اندريه قصاص
مَنْ يراقب الحركة الدائمة لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في الخارج وفي الداخل، لا يسعه إلاّ أن يسأل: من أين يستمدّ كل هذه الطاقة؟
الذين يعرفون الرجل تمام المعرفة، وهم كما هو حركة لا تهدأ، يقولون إن سرّه في إتكاله على ربّه أولًا، ورهانه على أن ما يعيشه لبنان من أزمات كبيرة ليست سوى غيمة صيف لا بدّ من أن تعبر سماءه، حتى ولو طال الإنتظار. يؤمن بأنه لا يصحّ إلاّ الصحيح. ويؤمن بقدرية تعايش اللبنانيين مع بعضهم البعض، وإن بدت مواقفهم متناقضة إلى حدّ الإعتقاد بإستحالة توافقهم على الأساسيات. يراهن كثيرًا على وعي الشباب، ويؤمن بأنهم قادرون على إحداث تغيير جذري في العقلية والممارسة السياسية، ويراهن على الإنتخابات النيابية المقبلة، التي يعتبرها مفصلًا أساسيًا ومصيريًا في الحياة السياسية، خصوصًا أن المستقبل لهؤلاء الشباب، الذين لديهم وعي سياسي لافت، وهم أبعد ما يكونون عن الطائفية التي تجعل لبنان يتقوقع على ذاته، وبالتالي لا يستطيع أن ينتج سوى الأزمات المتلاحقة والمستنسخة من جيل إلى آخر، منذ أن نال إستقلاله حتى اليوم.
ويتابع هؤلاء الذين يشبهونه، تصرفاتٍ وأخلاقًا، فيقولون إنه لولا هذا الأيمان المتجدّد كل يوم لدى الرجل لما كان قبِل بهذه المهمة الصعبة والشاقة، التي ألقيت على عاتقه، ولما إستطاع أن “يباطح” ويسعى ويجدّ، بحيث لا يترك فرصة سانحة إلاّ ويحاول الإستفادة منها وتثميرها لمصلحة الحل الذي يسعى إليه، على رغم كل العراقيل التي توضع في طريقه.
لن يرمي “سلاحه”في منتصف الطريق وفي عزّ حاجة لبنان إلى من يعرف كيف يضحّي بوقته وراحته، حتى أنه يوصل الليل بالنهار. يعرف تمام المعرفة أن الأحصنة لا يمكن تبديلها في منتصف النهر، ويدرك أن الإستسلام ورفع “العشرة” هو عدّو التقدّم والنجاح. وهذا يعني بـ”العربي المشبرح” أنه لن يستقيل من مسؤولياته، ولن يقدّم إستقالته إلى الذين يعرقلون طريقه على طبق من فضّة. فكلما رفعوا من منسوب سلبياتهم وتحدّياتهم كلما إشتدّ عصبه وقوي عوده وأصبحت إرادته أكثر صلابة وأكثر عزمًا.
ما قاله رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي الوزير السابق وليد جنبلاط عندما وصف أداء الرئيس ميقاتي بـ”الممتاز” يختصر مشهدية ما يحاول رئيس الحكومة القيام به حتى ولو بقي وحيدًا في الساحة، خصوصًا أن الذين يعرقلون المسيرة الحكومية هم “من أهل البيت”، وهم أشدّ ظلامة ممن يُعتبرون خارج السلطة.
فلو كنا في زمن عادي، ولو لم يلجأ البعض إلى “ضرب” يده على طاولة مجلس الوزراء، في حضور رئيس الجمهورية، ولو أن هذا البعض يدرك أهمية معنى “معًا للإنقاذ”، لكان ما يقوم به رئيس الحكومة من جهود إستثنائية أثمر وأينع وأختصر المسافة التي تفصل لبنان عن بدايات الحلول المرتجاة والممكنة، والتي لا تزال ممكنة على رغم ما يعترض هذه المسيرة من وهن.
في الكلام الذي سمعناه منه في المجلس الإقتصادي – الإجتماعي، الكثير من الإيمان والثقة، وكأنّه يعطي إشارة الإنطلاق لضرورة معاودة مجلس الوزراء جلساته، التي يُفترض أن تكون يومية، وليتحمّل المعطّلون والمخطئون في حساباتهم مسؤوليتهم التاريخية أمام الشعب، الذي لم تعد يصدّق أيًّا من الشعارات الرنانة والطنانة والفارغة من أي مضمون.
لمن فاتهم التمعن في سيرته نقول أن الرئيس ميقاتي لن يرفع راية الاستسلام في لحظة مفصلية تتطلب صمودًا أكثر من الأوقات العادية.
على رغم كثرة الغبار المثار بهدف التعمية نجد الرجل متمسّكًا بتفاؤله وبإيمانه بأن المجال لا يزال متاحًا من أجل إخراج لبنان من قعر الهوّة.
المصدر: لبنان 24