محمد صادق الحسيني-البناء
لا أحد من العارفين والمطلعين على موازين القوى المترتبة على خسارة الأميركان وهزيمتهم المدوية في ديارنا سيستغرب وصول كلّ رموز الحرب الكونية على سورية تباعاً إلى دمشق، بضوء أخضر أميركي ساطع. كل ما هنالك أنه ثمة توقيت لكلّ تابع والكلّ واقف بالدور.
وصول وزير خارجية الإمارات على رأس وفد كبير إلى قصر الشعب السوري ليس بعيداً من هذه الأجواء، بل هو في صميمها.
فواشنطن قرّرت تسليم مفاتيح المنطقة دولياً للروس، وإقليمياً للإيرانيين.
قد يستغرب المواطن العربي غير المتابع لعمق ما جرى خلال العقد الماضي إذا ما سمع هذا الكلام الكبير.
ما تقوم به الإدارة الأميركية ليس سببه أن روسيا حطمت الجيش الأميركي، ولا لأنّ إيران أخرجته من المنطقة، بكلّ بساطة ولكن بحسابات دقيقة أيضاً كشف عن بعضها الرئيس الأميركي جو بايدن وهو يبرّر انسحاب قواته المذلّ من أفغانستان.
أميركا لم تعد قادرة ولا تريد دفع المزيد من الأثمان دماً وأموالاً لانتشارها في منطقتنا، لذلك من الأفضل لها الانسحاب اليوم قبل الغد.
ولكنها وهي تقوم بهذا، فإنها باقية على جوهرها المعادي للشعوب وطبيعتها الناهبة لثروات ومقدرات بلادنا.
في هذه الأثناء فهي تريد إغراء روسيا لإبعادها عن الصين استراتيجياً من جهة، وفتح باب إغراقها بكلّ مشاكل إعادة بناء دول المنطقة من جهة أخرى.
وهي تريد إغراق إيران بحروب فتنوية متنقلة إلى حين استكمالها لعمليات الهروب الكبير الذي تستعد له من كل من سورية والعراق.
لكنها في هذه الأثناء ترسل رسائلها الواضحة إلى دول مجلس التعاون الخليجي كما إلى الكيان الصهيوني، بأنها ليست مستعدة لتقاتل نيابة عنهما مطلقاً، لا ضدّ إيران، ولا من أجل إبقاء الوضع الجيوسياسي «الشرق أوسطي» الراهن، لأن عقلها وجلّ اهتماماتها انتقلت إلى الشرق الأقصى وبحر الصين.
وحتى تتمكن واشنطن من إدارة ملف تراجعها وخروجها وتداعيات هزيمتها في غرب آسيا، فهي تبحث عن ضامن لمصالحها التجارية وغير التجارية إلى حدّ كبير في المنطقة، عبر العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران من جهة، والدخول في تفاهمات دولية مع موسكو بدأتها في هلسينكي في ما سمّته الإبقاء على الاستقرار الاستراتيجي!
تحويل ملف الكرد في شرق سورية من الحضن الأميركي إلى الحضن الروسي، والبدء بترتيبات مصالحة وطنية في دير الزور على شاكلة ما جرى في درعا، وفتح باب عودة خط الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سورية، إشارتان إضافيتان لمجموع محور التحالف الإيراني الروسي السوري في مسرح عمليات محور المقاومة تحديداً، أيّ شرق سورية وفي لبنان، إيذاناً ببدء تراجع واشنطن عن ما كانت تتباهى به أيام ترامب وسمته بسياسة الضغوط القصوى على كلّ من إيران وسورية والمقاومة اللبنانية.
هذا الوضع الجديد سيطغى على سياسة بايدن إلى حين الانتخابات الفرعية للكونغرس الأميركي، والتي قد تنذر بعودة هيمنة الجمهوريين من جديد على القرار التشريعي الأميركي، ما يجعل إدارة بايدن تسير الآن وكأنها نصف عمياء، عين على الواقعية السياسية التي تجبرها على حزم حقائبها والرحيل كما أرادت إدارة ترامب أصلاً، وعين على الصراع الأيديولوجي والسياسي الداخلي الذي يدفعها إلى الإسراع في إنجاز ما طرحته من شعارات انتخابية داخلية تجعلها تضمن عودة الديمقراطيين لولاية ثانية.
أياً تكن تلك الضرورات الأميركية الداخلية، إلا أن القدر المتيقن مما يجمع عليه الأميركيون بكل أجنحتهم هو أن عليهم سحب جنودهم من بلاد العالم وتقليص نفوذهم في بلادنا من أجل إنقاذ أميركا أولاً.
أما الذين اعتادوا على تلقي التعليمات أو ربطوا اقتصادياتهم بالأساس مع رؤوس الأموال اليهودية العالمية، ومنهم بشكل خاص الإمارات وتركيا والكيان المحتل الذي هو القاعدة الأميركية الأكبر المنصبة فوق أرض فلسطين، فما عليهم الا اتباع اشارات المرور الأميركية إلى حين صدور أوامر تفكيك «مستعمراتهم» وانتهاء دور أنظمتهم!
في المقابل نحن على ثقة بأنّ قادة محور المقاومة لن تغريهم كلّ هذه الإشارات من الانحراف عن بوصلة الصراع الواضحة وضوح الشمس، وأملنا بالصديق الروسي «المقاول الدولي» المتميّز حتى الآن بأن لا يذهب بعيداً في الاسترخاء لأنّ «الموسكوبية» في فلسطين لن يحميها الغزاة والطارئين، بل أهل الأرض والحق والمبادئ السامية.
من الآن إلى حين النزال الأكبر أو منازلة ما قبل يوم القيامة نقول:
بعدما طيّبين قولوا الله…