على الرغم من التصعيد المستمر على محور الأزمة الدبلوماسية مع بعض الدول الخليجية، لم تظهر أي مبادرة جدية يمكن الرهان عليها للعمل على معالجتها، نظراً إلى أن الجميع يدرك أن السعودية ليست في وارد التراجع عن الحملة التي تقوم بها، على الأقل في الوقت الراهن، بل على العكس من ذلك هي في طور الذهاب بعيداً فيها، نظراً إلى قناعتها بأن أي تراجع سيفسّر على أساس أنّه هزيمة جديدة لها.
هذا الواقع، تؤكّد عليه المواقف التي تظهر في مختلف وسائل الإعلام السعوديّة أو تلك التي تدور في فلكها، حيث هناك تشديد على أنّ الأزمة أبعد من تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي، نظراً إلى أنّ المطلوب، بحسب ما يتم التداول، أن يحسم لبنان خياره إلى جانب هذا المحور أو ذاك.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر “النشرة”، إلى أن الإنقسام السياسي الحاد في لبنان لا يسمح له بهذا الحسم على المستوى الرسمي، نظراً إلى أن كل فريق له إرتباطاته الخارجية التي تحول دون ذلك، في حين أن المخرج المتبع كان بالذهاب إلى سياسة “النأي بالنفس”، المعتمدة منذ أيام حكومة نجيب ميقاتي الثانية التي ولدت بالتزامن مع إنفجار الأزمة السورية في العام 2011.
من وجهة نظر هذه المصادر، الواقع القائم على المستوى المحلي هو عبارة عن “ربط نزاع”، تمّ التعبير عنه بشكل واضح في توصيف العلاقة بين كل من “حزب الله” و”تيار المستقبل”، نظراً إلى أنّهما لا يستطيعا أن يفرضا وجهة نظرهما على الآخر، لكن الجديد هو أن هناك في الخارج من يريد أن يخرج لبنان من هذه الدائرة، عبر دعوة الأفرقاء اللبنانيين إلى تولي مهمة التصدّي لـ”حزب الله”.
هذا التوجه تعبر عنه بشكل حاسم المملكة العربية السعودية، بحسب ما تشير المصادر نفسها، التي وجدت أن الفرصة مناسبة للعمل على قلب موازين القوى، بسبب دخول المنطقة مرحلة حسّاسة جداً في ظلّ المفاوضات القائمة على أكثر من جبهة، وهو ما يفسر التصعيد القائم في مختلف الساحات المشتركة بين الرياض وطهران، من اليمن إلى العراق وصولاً إلى لبنان.
في قراءة المصادر السياسية المتابعة، هذا الواقع هو الذي يدفع إلى التوقّع بأنّ من الصعب الوصول إلى أيّ حل في وقت قريب، على اعتبار أنّ كل فريق يسعى، في المرحلة الحالية، إلى زيادة أوراق قوته، قبل الوصول إلى مرحلة التسويات، التي من المفترض أن تنطلق بعد حسم مسار المفاوضات الأميركيّة الإيرانيّة حول الإتفاق النووي.
وتلفت هذه المصادر إلى أنّ ما تقدّم يُفسر الموقف المتشدّد الذي ذهب إليه “حزب الله”، بعد الأزمة الدبلوماسيّة مع السعوديّة، حيث لم يوافق على تقديم أيّ تنازل، كطلب رئيس الحكومة إستقالة وزير الإعلام، لا بل ذهب بعيداً في إعتبار أنّ ما يحصل هو عدوان سعودي على لبنان، وأنّ المطلوب من الرياض أن تبادر هي لتقديم إعتذارها من بيروت لا العكس.
بناء على ذلك، تدعو المصادر نفسها إلى عدم الرهان على الدور الذي تقوم به جامعة الدول العربية، التي أرسلت وفداً إلى لبنان في بداية الاسبوع الحالي، على هذا الصعيد، خصوصاً أنها في الماضي لم تنجح في معالجة أيّ أزمة كبيرة من هذا النوع بين أيّ من الدول العربية، مع العلم أنّها اليوم أقرب إلى التوجّهات السعوديّة، وبالتالي لا تستطيع أن تلعب دور الوسيط، لا سيّما أنها كانت قد عمدت، في السنوات الماضية، إلى تصنيف “حزب الله” منظمة إرهابيّة.
في المحصّلة، الأزمة الراهنة أكبر من الساحة المحلّية ولا يمكن توقع معالجتها في وقت قريب، بل ان أقصى ما يمكن الرهان عليه هو ألاّ تقود في لحظة ما إلى إسقاط الحكومة الحاليّة، مع ما يعنيه ذلك من دخول البلاد في المجهول، في ظلّ الواقع الإقتصادي الصعب الذي تمرّ به من العام 2019.