محمد بلوط-الديار
حتى الآن، هناك شكوك في اجراء الانتخابات النيابية خلال المهلة الدستورية لها. ويعزز هذه الشكوك الطعن الذي ينوي التيار الوطني الحر تقديمه الى المجلس الدستوري في قانون الانتخابات الذي صدر معدلا منذ ايام ونشر في الجريدة الرسمية بعد اقراره في مجلس النواب مؤخرا.
واذا ما اخذ المجلس الدستور بطعن التيار فان ذلك من شأنه ان يؤخر الانتخابات، ويطرح علامات استفهام جدية حول اجرائها في الربيع المقبل.
ويتهم الخصوم التيار بانه يلجأ الى خطوته هذه كوسيلة يعوّل عليها من اجل الهروب من الاستحقاق الانتخابي لتفادي هزيمة محتملة قد تؤدي الى تقليص كتلته النيابية الكبرى الى ما يقارب النصف.
لكن «الوطني الحر» ينفي مثل هذه الاتهامات مؤكدا ان هناك اسبابا وعناصر حقيقية وجدية للطعن الذي يزمع تقديمه قبل 20 الجاري. ويلفت الى ان كل الاطراف لا تضمن النتائج التي ستنجم عن الاتنخابات بعد التطورات التي عصفت وتعصف في البلاد منذ اندلاع الانتفاضة في 17 تشرين.
ويحرص ايضا على التأكيد ان رصيده الشعبي ما زال جيدا، وهو قادر على خوض الانتخابات في كل المناطق بجهوزية، مقللا من نسبة خسارته التي يعترف بعض اوساطه انها ستكون «محدودة وغير مؤثرة».
وفي المقابل يرى الفريق الخصم ان تعامل التيار مع قانون الانتخاب في جلسات مجلس النواب، بالاضافة الى تعاطيه بصورة عامة مع الاستحقاق الانتخابي والتشديد على تأخيره يطرح علامات استفهام جدية حول موقفه الحقيقي من هذا الاستحقاق.
وتضيف مصادر الفريق المذكور ان حسابات رئيس التيار جبران باسيل تجاه الانتخابات النيابية تنطلق من حساباته الشخصية بشأن طموحه الرئاسي رغم تراجع حظوظه الى الحضيض في الرهان على الاستمرار في قطار معركة رئاسة الجمهورية المقبلة.
وترى ان باسيل فقد كل امل في الوصول الى كرسي الرئاسة وانه ربما بات يأمل في التمديد للواقع الحالي نيابيا ورئاسيا، الامر الذي يعزز الاعتقاد بان التيار يراهن على تأخير او تأجيل الانتخابات، وبغض النظر عن الحسابات الانتخابية وما سيحدثه طعن التيار في قانون الانتخاب المعدل، اذا ما اخذ المجلس الدستوري به، من ارباك او تأخير في موعد هذا الاستحقتق فأن تأكيد او عدم تأكيد اجراء الانتخابات في الربيع المقبل امر غير محسوم كليا في الوقت الراهن، وهناك حسابات وتقديرات تصب في خانة خيار دون آخر.
ويوضح مصدر نيابي بارز حصول الانتخابات في موعدها رغم كل المعوقات التي تظهر او يمكن ان تحصل، لافتا الى ان عناصر داخلية وخارجية مهمة تعزز هذا التوجه منها:
1- ان اغلبيىة القوى السياسية والحزبية تؤيد اجراء الانتخابات في موعدها انطلاقا من حساباتها ومصلحتها لاعتقادها بانها لن تتأثر سلبا بنتائجها، بل ان البعض يعوّل عليها في تحسين وضعه ورصيده النيابي.
فالثنائي الشيعي، رغم كل ما جرى منذ 17 تشرين، مطمئن الى وضعه في تحقيق فوز مماثل للذي حققه في الانتخابات السابقة، ويبدو انه على يقين انه لن يواجه منافسة ملحوظة في الدوائر التي يوجد فيها.
اما «القوات اللبنانية» فانها تبدي حماسا لاجراء الانتخابات في اذار المقبل لاعتقادها بان الميزان الشعبي في الشارع المسيحي يميل الى مصلحتها بشكل واضح خصوصا في ضوء التطورات الاخيرة التي عززت حضورها على وقع الخطاب الشعبوي الذي اعتمدته وتعتمده.
وتأمل القوات في ان تضاعف رصيدها النيابي وتحقق في الانتخابات نجاحا قويا يجعل كتلتها الكتلة المسيحية الاكبر في البرلمان المقبل.
لكن مصادر التيار ترى ان حسابات القوات اللبنانية في غير محلها، لافتة الى ان هناك مبالغة كبيرة في تقديراتها غير المبنية على احصاءات ومسوحات جدية في الدوائر ذات الثقل المسيحي او تلك الدوائر المختلطة.
