شوقي عواضة-البناء
في ظلّ الأزمة القائمة بين لبنان ونظام آل سعود كثر الحديث عن إخراج لبنان من الحضن العربي، وبالتالي فإنّ ذلك سينعكس سلباً على لبنان ولربما يعزله عربيّاً لا سيّما في ظلّ تضامن دول مجلس التعاون الخليجي مع نظام آل سعود الذي لا يزال يصرّ على التّصعيد في حال لم تستجب الحكومة لشروطه، وفي مقدّمتها استقالة أو إقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، وبالتالي فإنّ ذلك سيؤدّي إلى تحميل لبنان أزمات اقتصاديّة تضاف إلى العقوبات الأميركية.
وانطلاقاً من ذلك انبرت أبواق النظام السّعودي وأدواته في شنّ حملة ترهيبٍ وتحذير من عقبات إخراج لبنان من (الحضن العربي) وفقاً لمخططٍ متقنٍ ومدروسٍ شمل ما يلي:
1 ـ إطلاق حملةٍ إعلاميّةٍ تهويلية تحمّل الوزير قرداحي والقوى الوطنيّة وفي مقدّمتها حزب الله وتشويه صورة المقاومة وتحميلها مسؤوليّة ما آلت إليه الأوضاع في لبنان والإيحاء بأنّ لبنان لن يعيش بدون السّعودية.
2 ـ التغطية على ما يجري من عمليّة التسريع في التّطبيع السعودي «الإسرائيلي» من خلال تضخيم الأزمة اللبنانيّة السعوديّة بالتزامن مع إطلاق الحملة الإعلاميّة التّرويجيّة للتّطبيع على مواقع التواصل وبعض الأبواق السعوديّة لتقديم التّطبيع كحلٍّ وحيدٍ لكلّ مشاكل لبنان.
3 ـ إشغال الإعلام بالأزمة اللبنانيّة لتخفيف وطأة الهزيمة السّعودية في اليمن.
4 ـ محاولة السّعودية اليائسة لتحسين شروطها بعد تعثّر مفاوضات فيينا وتوقّف المفاوضات بين السّعودية وإيران ومطالبة السّعودية بسحب كلّ (الميليشيات الإيرانيّة) من اليمن والعراق وسورية ولبنان كشرطٍ أساسيٍّ لاستئنافها.
يتضح من ذلك مدى التعنّت في الموقف السّعودي وعنجهيته بحقّ الدّول التي تمارس حقّها في سيادتها، ما هي إلا نتيجة هزائمَ متراكمةٍ تتالت عليه منذ قيام ما يسمّى بالربيع العربيّ في كلّ من سورية والعراق وتونس وليبيا واليمن والبحرين حيث لم يتلاءم ربيعهم مع ربيع الرّياض كون دمشق وبغداد وصنعاء والمنامة حلّقوا في سرب الربيع المقاوم ممّا استدعى تشكيل التحالفات وشنّ حربٍ كونيّةٍ على اليمن وإرسال قوّات درع الخليج إلى البحرين وشنّ عدوانٍ على دمشق وبغداد من خلال دعم مشروع الإرهاب المتمثّل بداعش وغيرها المدعوم سعوديّاً. لذا كان لا بدّ للنّظام السّعودي من محاولة إنجاز أيّ انتصارٍ ولو وهمي بعد سلسلة الهزائم التي مني بها في المنطقة ومن خلفه الأميركي. ولربّما وجد ضالته في لبنان ضمن حساباته الخاطئة باختلاق الأزمات من أزمته مع قطر واستعلائه على الفلسطينيين حين شنّ حملةً لطردهم من المملكة ومصادرة أملاكهم وطرد اليمنيين أيضاً ومحاولة إذلالهم ومنع السوريين من الحجيج وارتكاب مجازر بحقّ الحجّاج الإيرانيين في فتراتٍ لاحقةٍ كلّ تلك السياسات تؤشّر إلى مدى عنجهية هذا النظام الذي تحوّل إلى نظامٍ داعشي يريد فرض سياسة المنشار على نطاق أوسع. وما الحديث عن عروبته إلّا كلامٌ إنشائيٌّ، فمنذ نشأته لم يكن له صلةٌ لا بالعروبة والعرب ولا بالإسلام والمسلمين، وما كشف عنه ناصر السعيد مؤلّف كتاب «تاريخ آل سعود» الذي أثبت بالوثائق أنّ آل سعود هم يهود ويعود أصلهم إلى مردخاي بن إبراهام بن موشي، مثبتاً حقيقة تجلّت في مسلكيتهم السياسيّة، فمن المؤسّس إلى ولي العهد الحالي أثبتوا تآمرهم على العرب والمسلمين، وهو أمر تؤكده وثائق من الأرشيف البريطاني والأرشيف العبري توضح علاقة عبد العزيز بالحركة الصّهيونية والتي تقول إنّ مؤسّس المملكة السّعودية دخل في مفاوضات سريّة لبيع فلسطين مقابل 20 مليون جنيه وفقاً لاقتراح الأكاديمي والمتخصّص في الشّؤون العربية هاري سانت جون فيلي، حيث جرت أولى المفاوضات السّرية بين عبد العزيز ومستشاره جون فيليبي من جهةٍ، وبين وحاييم وايزمان رئيس الوكالة اليهودية في فلسطين آنذاك والكولونيل هوسكنس المبعوث الخاص للرّئيس الأميركي روزفلت إلى الشرق الأوسط. ودون الغوص في التفاصيل التاريخيّة يمكن العودة إلى كتاب تاريخ آل سعود والوثائق البريطانيّة حول موافقة عبد العزيز على إعطاء فلسطين إلى اليهود المساكين وغيرها من الوثائق التي تثبت تآمر آل سعود على العرب والمسلمين بل على الإنسانيّة جمعاء.
أمّا عروبة المملكة التي تتسابق بعض الأبواق والمرتزقة من كتبة البلاط الملكي ومتملقيه لتسويقها وإعادة لبنان إلى حضنها فلا بدّ من تذكيرهم بحقائق تاريخية معاصرة تقول إنّ فلسطين هي معيار العروبة وبوصلتها الأولى وكلّ من يتوه عنها هو اعرابي بل صهيونيٌّ مستعربٌ، وهذا هو حال نظام آل سعود وأنظمة المطبعين.
أمّا لبنان فهو الذي عمّد عروبته بالدّم والتضحيات على طريق فلسطين، وسجل انتصاراً تاريخيّاً على الجيش الذي كان يراه الأعراب بأنّه لا يُقهر، فتمّ دحره على أيدي المقاومين الشّرفاء، بعروبة عمر المختار وسلطان باشا الأطرش وأدهم خنجر وجمال عبد الناصر التي هي نقيض ما تدّعون من عروبةٍ زائفةٍ مغلّفةٍ بصهينة تمّ وشمها بأحذية المقاومين الشّرفاء وأقدام المقاومين الحفاة من اليمن إلى فلسطين. فارحلوا عنا واحملوا عروبتكم المطبعة مع العدو التي لا تشرّفنا ولملموا خيباتكم من بيروت الى دمشق وبغداد. وامسحوا عاركم في اليمن ولا تدّعوا أنكم عرب بل كنتم وستبقون أعراباً ومستعربين.