازنة اصلاحية للمرة الاولى توازن بين الايرادات والنفقات كما يشدد الصندوق.
4-كذلك يحضر ايضا السؤال عن قروض البنك الدولي او قرض شبكة الامان الاجتماعي البالغ 246 مليون دولار ومصير هذا البرنامج، حيث يفترض ان يكون المشروع مرة اخرى على جدول اعمال جلسة مجلس النواب المقبلة بعد ان تعذر اقراره في الجلسة السابقة اثر فقدان النصاب. والسؤال ايضا ماذا ستفعل الحكومة بحقوق السحب التي حصل عليها لبنان مؤخرا وتتجاوز المليار ومئتي مليون دولار كيف سيتم التصرف بها؟ وهنا تطرح البطاقة التمويلية واين صارت. من غير المسموح الانتظار اكثر والناس باتت على شفير الهاوية والموت.
وفي الشأن السياسي تساءل كنعان «لماذا كل هذه المعركة والتضخيم في شأن موضوع موعد الانتخابات. اصلا القانون يلحظ عمليا اجراء الانتخابات في ايار وقد حصل تعديل في الجلسة الاخيرة واقول ان كل طرف له اسبابه وكل مطلب ربما يستند الى حقيقة او اسباب مقبولة وطالما ان هناك اسبابا عديدة يرى كل طرف انها مبررة لماذا لا نذهب الى الانتخابات في ايار كما ينص القانون قبل التعديل»؟
واشار الى ان»كل القضايا جراء الوضع المأزوم باتت تتحول الى مشاكل مستعصية وهذا ما حصل ويحصل بالنسبة لموضوع موعد الانتخابات واقتراع المغتربين، فلماذا كل ذلك؟ الاّ اذا كان القصد من تكبير المشكلة تطيير الانتخابات لا سمح الله».
وردا على سؤال قال كنعان «سنقدم الطعن بقانون الانتخابات المعدل في المهلة المحددة واذا ما قبل الطعن فإن الانتخابات تجري في ايار وتتم عملية تصويت المغتربين في لبنان وفي الخارج لانتخاب ستة نواب. اما اذا لم يؤخذ بالطعن يعني القانون المعدل سيبقى على ما هو عليه.
وعن الكلام حول تراجع شعبية التيار الوطن الحر قال كنعان: ان التيار لا يزال يحتل المركز الاول وهو الرقم واحد في كل الدوائر والاقضية المسيحية في جبل لبنان. اما التراجع فقد حصل عند كل الاطراف دون استثناء وانعكس هذا الوضع على كل القوى والاطراف السياسية. وهناك نسبة كبيرة احيانا الى الستين في المئة تقول انها لا تريد الاحزاب. لذلك نقول لا احد فوق رأسه خيمة اذا ما استمر الانهيار ويبدو ان بعض الاحزاب لا ترى او تشعر بالحريق الذي يحاصرها ويحاصر البلاد.
رعد: حرب اليمن عبثية
من جهة اخرى، قال رئىس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد «ان دولتنا لم تقل بأن الحرب ضد اليمن عبثية وانما نحن المواطنين في هذه الدولة نقول ذلك مشيرا الى ان السعوديين باتوا في حالة انكفاء وخوف على السيادة السعودية ورغم ذلك ما زالوا مستمرين بالحرب».
واضاف «عندما نقول ان الحرب في اليمن هي حرب عبثية فهذا لمصلحة السعودية، لأننا ننبّهها بأنها لن تصل الى اي نتيجة وان لا تفكروا بأن الاميركيين حريصون عليكم وسيحمونكم فهؤلاء يقومون بعلككم، ومن ثم يبصقونكم وهؤلاء لئام وذئاب».
التيار الوطني الحر
وامس جدد التيار الوطني الحر في بيان له امس اعرابه عن قلقه البالغ من «استمرار تعطيل مجلس الوزراء من دون اي سبب مقنع وشلّ الوضع الحكومي».
وحذر من «استغلال الازمة السياسية لتأزيم الوضع اقتصاديا وماليا وامنيا تحتقيقا لاجندات خارجية».
ورأى ان»ما تمر به السلطة القضائىة من تجاذبات تلامس الفوضى ضرب هيبتها كمؤسسة بفعل الشخصنة والاجندات الخاصة التي باتت سمة المرحلة داعيا الى»اطلاق ورشة اصلاحية واسعة وشاملة في المؤسسة القضائية».