نبيه البرجي-الديار
كيف يمكن لأنطوني بلينكن أن يرى دمشق مثلما يراها عبدالله بن زايد، أو مثلما يراها أي عربي آخر قرأ ما قاله أحمد شوقي، ونزار قباني، وسعيد عقل، ومحمود درويش، في المدينة التي توّجت فيروز أيقونة العرب؟
وأنت على ضفاف بردى لكأنك على أرصفة غرناطة، أو لكأن صهيل الخيول، خيولنا، على أبواب سمرقند، تراقص دقات قلوبنا. هي «ثوب الروح» و»ثوب الأزل»، كما أوحى بذلك محيي الدين بن عربي الذي اذا ذهبــت الى حيثما ذهب لكأنك تغتسل بالله…
كم يبدو العربي، كم يبدو التاريخ، عارياً حين يبتعد عن دمشق؟ برنار ـ هنري ليفي، الفيلسوف الذي بمواصفات الأفعى ذات الأجراس، استبشر بـأن سقوط المدينة يعني سقوط الشرق. هكذا تحل عصا يوشع بن نون محل عصا حنانيا، وحيث الدخول الى كنيسته، في باب توما، هو الدخول في رداء السيد المسيح!
ادارة جو بايدن مستاءة من الزيارة . ديفيد اغناثيوس كان قد تنبأ، غداة الحدث الأفغاني، بـ «انتفاضة العرب ضد أميركا». في دولة الامارات يدركون جيداً ماذا يعني استيلاء «الاخوان المسلمين»، بالتأويل الدموي (بل والهمجي) للنص القرآني، على السلطة في سوريا، وماذا تعني عودة المشانق العثمانية الى ساحة المرجة في دمشق توازياً مع ساحة البرج في بيروت.
كل تلك الحثالة، ومن ليل الأقبية الى ليل القبور، جيء بها لغزو دمشق. رجب طيب اردوغان لم يشأ أن يدخل اليها على متن دبابة. جنكيز تشاندار قال انه طلب من معاونيه اعداد حصان يشبه أحصنة سلاطين بني عثمان ليختال على صهوته في فناء الجامع الأموي.
أهلاً بعبدالله بن زايد في دمشق التي لم تكن يوماً، ولن تكون، الا أرض العرب (العرب)، وأرض العروبة (العروبة) التي طالما كانت رهاننا، وتبقى رهاننا، بعدما بلغ بنا الوهن الحد الذي حمل شاعرة تونسية على القول «لكأننا نجثو، بعباءاتنا المقدسة، عند قدمي… العار».
لا تعنينا العودة الى جامعة الدول العربية التي شتمنا أحد مسؤوليها حين وصفناها بملهى الباريزيانا (البيروتي) أيام زمان، بالطرابيش، والأراكيل، وبالراقصات المترهلات.
ما يعنينا عودة سوريا الى قلوب العرب، والى رؤوس العرب، وهو ما تختزله الزيارة ـ الحدث، وان كانت التكشيرة الأميركية قد حالت دون حكام، ووزراء، عرب وزيارة دمشق بعدما كانوا قد دقوا على أبوابها . متى كانت هذه الأبواب موصدة في وجه الأهل؟
كسر للحصار. الأميركيون الذين أخفقوا في قتل سوريا بالصواريخ وبالقنابل، يحاولون قتل السوريين، وكما اللبنانيين، برغيف الخبز وبتنكة المازوت…
ماذا كان حل بسوريا لو أن جورج دبليو بوش تمكن، عام 2003، من تنفيذ السيناريو الذي وضع آنذاك لغزو دمشق عقب غزو بغداد ؟ وكانت تلك الخطة الأسطورية لتفكيك السيناريو اذا كنتم تذكرون حذاء منتظر الزيدي.
محاولة أخرى، وعلى شكل حرب كونية، عام 2011 . أسابيع، بل وأيام، بل وساعات، وهذا ما توقعه ساسة لبنانيون، وقد بدا الحبور على وجوههم، ويغدو النظام، وتغدو الدولة، أثراً بعد عين…
جون كيري، وكما نقل عنه فريد زكريا، قال «مشكلتنا كانت في حلفائنا. بدوا ثلة من الذئاب التي لو تسنى لها الوصول الى السلطة لمزقت بعضها البعض». بطبيعة الحال لتمزقت سوريا.
كل الأضواء على زيارة الوزير الاماراتي. الرجل لا تنقصه الرؤية، ولا الخبرة، ليعلم مدى حاجة المنطقة التي تمر في ظروف أكثر من أن تكون كارثية الى الدور السوري ان في اخماد النيران بين ضفتي الخليج، أو في اعادة تكوين موقف عربي هو من يملأ الفراغ، لا الأساطيل، ولا الترسبات الأمبراطورية التي جعلت حتى الأحباش يستعيدون ذكرى أبرهة الحبشي، ويدعون الى اقامة تمثال له وسط اديس ابابا.
انها دمشق أيها العرب. بوابة العرب الى العروبة. متى نرى عبدالله بو حبيب على خطى عبدالله بن زايد؟ آن الأوان لوقف تلك المهزلة…