“وفق المصلحة الوطنية سيكون كلام الامين العام لحزب الله” عصر اليوم حسبما عنونت قناة “المنار” إطلالته من على منبر “يوم الشهيد”… لكن أي “مصلحة وطنية”؟ الأكيد أنها “المصلحة” التي يراها السيد حسن نصرالله كذلك، بعدما أصبحت “الوطنية” وجهات نظر متضاربة ليس فقط بين أهل الموالاة والمعارضة، بل بين أركان السلطة نفسها وأرباب الحلف السياسي الواحد على جبهة الأكثرية المتناحرة في “تشخيص مصلحة النظام” وتفسير مقتضيات المصلحة الوطنية.
وأمس، استلّ رئيس الجمهورية ميشال عون سيف الإمام علي مجدداً في وجه الثنائي الشيعي… فبعدما لوّح به إبان المبارزة الحكومية مذكّرا بمقولته “المحايد خذل الحق ولم ينصر الباطل” في معرض التصويب على وقوف “حزب الله” حينها على الحياد في معركة التأليف تاركاً عون وحيداً على حلبة الصراع مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، عاد رئيس الجمهورية لينهل من “نهج البلاغة” مقولة جديدة زجّ من خلالها “الثنائي” في قفص الاتهام في قضية انفجار المرفأ، على اعتبار أنّ “الأبرياء لا يخافون القضاء… وكما قال الإمام علي: من وضع نفسه موضع التهمة فلا يلومَنّ من أساء به الظن”. وهو ما اعتبرته مصادر قيادية في 8 آذار “ضربة تحت الزنار” من رئيس الجمهورية، موضحةً أنه “وعلى الرغم من أنّ بري أخذ موضوع الرد الفوري على عاتقه، لكنّ تغريدة عون حملت في طياتها اتهاماً بالغ الخطورة يطال مباشرةً “حزب الله” لا سيما وأنها تقاطعت في معانيها مع محاولة تجريم “الحزب” بقضية انفجار 4 آب، وهذا ما قد يستدعي رداً سريعاً وحاسماً ربما لن يتأخر لأكثر من 24 ساعة”، في إشارة إلى احتمال أن يضمّن نصرالله خطابه اليوم تعليقاً مباشراً على موقف عون.
وكان رئيس المجلس النيابي عاجل رئيس الجمهورية بردّ مبدئي اتهمه فيه بتسخير القضاء وتحويله إلى “قضاء سلطة”، قبل أن تقصف قناة “أن بي أن” قصر بعبدا بصلية مركّزة من المواقف النارية في مقدمة نشرتها المسائية مؤكدةً أن “التاريخ سيسجل أنّ العدلية انقسمت طائفياً في عهد ميشال عون، وأنّ حالة الإنفصام القوي جعلت رئيس الجمهورية يغرّد أن الأبرياء لا يخافون القضاء، فيما هو أول من تدور حوله شبهة الخوف لأنه كان يعلم بالنيترات وبدلاً من أن يتحرك حرك مجلسي الدفاع الأعلى والقضاء الأعلى لحماية نفسه والحاشية والانتقام من الخصوم”.
وإذ سارع مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية بالرد على مقدمة الـ”أن بي أن” فوضعها في موضع تثبيت الريبة والشبهة ونزع قرينة البراءة عن رئيس مجلس النواب وإلا “لماذا اعتبر من ردّ على تغريدة عون بأنّ المقصود هو التحقيق في جريمة مرفأ بيروت (…) وقديماً قيل: إن اللبيب من الاشارة يفهم”… تولى هذه المرة مكتب الإعلام في الرئاسة الثانية الردّ على نظيره في الرئاسة الأولى معتبراً أنّ “الذي أجاب على التغريدة (العونية) إنما هو ردّ على النوايا “الصادقة” التي تمتعتم بها”، وختم: “الجمل بنية والجمّال بنية والحمل بنية أخرى، والله من وراء القصد!”.
