بواقعية تامة تتعامل قيادة التيار الوطني الحر في الآونة الأخيرة مع الإستحقاقات الإنتخابية الطالبية والنقابية. هي تدرك تماماً أن التيار هو الأكثر تضرراً شعبياً بين الأحزاب والتيارات من تداعيات إنتفاضة “17 تشرين” وما تبعها من إنهيار مالي وإقتصادي، لذلك تدرس خطواتها الإنتخابية بدقة وموضوعية لا سيما في النقابات والجامعية. همّ القيادة البرتقالية الأول والأخير هو عدم تلقي المزيد من الخسارات قبل الإنتخابات النيابية، وتركيز الجهود التنظيمية على إعادة بناء ما تصدّع أكان داخل حزب التيار الوطني الحر أم خارجه على صعيد المؤيدين والكتلة الناخبة.

هذه الدقة والموضوعية تتمظهر بشكل واضح وصريح في إنتخابات نقابة المحامين في بيروت المقررة في الواحد والعشرين من تشرين الثاني الجاري لإنتخاب نقيب وتسعة أعضاء في مجلس النقابة.

في الترشيحات الحالية، هناك ثلاثة مرشحين محسوبين على التيار، فادي بركات المرشح الى مركز النقيب، وزاهر عازوري وايلي بازرلي المرشحان الى عضوية مجلس النقابة. بركات حزبي مناضل من الرعيل العوني الأول، وسبق أن تم توقيفه في أحداث السابع من آب 2001، كما فاز لأكثر من مرة بعضوية مجلس النقابة، أما بازرلي وعازوري فمحسوبان على التيار وسبق لهما أيضاً أن فازا بعضوية مجلس النقابة بدعم من التيار.

حتى اليوم، لم يتخذ رئيس التيار النائب جبران باسيل قراره بالمشاركة ترشيحاً في العملية الإنتخابية، لا بل يميل الى عدم المشاركة، وقد عبّر عن رأيه هذا في أكثر من إجتماع مع هيئة محامي التيار. المشكلة كل المشكلة أن بركات مصرّ على ترشيحه وقد أبلغ قيادة التيار موقفه مؤكداً على إستمراره بالمعركة حتى لو لم يحظ بدعم حزبي من التيار.

إذا دعمت قيادة التيار بركات يكون قد جرّها الى معركة لا تريد خوضها، ونتيجة فوزه بها لن تكون مضمونةً في إنتخابات يترشح فيها تسعة محامين على مركز النقيب و30 على عضوية النقابة، وإذا تخلت قيادة التيار عن بركات وتركته وحيداً في المعركة، سيخوضها منفرداً وستكون حظوظ فوزه شبه معدومة، وحتى إذا نأت قيادة التيار بنفسها عن المعركة وخسر بركات، سيصوّر خصوم التيار خسارة بركات، خسارةً للتيار الوطني الحر وللنائب باسيل.

المشاورات في ميرنا الشالوحي لا تزال مستمرة، وقد عقد إجتماع بين باسيل وبركات عبّر فيه الرجلان عن وجهتي نظرهما من إنتخابات النقابة، ولكن بحسب المصادر المتابعة، لم يحسم باسيل لبركات قراره لناحية عدم دخول التيار في المعركة، وهذا ما جعل الأخير يتمسك ببصيص أمل بعدم التخلي عنه. وفي هذا السياق، تعتبر أوساط هيئة المحامين في التيار أن باسيل يجب أن يصارح بركات بسرعة بقرار عدم خوض المعركة بإسم التيار علّ ذلك يدفعه بإتجاه الإنسحاب من الإنتخابات.

أكثر ما يزعج القاعدة البرتقالية في نقابة المحامين هو ما وصلت اليه الأمور، كيف لا، والكتلة الناخبة العونية كانت لسنوات وسنوات الأكبر داخل النقابة والأكثر تأثيراً وقدرة على تجيير الأصوات، وقد يكون قرار عدم المشاركة الذي يميل باسيل الى إتخاذه الأقرب الى ما تريده القاعدة اليوم.

المرحلة ليست مرحلة التيار لا سيما في السنة الأخيرة من العهد، وهذا ما تعرفه جيداً قيادة التيار وعلى القاعدة العونية أن تقتنع به أيضاً.