تتخبط السعودية بأزمة سياسية ودبلوماسية حرجة، فهي تحاول بشتى الوسائل الحفاظ على ماء الوجه في اليمن بعد فشل تدخلها العسكري، وبعد اهتزاز صورتها بحكم تحدّي قطر لها في الخليج، اضافة الى خسارة الساحة العراقيّة ناهيك عن المشكلة الاعظم وهي التوتر القائم مع الادارة الاميركية الحالية. ازاء هذا الوضع، وجدت الرياض في لبنان الحلقة الاضعف لتمارس قوّتها فيه، انما على الصعيد الاقتصادي والمالي، فقطعت اوراقها الدبلوماسيّة معه واطلقت برنامج خطوات تصعيديّة اقتصاديّة وماليّة، حتى اذا ما اكتملت هذه الخطوة نصبح امام الخطوة الأخيرة من “اعلان الحرب”، وهو ما لن يحصل بطبيعة الحال. الغريب في الامر، ليس ان السعودية “تعاقب” لبنان على انه “أداة لايران” كما تقول، بل لانها تستطيع معاقبته وهو الذي يمرّ بأسوأ وضع اقتصادي في تاريخه، وهي تعلم انه ما من حسيب او رقيب سيطالها، ولو كان لبنان “محميّة” اميركية او تابع لاحدى الدول الكبرى، لما تجرّأت السعودية وغيرها من الدول العربية اتخاذ اي خطوة ضده بهذا الحجم وفي هذا الظرف بالذات. على خط آخر، تتعامل الرياض بكل رحابة صدر مع دول عربية وتحديداً خليجيّة فتحت خطوطها مع اسرائيل، وهي، وفق ما يتمّ نشره من مقالات واخبار وتحليلات غربيّة، باتت في مراحل متقدمة من الانفتاح عليها ايضاً. وهنا، لا بد من التساؤل: هل باتت اسرائيل اقرب الى السعودية من بيروت؟ اين المواثيق وروابط الاخوّة والوحدة العربيّة؟ اين مواثيق الجامعة العربيّة وبنودها؟ قد يقول قائل ان لبنان هو الذي خرج عن الوحدة العربية وهاجم السعودية، ولكن، الا يجب على هذا القائل نفسه ان يسأل اين كانت طوال هذه السنوات وماذا فعلت للحدّ من “سيطرة” ايران عليه وفق ما تقوله الرياض؟ من الذي شجّع على اتفاقالطائف واستضافه ولعب دور الراعي الاقليمي له، ومن سلّم بضرورة تولّي سوريا الوصاية على لبنان طوال سنوات وسنوات، ومن الذي كان يعقد الاتفاقات ويتولّى “المونة” على اللبنانيين ليسيروا بالتحالفات والتسويات التي كانت السعوديّة طرفا اساسياً فيها؟ ومن الذي عاد ودخل بتسوية مع سوريا عرفت في حينه بتسوية س-س لاعادة تقسيم النفوذ في لبنان، حيث كان للسعودية الحصة المهمة وكانت لاعباً رئيسياً على الساحة اللبنانيّة؟ هل ذنب اللبنانيين أنّ السعوديّة نفسها لم تحسن اللعبة الدبلوماسيّة لابقاء نفوذها على حاله في لبنان؟ لم تشرح ما الذي تغيّر في الآونة الاخيرة لتستفيق و”تزمجر” على لبنان المثقل حالياً بالازمات والمصائب. كانت الرياض سبباً رئيسياً طوال سنوات في وصول لبنان الى ما هو عليه اليوم، ولا يحقّ لها أن تدرك فجأة انها لم تعد تريد المشاركة في ما صنعته.
وعلى الرغم من كل ذلك، هل اصبحت اسرائيل تلك الدولة التي لا ترغب سوى بالخير والمحبة والسلام للجميع، وللعرب تحديداً؟ هل خطرها اقل بكثير من الخطر اللبناني (اذا كان هناك من خطر فعلي للبنان على السعودية)؟ لماذا لا تفرض عقوبات على دول قامت بالتطبيع مع اسرائيل واصبحت ممراً لها للوصول الى الحدود السعودية وربما الى داخلها ايضاً؟ ما الذي يمنع الرياض من الاقتداء بالعراق في الثمانينات واعلان الحرب على ايران وحشد الدول الخليجيّة الاخرى للوقوف الى جانبها في هذه الحرب، بدل “الاستقواء” على لبنان؟ ولو سلّمنا جدلا ان ما قاله وزير الاعلام جورج قرداحي حين كان اعلامياً وخارج التشكيلة الحكومية، هو بمثابة “خطيئة”، هل هذا فعلاً هو ردّ الفعل السعودي على كل من يتحدّى بلهجة مماثلة حولها، اكان اميركياً ام اوروبياً او عربياً؟ للتذكير فقط، تعاملت قطر حين فرضت الرياض حصاراً ليها، مع ايران انما بمباركة اميركيّة، وانتهى الامر بها الى التسليم بخسارتها الدبلوماسية واعادة العلاقات الى طبيعتها مع الدوحة. ليس لبنان باسرائيل، ولو كان كذلك، لكان ربما اقرب الى السعوديّة ولكانت تجنّبت ايذاءه بالمنحى الوحيد الذي يؤلمه بشدة حالياً… بانتظار فتح الابواب الاميركية امام الرياض.