“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
حتى اللحظة، لا مرشحاً جدياً لخلافة الرئيس سعد الحريري على مقعده النيابي في بيروت أو هكذا يُراد أن تبدو الأمور! هو المقعد الذي يُحكى أنه في وارد العزوف عنه. إلى حينه لا يأخذ “المستقبليون” هذا الكلام على محمل جدّ أو حسن، رغم توافر مؤشرات توحي بواقعية ذلك الإجراء وقرب حدوثه.
باتت وضعية الرئيس سعد الحريري السياسية “الملتبسة” خارج النقاش. منذ أن خرجَ من “التكليف” على النحو الذي خرج منه قبل شهور وهو منقطع تقريباً عن أداء أي فريضة سياسية، اللهم بعض التغريدات التي تُنسب إليه كتابةً عبر تويتر. في بيروت، ثمة من يتحدث بإسهاب عن غرق الحريري في صمتٍ سياسي مطبق، ولو أنه يخرقه بين فينة وأخرى برسائل تطال “حزب الله” على وجه التحديد، لكنها ونسبةً لكونه زعيم طائفة وقائد لشارع عريض، فلا تعود تكفي إطلاقاً، كحاله مع الأزمة السياسية الحالية مع السعودية والتي لم تحتاج منه سوى إلى تغريدة واحدة يتيمة لينقطع بعدها عن الأحداث بشكلٍ مخزٍ أو مخيّب للآمال بالنسبة إلى الذين يحسبون أنفسهم على درجة قربٍ منه.
هناك في داخل تيّار “المستقبل” من يرمي بهذه الحالة إلى أسباب خاصة ، يُعدّ الحريري أفضل من يعبّر عنها، وعلى طرف نقيضٍ من ذلك هناك من يقول حدّ الجزم بأن “الشيخ سعد” بدأ ينفذ “سياسة تراجع تكتيكية” عن تولّي الأمور السياسية التي باتت من صلاحية المكتب السياسي لـ”المستقبل”، متفرغاً لأعماله التي يعيد ترميمها من الإمارات العربية المتحدة، وهو لأجل ذلك سيبتعد قليلاً عن الساحة على أمل أن يعود لاحقاً.
إذاً فرضية العزوف عن النيابة وبعدها السياسة تصبح منطقية هنا، وتنافي مصلحة من يدّعي عكس ذلك، مع العلم أن ثمة في تيار “المستقبل”، من يجد فائدةً من هذا الإبتعاد إن اتخذ القرار النهائي بتطبيقه، عملاً بقضايا مشابهة حصلت في الماضي وأبعدت رجالات سياسة عن المشهد لتعود بهم لاحقاً وتعوّمهم بشكل أقوى وأمتن من ذي قبل. فهل أن سعد الحريري يحضّر لـ”تسونامي سياسي” بعد فترة تأتي به على شكل مختلف؟
كل الأسئلة تصبح مشروعة في هذا الزمن، ومنها حول الجهة الصالحة لخلافته على المقعد النيابي، ولو أن “المستقبليين” لا يتقبّلون حتى الآن فرضية التفكير بهذه القضية. مع ذلك، ثمة مؤشرات بدأت بالتبلور تكاد تكفي لبلوغ المراد، كثابتة بقاء مقعد رفيق الحريري في بيروت الثانية عند آل الحريري. وكانت ترددت في الآونة الأخيرة معلومات عن مضمون اتفاق يحتاج إلى تدقيق، يشير إلى إجراء “تبديل تكتيكي” على مستوى المقاعد بين آل الحريري. وبموجب الاتفاق المزعوم، يؤول مقعد الرئيس سعد الحريري في بيروت إلى عمته بهيّة، الحائزة والمحافظة على وضعية شعبية خاصة في صفوف المستقبل، مقابل أن يذهب مقعدها في صيدا إلى نجلها أحمد. وبذلك تكفل “العائلة” صون مقعد “الشيخ سعد” في العاصمة الذي يمثل عملياً مقعد والده الشهيد وتحفظ مقعدها عند بوابة الجنوب. كذلك تبعد أي إحتمالات لمنافسة عائلية داخلية قد يكون يسعى خلفها شقيق الرئيس سعد الحريري الأكبر ومنافسه الأول على “العرش”، بهاء، الباحث في الموسم الإنتخابي المقبل عن “سجادة” يدوس عليها للعودة إلى حالة التوريث السابقة التي “زحطت” من يده مرّتين سابقتين بقرار سعودي. فهل يعود بهاء اليوم بقرار سعودي؟
تبدو الأمور في بيروت هادئة نسبياً، ولا يرصد أي تحرّك لـ”بهاء” في العاصمة، ولو أن هناك أحاديث يجري تناقلها تشير إلى وجود مساعٍ، يعتقد أنها تتقاطع مع جانب سعودي يريد تكريس بهاء، كحالة مواجهة مزعجة لسعد في بيروت وضمن البقعة السنية بشكل عام، تأتي على أهداف سعودية تتصل بالتلاعب بالوضع الداخلي السني وإخراج سعد الحريري من الدائرة واستبداله بآخر من آل الحريري، ولا يبدو إلاّ بهاء، المرشح لبلوغ تلك الوضعية.
