حتى إشعار آخر، تعمل الحكومة بـ«المفرد». كل وزير يقوم بعمله في وزارته، ورئيس الحكومة يجتمع بمن يريد منهم، فرادى أو أكثر. ولكن لبنان من دون قرار دستوري وفق صيغة ما يصدر عن «مجلس الوزراء مجتمعاً»، لأن اجتماع الحكومة دونه شروط كبيرة. فبعد أزمة أداء المحقق العدلي في انفجار المرفأ طارق البيطار، جاءت مجزرة الطيونة لتزيد من تعقيد الموقف، قبل أن تحط على الجميع الأزمة التي افتعلتها السعودية ضد لبنان، وتريد من الحكومة علاجاً لها.
عملياً، ما فعله الرئيس نجيب ميقاتي منذ عودته من بريطانيا لم يتجاوز سقف الكلام. فعلياً، يدرك الجميع، وفي مقدمهم السعودية نفسها، أن الرئيس ميقاتي غير مرتاح إلى قرارات الرياض ولا إلى أسلوب تعاملها معه شخصياً أو مع حكومته. وهو خبر هذا الأمر منذ الحكومة الماضية حتى الحكومة الحالية وما بينهما. لكن الرئيس ميقاتي ليس من صنف الزعامات التي تتحمل مشكلة بهذا الحجم، لذا ينسحب إلى الخلف، ويطلب المساعدة من كل من يمكنه المساعدة.

في بيروت، هناك فريق سياسي يضمّ جماعة السعودية يريد من الحكومة إما الاستقالة أو إقالة وزير الإعلام جورج قرداحي وإعلان الحرب على المقاومة. وهذا الفريق لا يمتلك القدرات التي تجعله قادراً على قلب الطاولة.
مسيحياً، يرفع البطريرك الماروني بشارة الراعي، كما المطران الياس عودة، الصوت من أجل تضحية ما. لكن الرجلين ينسيان أن «المطلوب رأسه» لم يرتكب جرماً. يقر الراعي وعودة بذلك، لكنهما يقبلان التنازل أمام السعودية. ودرزياً، لا يعرف وليد جنبلاط كيف يتعامل مع الأزمة. فهو نفسه غير مقتنع بالاستراتيجية السعودية، لكن لا يمكنه مجاراة خصومها في لبنان. أما سنياً، فإن المواقف والتصريحات العالية السقف لا تنعكس حرارة تطالب بها السعودية كل شيخ أو رئيس حزب أو وزير أو نائب أو جمعية أو عشيرة. بينما يأخذ الرئيس نبيه بري مسافة من الحدث، لكنه لا يكسر التوافق الشيعي على رفض مطالب السعودية التعجيزية.
ما حصل حتى الآن هو الآتي:
– تكرار الرئيس ميقاتي محاولاته مع البطريرك الماروني ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية والوزير قرداحي لدفع الأخير إلى الاستقالة، وإزاء رفض ذلك، بحث في إمكانية انعقاد مجلس الوزراء للتصويت على الإقالة. لكنه ووجه برفض فرنجية وحزب الله بشكل رئيسي، وتحفظ من آخرين بينهم الرئيس بري وحتى الرئيس ميشال عون الذي يخشى انفجار الحكومة.
– محاولة جديدة من ميقاتي لتأمين نصاب لجلسة حكومية من خلال تواصله مباشرة مع عدد من الوزراء لسؤالهم عن التزامهم حضور أي جلسة يدعو إليها، ومن هؤلاء وزير الاتصالات جوني قرم، باعتباره من الكتلة نفسها التي اختارت قرداحي وزيراً. وكان قرم واضحاً في أنه لن يأخذ القرار بمفرده وعليه العودة إلى مرجعيته.

يعرف ميقاتي أن الاستقالة لن تصالحه مع السعودية ولن تغير من سياستها ضد لبنان

– حديث نادي رؤساء الحكومة السابقين بعضوية الوحيدَين: فؤاد السنيورة وتمام سلام عن ضرورة إقدام ميقاتي على خطوة ما. فيما لم تُسمع كلمة من الرئيس سعد الحريري الغارق في صمته السياسي. ويعرف ميقاتي أن سلام لا يغرّد منفرداً ولا يقبل قراراً من دون إجماع، كما أن ميقاتي، وإن كان يرفض الاعتراف بالرئيس حسان دياب، إلا أنه يعرف أن الأخير صار عضواً حكمياً في نادي رؤساء الحكومات السابقين كما هي الحال مع الرئيس سليم الحص. بالتالي، فإن هذه «المؤسسة» لا تفيد في جعل ميقاتي يقدم على خطوة بناء على ما يصدر عن السنيورة.
– تأكيد الولايات المتحدة وفرنسا وقطر والكويت أنه لا يمكن الحديث مع السعودية قبل قيام لبنان بمبادرة ما. وعندما اقترح ميقاتي على نظيره الكويتي أن يزور وزير الخارجية عبدالله بوحبيب الكويت طالباً وساطتها، على أن يعود مع نظيره الكويتي إلى لبنان، كان الجواب بأن الكويت غير قادرة على إقناع الرياض بأي حوار، وأنه يفترض تقديم «بادرة حسن نية» تتمثل في استقالة قرداحي أو إقالته.
– يعجز ميقاتي عن إقناع الثنائي الشيعي بالعودة إلى مجلس الوزراء من دون حل قضية المحقق العدلي فيما يطالبهما بقص رأس حليف لهما هو الوزير قرداحي ومرجعيته المتمثلة بفرنجية. فيما لا يجد رئيس الحكومة استقالته أمراً مناسباً، ليس فقط لأنه لا يقبل مقايضة موقعه بموقع وزير فحسب، بل لأنه، كما قرداحي، يعرف أن الاستقالة لن تفيد بشيء، ولن تصالحه مع السعودية، ولن تغير من سياستها ضد لبنان.