ورغم مآخذه المستمرة على قانون الانتخاب فان الحزب التقدمي الاشتراكي مطمئن نسبيا الى النتائج المتوقعة للانتخابات خصوصا ان الجبل لم يشهد تغييرات في موازين القوى الدرزية. ويركز الاهتمام على مراقبة ومتابعة الفريق الثالث المتمثل بمجموعات المجتمع المدني التي تنشط لاحداث خرق في الجبل.
ويبدو المشهد على صعيد الشارع السني غامضا نسبيا خصوصا في ظل الارباك الحاصل لدى تيار المستقبل بسبب تأخر الرئيس سعد الحريري في حسم امره، وعدم اعطائه الضوء الاخضر لتياره للمباشرة بشكل عملي وجاد في الحملة الانتخابية او التحضيرات للاستحقاق المقبل.
ووفقا لمصادر مطلعة فان الرئيس الحريري ابلغ بعض اركان تياره ونواب كتلته انه سيتخذ القرار المناسب في غضون اسابيع قليلة، ونقل عنه قوله «طولوا بالكم».
وتضيف انه قد يعطي اشارة ما في غضون الايام المقبلة، لكن شيئا من هذا القبيل لم يتأكد حتى الان.
وبرأي المصادر ان اجواء الحديث القليل الذي جرى بينه وبين بعض المقربين في الاونة الاخيرة لا تؤكد او تنفي رغبة الحريري في المشاركة بالاستحقاق الانتخابي، مشيرة الى ان لديه حسابات واسبابا شخصية وسياسية تجعله يتريث في حسم امره.
وتقول المصادر ان الاعتقاد السائد حتى الان، رغم كل ما يحيط بالرئيىس الحريري، هو انه من الصعب تصور حصول انتخابات خصوصا في الشارع السنّي من دون مشاركة تيار المستقبل.
ويشير مصدر نيابي في المستقبل الى ان القرار الحاسم لم يتخذ بعد، لكن من المستبعد انكفاء تيار المستقبل عن هذا الاستحقاق الاساسي. ويلفت الى ان هناك تحضيرات محدودة تجري على مستوى عمل المكاتب والمسح وغير ذلك من الخطوات الاولية الواجب حصولها قبل الدخول في التحضيرات العملانية والجدية للانتخابات المقبل.
اما على صعيد التحالفات فيرى المصدر انها ستكون كما بالنسبة للاطراف الاخرى على اساس المصالح الانتخابية شرط الا تتعارض مع التوجهات والثوابت السياسية.
ويبدو ان المشهد الانتخابي الشمالي خصوصا بالنسبة لتيار المردة سيتكرر في الانتخابات المقبلة ويسعى سليمان فرنجيه الى تحصين الوضع الشعبي له في مناطق نفوذه في زغرتا واهدن والمحيط، وتحسين حضوره في الكورة من خلال نسج تحالفات جديدة في هذه الدائرة.
كذلك يركز اهتمامه ايضا على تحالفه مع النائب فريد الخازن في كسروان سعيا الى اعادة تكوين كتلة نيابية وازنة.
2- بروز فريق ثالث يتمثل بمجموعات المجتمع المدني التي تسعى الى توحيد صفوفها لخوض الانتخابات بلوائح مشتركة معوّلة على الرصيد الذي جمعته منذ 17 تشرين وعلى الدعم الذي تحظى به من جهات خارجية لا سيما الادارة الاميركية.
لكن هذه المجموعات لم تصل الى مستوى توحيد لوائحها فهناك خلافات بين صفوفها بحيث يتوقع ان تذهب الى الانتخابات بأكثر من لائحة وعلى سبيل المثال يسعى حزب الكتائب الى التحالف مع مجموعات معينة بينما يبدو ان مجموعات اخرى معارضة لهذا التحالف وتفضل تشكيل لوائح اخرى منافسة.
3- والى جانب العوامل الداخلية التي تعزز خيار اجراء الانتخابات يبدو ان هناك عاملا خارجيا قويا يدعم هذا الخيار، ويتمثل بسعي وتشديد الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا على اهمية تحقيق هذا الاستحقاق للاعتقاد بأنه سيحمل تغييرا سياسيا في ظل ما احدثته انتفاضة 17 تشرين ويحظى هذا التوجه بدعم اوروبي وعربي ملحوظ، ما يعطي انطباعا ان هناك ضغطا دوليا قويا لاجراء الانتخابات في موعدها.
اما العوامل التي يمكن ان تؤثر وتؤدي الى تأخير او تأجيل الانتخابات فهي الى جانب سيف الطعن الذي يشهره التيار الوطني الحر تتمثل بالاوضاع والتطورات التي يمكن ان تحصل على الارض في ظل الاحداث والتوترات التي اخذت تتفاقم على الساحة والتي تجعل لبنان ساحة مفتوحة للمفاجآت في الاشهر التي تسبق الربيع المقبل.