وفي خضمّ المشهدية القضائية السريالية والجدل الرئاسي البيزنطي حول قضية انفجار المرفأ، تلمّس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بصيص نور قد يعيد انتشال مجلس الوزراء من تحت أنقاض الانفجار، انطلاقاً من احتمال أن تفضي “الانتفاضة العونية” في مواجهة الثنائي الشيعي إلى فك أسر الحكومة بالاستناد إلى حرص “حزب الله” على تجنب الخوض في تسعير أي خلاف مع رئيس الجمهورية، وهو ما دفع بعض المراقبين إلى وضع حديث ميقاتي عقب لقائه عون أمس عن “إيجابيات” وقوله: “بكرا الشمس بتطلع والناس بتقشع” في خانة توقع تليين “حزب الله” موقفه إزاء فصل مسألة عودة مجلس الوزراء إلى الانعقاد عن مسار صراع “الحزب” مع المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، الذي جدد ميقاتي بالأمس التمسك بموقف حكومته الداعي إلى إبقاء ملف قضية المرفأ في عهدته.
أما إزاء إشكالية وزير الإعلام جورج قرداحي، فالواضح أنّ “حزب الله” لا يزال حازماً في منع استقالته أو إقالته من دون مقابل، في حين بدأت “لعنة قرداحي” تطارد اللبنانيين في دول الخليج العربي حيث بدأت العواقب السلبية لعدم استقالته تتدحرج باتجاه إحكام القطيعة بين لبنان وهذه الدول، بدءاً من الكويت حيث قررت وزارة الداخلية وقف منح “التأشيرات السياحية والعائلية والتجارية وغيرها للبنانيين”، وذلك ضمن إطار “تنسيق أمني خليجي بين مختلف دول مجلس التعاون” وفق ما كشف مصدر أمني مطلع لصحيفة “الراي” الكويتية، متوقعاً أن يكون هذا الموضوع “على طاولة البحث في اجتماع وزراء الداخلية الخليجيين المقرر الأسبوع المقبل في البحرين”.
وعلى الأثر، حمّلت مصادر ديبلوماسية المسؤولية المباشرة عن تفاقم الأزمة اللبنانية مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج إلى “الميوعة الحكومية في تدارك الموقف”، مشددةً على أنّ المسؤولين الرسميين في لبنان “لم يبادروا بعد إلى أي معالجة جدّية للأزمة، إنما لا يزالون على مقاربتهم السطحية لها”، وقالت لـ”نداء الوطن”: “على الرؤساء الثلاثة، بغض النظر عن انقسامهم السياسي، التدخل وعدم ابقاء الوضع “لا معلق ولا مطلق”، أقله حفاظاً على مصالح اللبنانيين في دول الخليج”، موضحةً أنّ المسألة باتت تتطلب “خطوات عملية سريعة لإظهار حسن النوايا فعلياً تجاه السعودية والخليج، وأولى هذه الخطوات يكون باعتذار رسمي من الحكومة على ما سيق بحق المملكة والإمارات واستقالة قرداحي، كي يستطيع عندها أي وسيط، أكان قطرياً أم كويتياً أم من أي دول أخرى، إطلاق عملية المعالجة بعد أن يكون قد تسلّح بشيء عملي وملموس من الجانب اللبناني يتيح له التحرك على خط رأب الصدع”.
وإذ أبدت تخوفها من تداعيات كارثية لإطالة أمد الأزمة والتأخر في المعالجات الرسمية المناسبة، حذرت المصادر الديبلوماسية من “ارتدادات سلبية متصاعدة بدأت مع التشدد الكويتي في منح تأشيرات للبنانيين، وقد لا تنتهي عند إجراءات مماثلة من سائر دول مجلس التعاون، وصولاً إلى احتمال أن تنحو الأمور نحو الاسوأ إذا تطوّر مسار القطيعة الخليجية مع لبنان ليشمل إجراءات تشمل حظر الطيران والتحويلات المالية”.