يُتابع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الملفات الوطنية الكبرى، ويحاول ملء الفراغ الذي تُسبّبه “الخفّة” في تعاطي المسؤولين مع مصالح الشعب.
يحتلّ ملف إعادة تصحيح العلاقات اللبنانية – الخليجية الأولوية عند البطريركية المارونية، وينشط البطريرك الراعي على خطّ الإتصالات كي لا تُضرَب مصالح اللبنانيين في الخليج ويدخل لبنان في عزلة عربية ودولية.
ولا يغيب عن بال بكركي ملفّ تفجير المرفأ وأحداث الطيونة وعين الرمانة، إذ إنه لا يمكن السكوت عن طمس الحقيقة في جريمة 4 آب والتعامل باستنسابية مع أهالي عين الرمانة بعد الغزوة التي نُفّذت ضدهم في 14 تشرين الأول الماضي.
ووسط كل هذه الأجواء الوطنية الملبّدة، يبرز حديث عن محاولة لجمع الأقطاب الموارنة، وهذه المحاولة كشف عنها النائب فريد هيكل الخازن منذ مدّة بعد زيارة له إلى بكركي بعد غزوة الطيونة، لتبريد الأجواء على الساحة المسيحية بعد طول احتقان.
لكن مثل هكذا دعوة تواجه عقبات كثيرة، أولاها عقبة أمنية بامتياز، إذ إن رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع يأخذ أعلى درجات الحيطة والحذر خصوصاً بعد أحداث عين الرمانة ومع إرتفاع منسوب التهديدات العلنية من “حزب الله” تجاهه والحديث عن الأخذ بالثأر.
أما العقبة الثانية فهي سياسية بامتياز، فرئيس حزب “الكتائب اللبنانية” سامي الجميل يحاول أن يُغرّد خارج سرب الإصطفافات، في حين أن رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل يجمعهما العداء المطلق على رغم أنهما في خط الممانعة ومرجعيتهما واحدة وموجودة في الضاحية ودمشق وطهران.
بعد انتخاب البطريرك الراعي وتسلّمه سدّة البطريركية المارونية في 25 آذار 2011، عمل الراعي على توحيد الصفّ المسيحي، وأنشأ لجاناً تختص بقانون الإنتخاب وبيع أراضي المسيحيين وأخرى مختصة بالديموغرافيا والإنتشار، وأتى من بعدها لقاء الأقطاب الموارنة الأربعة الذي ضمّ حينها إضافة إلى جعجع وفرنجية، الرئيس أمين الجميل والعماد ميشال عون.
أما اليوم فإن الرئيس الجميل سلّم دفّة حزب “الكتائب” إلى نجله سامي، وعون منح دفّة قيادة “التيار” إلى باسيل، لذلك فإن ما من إطار أو قاعدة لتحديد من هم الأقطاب الموارنة المؤهلون للإجتماع تحت عباءة البطريرك.
ومن جهة ثانية، فإن مستوى الخلاف في البلد يجعل من هكذا لقاء بدون فائدة، خصوصاً أنّ المشهد الوطني وليس المسيحي فقط منقسم بين خطّ “حزب الله” وإيران والمدعوم من باسيل وفرنجية، وبين خطّ إستعادة الدولة والعمل على الحياد والذي يقوده الدكتور جعجع ومعه الأحزاب المسيحية السيادية.
عندما طرح البطريرك مبدأ الحياد وإستعادة الشرعية والمؤتمر الدولي الخاص بلبنان، بادر “حزب الله” إلى شنّ حملة على البطريركية المارونية ولا تزال هذه الحملة مستمرّة حتى وقتنا هذا وذهبت إلى حدّ إعتبار أن البطريرك “صهيوني”، في حين أن بعض الأطراف المسيحية وعلى رأسها فرنجية وباسيل لم يُساندا البطريرك في مطالبه الوطنية، لا بل يعملان عكسها وخصوصاً لناحية تغطيتهما سلاح “حزب الله” وضرب الشرعية، وبالتالي بات واضحاً أن المشكلة ليست بين الأطراف المسيحية السياسية فقط بل بين بعض الأطراف المسيحية والمسلمة التي تؤيّد “الدويلة” وبين نهج الدولة والحياد الذي يقوده البطريرك الراعي وذلك لإنقاذ هيكل الدولة، وسط تخوّف بكركي من مخطّط يقود إلى هذا السيناريو الجهنّمي.
من هنا، فإن المسألة ليست في الخلاف العقائدي المندلع بين حزبي “القوات” و”الكتائب” من جهة وبين تياري “المردة” و”الوطني الحرّ” من جهة أخرى، بل في الجدوى السياسية الآتية من مثل هكذا إجتماع، خصوصاً ان باسيل وفرنجية، “من أبرز ملائكة “حزب الله” الحاضرين في أي اجتماع ماروني أو مسيحي”، ليسا مع طروحات الراعي الحيادية الإنقاذية، فكيف يمكن إقناعهما بالتلاقي مع جعجع والجميل إذا كانا غير مقتنعين بطرح بكركي أولاً، وهدف كل منهما الرئيسي إسترضاء “حزب الله” والاحتماء بجناحيه وسلاحه غير الشرعي للوصول إلى الرئاسة؟