الكاتب : عادل الجبوري
هناك سياق منطقي يطرح عند البحث والتحري عن اي جريمة ترتكب، يبدأ من السؤال التالي:
من المستفيد من ارتكابها؟..
ولايختلف الامر سواء كانت الجريمة ذات طابع سياسي او غير سياسي.
وعند التحري والتدقيق والبحث في محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، فجر السابع من شهر تشرين الثاني-نوفمبر الجاري، لابد من استحضار هذا التساؤل والانطلاق منه عند تحليل الوقائع والمعطيات، وتفكيك بعض الشبهات والفرضيات التي ربما تبدو بعيدة عن الواقع.
ولاكثر من سبب وجهت اصابع الاتهام سريعا الى فصائل المقاومة-او الى البعض منها، ومن بين هذه الاسباب، مقتل عدد من المتظاهرين امام احدى بوابات المنطقة الخضراء على نتائج الانتخابات البرلمانية برصاص القوات الامنية، وتم تحميل المسؤولية لرئيس الوزراء بأعتباره القائد العام للقوات المسلحة. والسبب الثاني، ان هناك موقفا سلبيا تبنته بعض فصائل المقاومة منذ وقت مبكر حيال الكاظمي، ارتباطا بجملة امور، قد يكون ابرزها، طبيعة سياساته ومواقفه المتماهية مع الولايات المتحدة الاميركية ومحورها في المنطقة. والسبب الثالث، يتمثل في ان استهداف منزل الكاظمي بطائرات مسيّرة، كان مشابها الى حد كبير مع عمليات استهداف طالت مواقع عسكرية ودبلوماسية اميركية في اوقات سابقة، في بغداد واربيل وصلاح الدين، والتي اما اعلنت المقاومة مسؤوليتها عنها، او ان المؤشرات العامة كانت تذهب بهذا الاتجاه.
وفي ظل الاجواء والظروف الراهنة، ماتعلق منها بالانتخابات وتداعياتها، او مايرتبط منها بأستحقاقات الانسحاب الاميركي الكامل من العراق نهاية العام الجاري، من الصعب جدا العثور على مبررات ودوافع مقنعة يمكن ان تعود بالنفع على فصائل المقاومة من وراء عملية اغتيال الكاظمي، سواء كانت قد نجحت او فشلت، فهي اي-محاولة الاغتيال-بصرف النظر عن نتيجتها، لن تفضي الى تصحيح اخطاء الانتخابات وتعيد حقوق الذين ضاعت اصواتهم، ولن تسرع بمغادرة الاميركان، ان لم يحصل العكس تماما بالنسبة لكلا الامرين.
مختلف قادة فصائل المقاومة، عبروا في بياناتهم وتصريحاتهم عن الاثار والتبعات الخطيرة لاستهداف الكاظمي، هذا فضلا عن تحركهم الايجابي مع الجهات الحكومية وغير الحكومية لاحتواء الموقف والحؤول دون خروج الامور عن السيطرة، لوجود قناعة راسخة ان هناك من يسعى الى خلط الارواق واشعال الفتنة.
ولان محاولة الاغتيال، جاءت بعد وقت قصير جدا من مقتل واصابة عدد من المتظاهرين امام المنطقة الخضراء، وبعد تحميل الكاظمي مسؤولية ما حصل، وتزايد الضغوطات والانتقادات الموجهة له، فأن البعض اعتبر ان محاولة الاغتيال، لاتعد كونها تمثيلية، تم اعدادها واخراجها من قبل الكاظمي نفسه، وعلى ضوء مقترحات وتوصيات من مقربين منه واطراف متعاطفة معه ومؤيدة له. ولكن مثل هذه الفرضية، لاتصمد هي الاخرى كثيرا امام حقائق الواقع، لاسيما اذا عرفنا ان الكاظمي حتى لو استفاد منها انيا، فأنه على المدى الابعد لن يستفيد منها، خصوصا في حال تكشفت الاسرار والخفايا بعد حين. نعم، قد يكون الكاظمي قد حظي بتعاطف وتأييد محلي واقليمي ودولي كبير، بيد ان ذلك لن يكون كافيا له للانتصار على خصومه، اذا افترضنا ان هناك معركة من نوعا ما بين الطرفين، ناهيك عن ان خلط الاوراق بمقدار كبير، وعبر سيناريو اغتيال مفبرك، لن تقتصر وتنحصر اثاره السلبية على خصوم الكاظمي فحسب، بل انها ستنعكس عليه عاجلا ام اجلا.
