الشيطان الذي فينا

نبيه البرجي-الديار

حتماً لسنا مع القس جيسي جاكسون وهو يقول «من يقترب من أميركا انما يقترب من الله» ولكن، هل حقاً، أن من يقترب من أميركا انما يقترب من … الشيطان»؟.

ثمة عشرات الآلاف من أبنائنا الذين تابعوا أو يتابعون تحصيلهم في الجامعات هناك، وحيث ثماني جامعات، من أصل الجامعات العشر الأولى في العالم، هي جامعات أميركية.

الملايين من العرب، من أهلنا، في الولايات المتحدة، وبينهم لبنانيون، وسوريون، ومصريون، وفلسطينيون، علماء في وادي السيليكون الذي يوصف بـ «الفردوس التكنولوجي»، وحيث يسعى الروس، والصــينيون، لرصد الخفايا الفذة التي هناك.

لكننا مع القول ان أميركا هي النسخة البشرية عن القضاء والقدر . انظروا ماذا يفعل الاعصار الأميركي حيثما يحط رحاله. بول كروغمان، الحائز نوبل في الاقتصاد، قال «حيثما توجد أميركا يوجد المال، بطبيعة الحال يوجد الفساد». العراق مثالاً. هذا بلد حمورابي، ونبوخذنصر، وهارون الرشيد. الحكام الذين أتى بهم بول بريمر فعلوا ببلدهم ما لم يفعله المغول.

كروغمان قال أيضاً «ان البراغماتية تعني مراقصة الشيطان، وربما محاكاة الشيطان، بين الحين والآخر». ماذا يفعل الايرانيون حين يفاوضون الأميركيين، وان بصورة غير مباشرة (هذا الموقف العبثي)، سوى أنهم يراقصون الشيطان؟

كلبنانيين، وكسوريين، وكعراقيين، وكيمنيين، وحتى كفلسطينيين، موجودين في القاع، ونصرخ من القاع، ماذا فعل الروس، والصينيون، لأميركا التي استولت، بالقوة، على القمح السوري، وعلى النفط السوري، بأخلاقية الكاوبوي، أو بأخلاقية الغانغستر. أبناء أهراءات روما يلهثون وراء كيس الطحين وتنكة المازوت؟

نسأل أيضاً ماذا فعل الروس للاسرائيليين وهم يستغلون الآلام السورية، سوى أنهم يأخذون علماً، ومسبقاً، بالغارات الجوية التي توقع القتلى في صفوف الضباط والجنود السوريين الذين على أرضهم، وبين أهلهم؟

الأمبراطوريات هي الأمبراطوريات، والقياصرة هم القياصرة . يا لحالنا حين نراهن على أن يحل الصينيون محل الأميركيين، في ادارة رؤوسنا!!

كلام كثير، من القلب، ومن العقل، يفترض أن يقال، عشية معاودة المفاوضات على ضفاف الدانوب، ودون أن نتخلى لحظة عن قناعتنا بعدم بيع أنفسنا، كما الخراف، لشايلوك الأميركي، أو لشايلوك الاسرائيلي.

لدى الايرانيين من الديناميكية الديبلوماسية، ومن البراغماتية أيضاً، وهم الذين يعانون ما يعانونه من العقوبات (والى حد التهديد وراء الضوء بالحصار البحري والجوي) ما يمكّنهم من أن يخوضوا مفاوضات الند للند، وقد لامسوا القنبلة النووية، وأن يرفضوا أي محاولة للالتفاف حول الترسانة الصاروخية للمقاومة في لبنان، لأننا نرفض أن نكون حانوتاً أو حانة للحاخامات…

لكننا، وبمنتهى الصراحة (التي لا يتحملها الكثيرون )، لا نتوقع في حال من الأحوال أن تنهال الصواريخ الايرانية على تل ابيب، أو على النقب، لأننا ندرك، ويدرك آيات الله، مدى التداعيات النووية لذلك.

كلبنانيين، تكفينا، وبالصوت العالي، معادلة توازن الرعب التي زعزعت حتى عظام ملوك التوراة، وألاّ يستخدم بلدنا ورقة في سوق الأمم، وفي سوق القبائل…

لن ندخل في صفقة القرن، وقد حطمنا مقولة دنيس روس «من لا مكان له في صفقة القرن لا مكان له في القرن». نحن مع مفاوضات فيينا، ومع العودة الى الاتفاق النووي، وان اضطرينا الى مراقصة الشيطان، كما لو أننا لا نراقص على أرضنا من هم أسوأ بكثير من الشيطان. ألم يدفع بنا أولياء أمرنا الذين نفديهم، بصراخنا، بالروح وبالدم، الى أقاصي الجحيم؟

كعرب، ومنذ قرون، الجميع ذئاب الجميع (الجميع شياطين الجميع). كلبنانيين ايضاً. ألا نتراشق بالحجارة، وحتى بالخناجر، ونحن فوق كل هذا الخراب. لولا الشيطان الذي فينا لما كان هناك مكان للشيطان أياً كان الوجه الذي يرتديه الشيطان …

Exit mobile version