وعلى هذا المنوال، سيطول الفراغ في القيادة السنية في لبنان مع لجوء سعد الحريري إلى العدم المجهول. ولا يبدو أن المخاض التي تعيشه الطائفة سينتهي عما قريب، بل إن الإنتخابات المقبلة ستشهد إرهاصاتها الأولى وربما اشتداد ظروفها وتكريس المزيد المزيد من الغيبة السياسية وحالة التلاشي. وثمة من بين “الفقهاء” داخل الطائفة من يدّعي قولاً أننا سنشهد على “طائفة مختلفة” عند الفراغ من صناديق الإقتراع، وسيتسيّد الصورة مجموعة من الباحثين عن دور على ظهر الطائفة، من رجال المال والأعمال غير المنظورين إلاّ في المناسبات السياسية وعند حلول مواسم الصيد.
هذا الكلام يقود إلى بلوغ الإنتخابات منحىً مختلفاً، يتعاظم في ظلّ الحديث المترامي الأطراف عن عدم رغبة الحريري بالعزوف بتياره عن الإنتخابات، وإنما سيخوضها بشكلٍ مختلف تكون إدارتها خاضعة لجماعة من المستثمرين أصحاب رأس المال، لا يبدو أن منسق بيروت والرجل الأقرب إلى سعد الحريري أحمد الهاشمية بعيداً عن التركيبة وهذا الجو. ويحكى أن الهاشمية سيسمى على المقعد الذي شغله النائب نهاد المشنوق في الدورة الماضية. وهذا يمهّد إلى توطئة لمنافسة شرسة ستشهدها العاصمة.
في المقابل، سيشدّ الهاشمية إلى المشهد، بصفته “الزنبرك” الذي يتحرك انتخابياً في الوقت الحالي، ثلةٌ من رجال الأعمال و المتمولين الذين يطمحون لخوض الاستحقاق الانتخابي على لوائح “بيت الوسط”. ويبدو حتى الساعة أن التكلفة المالية التي عجز الحريري عن تأمينها لـ”ريّ” لوائحه، ستكون موكلة إلى “نخبة المال” تلك و التي سيقع على كاهلها غرض إنجاز معركة تيار “المستقبل”.
أما في داخل التيار لا يبدو أن الأمور تسير بهدوء أو بلطافة، أو ثمّة من يتقبّل مطلقاً هذه “التكويعة”. فأمين عام التيار أحمد الحريري الذي زار الرئيس الحريري في الخارج قبل فترة، عاد إلى بيروت ومنذ ذلك الوقت لم يبادر إلى تنظيم نشاط حيوي ذات بعد انتخابي جدّي. ويتردد بأنه شبه منقطع عن التواصل مع “مفاتيح إنتخابية” سواء في العاصمة بيروت أو الشمال، وهي علامة غير سليمة تبعاً لدور “أحمد” بصفته اميناً عاماً في مسألة الإنتخابات، ويصبح الموضوع حمّال أوجه قبل أشهر قليلة من فتح صناديق الإقتراع، في وقتٍ يحتاج “المستقبل” إلى “شحنة” تدفعه إلى الأمام.