الفرضية الثالثة، تقوم على وجود طرف ثالث، يسعى الى ارباك المشهد العراقي العام وخلط اوراقه، وبالتالي دفع الامور الى غياهب مجهولة ومظلمة، في مثل هذا المنعطف الحساس والخطير، الذي لايتطلب سوى عود ثقاب صغير لتضطرم النيران في كل مكان، وكما اشار الامين العام لحركة عصائب اهل الحق الشيخ قيس الخزعلي الى “محاولة جهات مخابراتية استهداف المنطقة الخضراء والقاء التهمة على فصائل المقاومة، وذلك عقب الصدام بين قوات مكافحة الشغب والمتظاهرين المعترضين على نتائج الانتخابات”.
قد تكون هناك جهات تحسب نفسها على فصائل المقاومة، تتحرك وتتصرف وفق اجتهاداتها وتقديراتها الخاصة، وبعيدا عن الحسابات السياسية الواقعية، بيد ان تلك الفصائل، حتى لو ارادت ان تغتال الكاظمي، فهل ياترى انها تمتلك طائرات مسيّرة، ولها القدرات التقنية الكافية لاستخدامها الصحيح بحيث تضرب الاهداف المطلوبة بدقة؟، اغلب الظن، من المستبعد جدا ان تمتلك الفصائل المقصودة القدرة على ذلك، الا اللهم اذا كانت مدعومة من جهات معينة، من مصلحتها ان يضطرب ويرتبك ويتأزم الوضع العراقي.
والملاحظ ان كل الاطراف الداخلية والخارجية، تحدثت عن مخططات خلط الاوراق واثارة الفتنة، وهي تعلق على محاولة اغتيال الكاظمي او تحلل ابعادها وتتعمق وتغوص في دوافعها، حتى ان الحديث تمحور حول حقيقة، ان العملية لم تستهدف قتل رئيس الوزراء العراقي بقدر ما اريد من ورائها تصعيد الموقف.
وفي هذا الاطار تثار جملة اسئلة واستفهامات، من قبيل، لماذا لم تعمل منظومة (C.RAM) الاميركية المتخصصة في التصدي لاي هجوم يستهدف السفارة الاميركية ومحيطها في داخل المنطقة الخضراء، ولماذا تم استهداف منزل بدا مهجورا يخلو من الاثاث، وهذا شيء غريب بالنسبة لمكان يستخدمه رئيس الوزراء، سواء كان للاستخدام الرسمي او الاستخدام الشخصي الخاص، وكيف احدثت الطائرة المسيّرة دمارا ماديا كبيرا في المنزل، كما ظهر من الصور والمقاطع المتداولة، بينما اقتصرت الاضرار البشرية على اصابات طفيفة طالت سبعة من عناصر الحماية، فضلا عن اصابة الكاظمي بساعده الايسر؟.
وسائل الاعلام الاميركية الواسعة الانتشار، كصحيفتي واشنطن بوست ونيويورك تايمر، وشبكة سي ان ان، ومراكز ابحاث مهمة، وغيرها، تحدثت عن هدف “خلط الاوراق” من وراء استهداف الكاظمي، ولعل واشنطن الطرف الاكثرة استفادة من خلط الاوراق، مع اقتراب موعد انسحاب قواتها بالكامل من العراق، ومع سعيها المحموم على ابقاء حالة التشضي والتشرذم والانقسام هي السائدة في المشهد السياسي العراقي.
وبحسب ما يرى بعض اصحاب الرأي، “تجد الإدارة الأميركية طريقها نحو سحب القوات الأميركية في أواخر العام الحالي، لكنها بحاجة إلى القيام بترتيبات معينة تحفظ لها مصالحها في العراق، وتكفل لها السيطرة على القرار فيه، وتثبيت نفوذها في مرحلة ما بعد سحب القوات”، وهنا يمكن ان نعثر على نقطة او نقاط تلاقي بين احداث ووقائع متقاربة في توقيتاتها الزمنية وفي ميادينها المكانية، دون ان يعني ذلك عدم وجود جهات اقليمية دخلت على خط الاغتيال والتصعيد وخلط الاوراق، كأطراف مساعدة ومساهمة مع المستفيد الاكبر من كل ذلك، وهي ذات الاطراف المتهمة بالتورط في التلاعب بنتائج الانتخابات ومخرجاتها الجدلية.