أزمة الجهات الضامنة تتفاقم… والحلّ الأوّلي قرض بـ 120 مليون دولار من البنك الدولي؟
باولا عطية- الديار
في ظل انهيار العملة الوطنية مقابل تصاعد دراماتيكي لسعر صرف الدولار في السوق السوداء والذي وصل إلى مستويات قياسية ملامسا حدود الـ 22 ألفا! يواجه المواطنون اللبنانيون أزمة جديدة وهي «تعرفة المستشفيات الخاصة»ّ، في ظل غياب سياسة واضحة لتأمين الطبابة والاستشفاء للبنانيين، سواء المشمولين بتغطية الجهات الضامنة أو غير المشمولين، ما يؤدّي إلى كشف جميع اللبنانيين صحياً، باستثناء حملة الدولارات الطازجة.
وبما أنّ كلّ ما تشتريه المستشفيات يسَعّر وفق سعر الصرف في السوق الموازي، من مستلزمات مطبخية لأدوات التنظيف والتعقيم حتى المستلزمات الطبية لأنّ المستوردين ما عادوا يحصلون على الدعم من مصرف لبنان، بحسب ما صرّح به نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون، يقع على عاتق المواطن اللبناني دفع قيمة الفرق بين تعرفة المستشفيات وتعرفة الجهات الضامنة الرسمية التي لا تزال وفق سعر الصرف الرسمي أي 1500 ليرة. فهذه الجهات، التي تشمل الطبابة العسكرية ووزارة الصحة و قوى الامن الداخلي وتعاونية الموظفين، تأخذ موازنتها الاستشفائية من الدولة، والدولة لا تملك المال لتتكفل بكلفة رفع التعرفة!
ومن جهّتها أصبحت شركات التأمين تتقاضى بدل بوالصها بالدولار الفراش، لتتمكن من تسديد فاتورة المستشفيات المسعّرة بالدولار، ليدفع المواطن بدوره ثمن أكبر كلفة استشفاء في تاريخ لبنان! وبالتالي نحن امام معضلة كبيرة، فلا الدولة اللبنانية قادرة على تحمّل كلفة الطبابة والاستشفاء، والمستشفى والمريض غير قادرين على تحمّل قيمة الفروقات.
ووسط كلّ هذا «التخبّط الاستشفائي» يكشف وزير الصحة فراس الأبيض في حديث لـ «الديار» أنّ «تقديرات الجهات الضامنة هي أنه ومن أصل 800 ألف مضمون سيتمكّن فقط 400 ألف شخص من شراء بوالص تأمين». أي أنّ عدد المضمونين في شركات التأمين سيتراجع إلى النصف.
ويضيف الأبيض « إذا احتسبنا عدد المواطنين اللبنانيين بـ 4 مليون مواطن فبالتالي لن يتمكّن سوى 10% من هؤلاء من تأمين بوالص للاستشفاء، فكيف سيطبب الـ90% الآخرون؟ وحتى من كان مضمونا في السابق على الضمان وكان يدفع ثمن بوالص التأمين بفرق الضمان لن يتمكّن اليوم من الدفع لأنّ النسبة التي أصبح يغطيها الضمان اليوم لا تساوي شيئا، وبالتالي 90% من الشعب اللبناني لم يبقى لديه سوى الجهات الضامنة الرسمية».
من يدفع الفاتورة الصحية الرسمية؟
يجيب الأبيض «هذه الفاتورة تدفع إمّا عن طريق الضرائب والتي تجبيها الدولة من المواطنين وعلى أساسها تفتح اعتمادات للوزارات ومن ضمنها وزارة الصحة، أو عن طريق الاشتراكات في الضمان التي تغطي الفرق او عن طريق جيب المواطن (كاش أو بوليصة تأمين) وكان النظام الصحي في لبنان قبل الازمة يتوزّع على قاعدة «ثلاث ثلاثات»، أمّا اليوم فالفرق أصبح على عاتق اللبناني، على قاعدة «لا تمرضوا كي لا تدخلوا إلى المستشفى!».
ما الحل؟
يوضّح وزير الصحة أنّ «الوزارة تسعى إلى خلق نظام صحي جديد يرتكز على أنظمة معلوماتية متطورة، وهناك 7 برامج معلوماتية يتمّ العمل عليها حاليا، سيتناول بعضها ادوية الأمراض السرطانية والمستعصية، والمستلزمات الطبية، وتخزين الأدوية في الكرتينا…».
ومن ناحية التمويل يقول الابيض أنّ «الوزارة تسعى إلى تأمين التمويل عبر جهات مانحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، وأوّل خطوة في هذا الاطار ستكون قرضا بقيمة 120 مليون دولار من البنك الدولي، إلا أنّ هذه الخطوة ليست مستدامة فنحن بحاجة إلى خطة لتمويل النظام الصحي على المدى الطويل، وقد تتضمن ضرائب على الطبقة الغنية لتأمين طبابة للفقراء، ورفع الضريبة على أرباب العمل لتطبيب الموظفين، لكن هذه الخطوات تحتاج إلى مفاوضات وخطط طويلة الأمد مع تضامن جميع الجهات المعنية».
وعن قرض البنك الدولي يوضّح الأبيض أنّ « البنك الدولي سيغطي للمستشفيات 3 أضعاف ونصف الفرق المتوجّب على المريض، فعلى سبيل المثال إذا كانت الفاتورة تكلفتها 2.500 ليرة سيدفع المريض 100 ألف ليرة لبنانية وسيدفع الضمان أو الجهة الضامنة الرسمية 900 ألف ليرة والبنك الدولي 1.500 الف ليرة مع تدقيق مالي ستقوم به جهة ثالثة. وبالتالي الـ10% المتوجبة على المواطن لن يدفعها على سعر صرف الدولار في السوق السوداء. وهذه الخطة ستطبق على من هم على نفقة وزارة الصحة».
في المحصّلة، يبقى هذا الحلّ «إبرة بنج مؤقتة» حتى يتمكّن المعنيين من وضع نظام صحي جديد ينظّم القطاع الاستشفائي ويحفظ حقّ المواطنين في الحصول على طبابة واستشفاء سليم.