ارشيف الموقع
سفيرة إسرائيل في لندن: “ألا تخجلين..”!
تسيبي حوتوفيلي
النهار العربي-غسان زقطان
لم يمنع تطوع وزير التعليم البريطاني ناظم الزهاوي ومسارعته للاعتذار من سفيرة إسرائيل لدى المملكة المتحدة تسيبي حوتوفيلي، رغم أن هذه مهمة وزير الداخلية وقادة الشرطة والجهة المنظمة صاحبة الدعوة، لم يمنع هذا الاعتذار المبتذل من التداول الواسع لشريط مصور يوثق حادثة طرد السفيرة من “كلية الاقتصاد” في لندن، ومطاردة الطلبة لها في الشارع بينما كان مرافقوها الأمنيون يدفعونها بتعجل نحو سيارتها بعد أن تخلت عن باقة الورد التي أربكت اندفاعها… وكان هناك صوت التقطته الكاميرا لأحد الطلبة يلاحقها وهو يصرخ بالانكليزية: “ألا تخجلين..!”، المشهد الذي يشكل كابوساً لأي ديبلوماسي تحقق بقوة وجرى توثيقه للسفيرة المتطرفة المعروفة بعنصريتها وانكارها للنكبة الفلسطينية ولوجود الشعب الفلسطيني، ويبدو أنه سيلاحقها منذ الآن في تحركاتها ونشاطها في البلاد التي وعد وزير خارجيتها آرثر جيمس بلفور باسم الملكة اليهود بوطن في فلسطين.
تخلت السفيرة عن باقة الورد كمن يتخلى عن خديعة، دفع السائق السفيرة داخل السيارة السوداء وأغلق الباب بقوة قبل أن يقفز الى مقعده ويبتعد بالسيارة وحمولتها الديبلوماسية عن الطلبة المطاردين وهتاف “ألا تخجلين..!”، تاركاً صفاً من رجال شرطة بعضهم لم يظهر مبالاة واضحة بمحنة السفيرة، بينما امتلأت الصورة حتى أطرافها بخطوط الفوسفور التي تلمع في بزاتهم على اسفلت مبللة بمطر سابق.
الفاشية الصاعدة في إسرائيل والتي سيطرت عبر مسيرة طويلة على مفاصل الدولة، من الجمعيات الاستيطانية الثرية في الضفة الغربية التي غذتها بدأب سنوات حكم نتنياهو الطويلة والحكومات التي سبقته، الى مقاعد الكنيست حيث يحتل اليمين أغلبية المقاعد وترفع أغلبية حاسمة أيديها على أي قانون عنصري ممكن الحصول عليه، أغلبية أضيفت لها في الانتخابات الأخيرة مجاميع من فاشيين وقتلة ورجال عصابات، وهذا ليس مجازاً، وصولاً الى رئيس الوزراء نفتالي بينيت صاحب الستة مقاعد الذي حصل على مناوبته من رئاسة الوزراء بسبب عنصريته، ونماذج مبتذلة في فاشيتها مثل وزيرة الداخلية إيليت شاكيد، فاشية رسمية ضختها فاشية الشارع، قامت بدورها بضخ ممثليها في سفارات إسرائيل وممثلياتها في العالم في محاكاة للديبلوماسية الرثة التي شهدتها سنوات ترامب الأربع في البيت الأبيض ونماذجها أمثال نيكي هايلي مندوبة إدارة ترامب في الأمم المتحدة، وديفيد فريدمان سفير ترامب في إسرائيل، وغرينبلات مندوبه في الشرق الأوسط، ووزير خارجيته مايك بومبيو الذي منحه الكاتب المعروف في الواشنطن بوست “توماس فريدمان” لقب أسوأ وزير خارجية في تاريخ الولايات المتحدة، وصهره الشاحب كوشنر .
انحسرت هذه الظاهرة مع خسارة الجمهوريين للانتخابات الأميركية ووصول بايدن وفريقه للبيت الأبيض، واختفت تلك الأسماء وخطابها المتعالي والتعبيرات العدوانية للقيم الإنسانية وحوار الأمم والدروس المستقاة من تجارب الشعوب والصراعات، ربما لم يتغير الأمر في العمق ولكن يمكن ملاحظة التهذيب في الخطاب السياسي الأميركي الذي افتقرت اليه بشدة حقبة ترامب.
في إسرائيل واصل الخطاب الرث تدفقه عبر المنابر الرسمية والديبلوماسية، لم يترك غياب نتنياهو أثراً على اللغة العنصرية التي أصبحت لغة الدولة، لا يشكل بينيت تغييراً حقيقياً، بل عزز الخطاب ومنحه دفعة جديدة عبر محاولته تفسير نفسه في مقارنة خاسره تطارده مع نتنياهو، ولعل التعبير الأوضح عن هذه اللغة، إضافة إلى نموذج السفيرة في لندن، ما حدث في مجلس حقوق الانسان في الأمم المتحدة قبل أيام، عندما أهان المندوب الإسرائيلي جلعاد أردان المجلس ورئيسته نزهة شميم، ومزق التقرير السنوي الذي يدين إسرائيل على المنبر، معتبراً أن مكانه الطبيعي، التقرير، سلة المهملات.
فائض القوة الذي تعاني منه إسرائيل يندفع خارج جسدها ويتدفق على العالم، لم يعد ممكناً حبس العنصرية الإسرائيلية وتخفيفها باللغة، “احتكار دور الضحية” بددته العنصرية المندفعة من ثقافة التفوق، الدجاجة التي باضت الكثير من الذهب استفذت مخزونها وهي الآن تكتفي بالصراخ، بينما العالم توقف عن التحديق في دموع القاتل وهو يرى بوضوح الدم على يديه.