ألان سركيس-نداء الوطن
دخلت الحكومة مرحلة الغيبوبة التامة بعد انسداد كل أفق الحلّ، والتأزّم الذي يضرب السياسة العامة في البلاد.
يقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في موقف لا يُحسد عليه، فهو ولحظة ولادة حكومته المنتظرة لم يعِد “بالمن والسلوى” بل قال “إننا سنفعل ما بوسعنا لإنقاذ الوضع”، وإذ به يُشاهد حكومته تُشلّ تارة بسبب إصرار “الثنائي الشيعي” على “قبع” المحقّق العدلي في جريمة إنفجار المرفأ القاضي طارق البيطار، وطوراً بسبب الأزمة المندلعة مع الخليج بسبب تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي ورفض “حزب الله” وتيار “المردة” إصلاح الأمور.
وفي هذه الأثناء، تعود إلى الذاكرة مشهدية خريف 2006، فبعد “حرب تموز” أراد فريق 8 آذار الحصول على الثلث المعطّل بالقوّة، وكانت البلاد خارجة من زلزال إغتيال الرئيس رفيق الحريري ومن الحرب المدمّرة مع إسرائيل، حينها حاول “الثنائي الشيعي” و”التيار الوطني الحرّ” و8 آذار ضرب حكومة الرئيس فؤاد السنيورة واعتكف الوزراء الشيعة وأقفل فريقهم السياسي وسط بيروت وحاصروا السرايا ونصبوا الخيام في ساحة رياض الصلح على مدى أكثر من عام ونصف، وانتهت كل تلك الإحتجاجات بحرب 7 أيار 2008.
اليوم، وفيما البلاد تنهار والوضع الإقتصادي ينحدر نحو الاسوأ والناس مكوية من الغلاء وإنهيار سعر الليرة والجوع يضرب كل بيت، لا يهتم “الثنائي الشيعي” لكل هذه المشاكل، ويشلّ عمل الحكومة، ويُخرّب ما تبقّى من هيكل الدولة تحت عنوان تحقيق مطالبه والتي تتمثّل بطمس الحقيقة في جريمة إنفجار المرفأ.
وتشدّد مصادر وزارية على أنّ “الرئيس ميقاتي يفعل ما بوسعه لعدم تكرار سيناريو مشابه لما حصل عام 2006، فالوضع اليوم مختلف تماماً ولا يحتمل أي تأخير، ولا نملك ترف الوقت، وإلا فالإنفجار الكبير سيكون أقرب مما نتصوّر”.
لا شكّ أن التعطيل يؤثّر سلباً على عمل الحكومة وإجبارها على تأخير إتخاذ القرارات الإصلاحية الكبيرة، لكن ميقاتي أعطى تعليماته لكل وزير للعمل وكأن الحكومة تجتمع يومياً، فالعمل يجب أن يحصل بالمفرّق ريثما يعود برنامج العمل الجماعي.
لا تنكر الأوساط القريبة من ميقاتي أن المشكل في البلد كبير وكبير جداً، والأزمة المندلعة مع الخليج جعلت من الأزمات تتراكم، لكنّ هذه المرحلة يجب أن تمرّ بهدوء تام لكي لا تنفجر الحكومة، وبذلك يكون القضاء على أي امل لإعادة تفعيل إجتماعاتها وإنتاجيتها.
تبقى كل الإحتمالات واردة أمام ميقاتي إذا ما تعقّدت الأمور أكثر مع الخليج وأخذت منحى تصاعدياً، وخيار الإستقالة يلوح في الأفق، لكن الإتصالات الدولية جعلت ميقاتي يتريّث بعض الشيء بانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات على الساحة اللبنانية والساحات العربية.
مما لا شكّ فيه أنّ الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ودول الإتحاد الأوروبي لا تريد الفوضى في لبنان وتسعى لإعادة ما انقطع مع الخليج شرط تقديم تنازلات أو رسائل إيجابية داخلية، لكن هذه المظلّة لن تبقى إلى الأبد إذا لم تُبادر السلطة اللبنانية إلى اتّخاذ إجراءات جذرية سواء كانت سياسية أو إصلاحية.