لطالما رافقه سؤال «الى أين» في معظم مواقفه وتصريحاته، فكانت تلك العبارة الشهيرة تختصر الدرب الذي يستعد للسير عليه، طارحاً الاسئلة حول مصير لبنان، فكان جوابه الدائم « لبنان الى المجهول»، والى ما لا يُحمد عقباه، لانه كان دائماً خائفاً وحاملاً للهواجس التي رافقت لبنان على مدى عقود من الزمن.
انه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، صاحب التقلبات السياسية الدائمة، التي تميّز بها ورافقت مسيرته فقفز خلالها من جهة الى اخرى، من اقصى اليمين لفترة، ليعود الى اقصى اليسار لفترة اطول، مستعيناً بكلمات الماضي الاليم كالانعزالية والامبريالية، التي رافقت تصريحاته على مدى عقود سياسية، لكن هذه المرة حطّ جنبلاط في مكان آخر، هو الوجهة الخليجية، على أثر الازمة التي تستجد كل فترة خصوصاً مع السعودية، وتتبعها بذلك دول الخليج، فأتت مواقفه النارية ضد حزب الله وايران، لتفاجئ الجميع لانه لطالما وقف على مسافة مع الحزب، وإن في بعض الاحيان أطلق السهام في إتجاهه، لكن بطريقة خفية غير ظاهرة، لانه يريد حفظ خط الرجعة مع حارة حريك، فيما هذه المرة فاجأ المقرّبين منه قبل المبعدين، خصوصاً انه إلتزم ما يشبه الصمت في مطلع الازمة الخليجية مع لبنان، مفضّلاً إختيار الحياد والترّقب، لان الازمة كبيرة وسبل حلّها تصعب يوماً بعد يوم، ولربما ومن هذا المنطلق اراد جنبلاط التذكير بخطورة ما يحصل، لكن كان عليه القيام بالوساطة والتروّي والهدوء، وليس المساهمة في إستفحال الازمة، لانّ الروايات بدأت تنتشر بأنّ الرياض طلبت منه القيام بهذه الخطوة النارية ، والانضمام الى الخط المقرّب من السعودية، وإعلان المواقف الداعمة لها في العلن، والرافضة لأي خلاف معها، على غرار تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية، والوزير السابق اشرف ريفي ونادي رؤساء الحكومات السابقين، والعديد من الشخصيات التي اعلنت الوقوف الى جانب الدول الخليجية والى ضرورة إنهاء هذه الازمة والاعتذار، مع إستقالة وزير الاعلام جورج قرداحي كي يبدأ الحل بالظهور.
الى ذلك تنفي مصادر الحزب الاشتراكي، بأنّ تكون السعودية قد أملت على زعيم المختارة ما يجب ان يقوله كما يشيع البعض، لانه إنطلق من المخاوف والهواجس التي قد تلاحق المغتربين في دول الخليج، ولذا اعلن موقفه بهذه الصراحة لانه لا يريد ان يدفع المغتربون الثمن الباهظ.
في غضون ذلك، تشير مصادر سياسية متابعة لما يجري على صعيد الازمة السعودية مع لبنان، الى انّ هجوم جنبلاط لم يأت من عدم، فهو اطلق العنان له، بعد إعلانه عن نفاد صبره تجاه حزب الله بالقول: «لقد صبرت عليه كثيراً»، اي ان القلوب مليانة ولم يعد يستطيع السكوت، بعد ارتفاع اصوات المقرّبين من الرياض والخليج من حوله، الى مطالبته بضرورة اتخاذ خطوات تحمي اللبنانيين العاملين هناك، لانه يتلقى عشرات الاتصالات يومياً منهم، ومن اهاليهم الموجودين في لبنان، الذين ينقلون هواجسهم من عودة ابنائهم الى البطالة، في حال تمّ الاستغناء عن خدماتهم، فيما تبقى دول الخليج المتنفس الوحيد لهم، والتي فتحت ابوابها لهم في ظل الانهيارات التي تتوالى على بلدهم.
وتنقل هذه المصادر بانّ جنبلاط لا يريد العداء مع احد، لانه سبق ان اعلن انه ليس مع محور ضد آخر، وبالتالي ليس في نيته فتح جبهة ضد اي فريق، وقد سبق ان التقى شخصية مقرّبة من السفارة السعودية في لبنان، طلبت منه تشكيل جبهة اسلامية – مسيحية ضد حزب الله وايران، لكنه رفض، مفضّلاً تغليب لغة الحوار بحسب ما قال للشخصية المذكورة، لكن وعلى ما يبدو لم تعد لغة الحوار فاعلة، مع إعلان الوزير قرداحي الرفض المطلق للاعتذار والاستقالة، وذلك بدعم من حزب الله، فكانت عبارة من جنبلاط اعتبر فيها انّ حزب الله خرب بيوت اللبنانيين في الخليج، والتي ازعجت الحزب كثيراً بحسب ما لفتت المصادر، إضافة الى ردّه على كلام نائب الامين العام للحزب نعيم قاسم، الذي وصف جنبلاط كلامه بغير المسؤول والمدمّر، لكن حزب الله فضّل إلتزام الصمت حيال تصريح جنبلاط، لانه يعرف بأنّ الزعيم الاشتراكي سيعود ويستدير في إتجاهه بعد ايام قليلة.
وختمت المصادر المذكورة بسؤال حول إمكانية إنضمام الحزب « الاشتراكي» علناً الى « القوات اللبنانية « وتيار» المستقبل» في مواقفهما الداعمة للسعودية؟، اي ان تتشكل لاحقاً تلك الجبهة الاسلامية – المسيحية، فتعاود جمع الحلفاء السابقين.