بريطانيا تحتاج لوقف الجماعات الإسلاموية التي تقوِّض سياسة مكافحة الإرهاب
مستشار منظمة “مسلمون ضد معاداة السامية”.
لا ينبغي أن تشكِّل وفاة النائب البريطاني السير ديفيد ، إثر ما يبدو أنه عملٌ إرهابي مستوحى من الإسلامويين، مفاجأة. ذلك أن المتطرفين الإسلامويين كانوا في مقدمة أسباب الوفيات المرتبطة بالإرهاب في المملكة المتحدة خلال العقدين الماضيين. وفي الواقع، كانت لدينا وفيات أعلى من المتوسط نتيجة للإرهاب الإسلاموي في عام 2005 وعام 2017 مقارنة بأي عامٍ آخر في هذه الفترة.
سيظل المتطرفون الإسلامويون موجودين مثلما سيظل الإرهابُ موجودًا. وفي حين أن التخلص منهم ومن الأفعال التي يقومون بها أمر غير واقعي، فإن إدارة هذا الخطر ليست كذلك. ولذلك، من الأهمية بمكان التصدي للجماعات الإسلاموية التي تسعى إلى تقويض استراتيجيات مكافحة الإرهاب، إذا أردنا أن يكون لدينا أي أمل في إحداث تأثير إيجابي.
يمكن للحكومة أن تقلِّل من التأثيرِ المحتمل للإرهاب بطرقٍ عدة، بما في ذلك إصدار التشريعات والعمليات الاستخباراتية، ومبادرات السياسة العامة. علاوةً على ذلك، كلما كانت هذه التدابيرُ أكثر قوة، زاد احتمال اتخاذ أجهزة إنفاذ القانون للإجراءات المناسبة في الوقتِ المناسب. ومن بين التدابير التي تسلّط الأضواء عليها حاليًا برنامج منع الإرهاب “بريفينت” (PREVENT) الذي بدأ في عام 2011، والذي يشكّل جزءًا من استراتيجية مكافحة الإرهاب المعروفة باسم “كونتيست” (CONTEST).
الهدف من برنامج بريفينت هو منع الناس من أن يصبحوا إرهابيين أو يدعموا الإرهاب. تُسند هذه المسؤولية إلى جهاتٍ ذات صفة قانونية مثل المدارس والجامعات ومختصي الرعاية الصحية. لكنها تواجه منذ بدء تطبيقها استقبالًا عدائيًا من جماعات المصالح التي يبدو أنها متعاطفة مع التطرف الإسلاموي أو المتطرفين الإسلامويين أنفسهم.
في هذا الصدد، ألقى تقرير صدر في عام 2017 عن “جمعية هنري جاكسون” الضوءَ على مدى محاولة الخطاب العدائي من المنظمات الإسلاموية تجاه برنامج بريفينت تقويض استراتيجية مكافحة التطرف، من خلال الادّعاء بأنها تستهدف المسلمين بصفة غير متناسبة، و”معادية للإسلام”.
ويذهب التقرير إلى أبعد من ذلك: فهو يذكر أن عددًا من الجماعات الإسلاموية متحالفة بشكل فضفاض مع بعضها البعض، وتستخدم الحجج نفسها على الرغم من دوافعها المتنافسة. ومع ذلك، فإن المصالح المشتركة بين الجماعات الإسلامية تدفعهم إلى العمل معًا ضد تدابير مكافحة الإرهاب، الأمر الذي قد يعرّض الجمهور للخطر.
يمكن أن تؤدي الاتهامات الباطلة بكراهية الإسلام أو العنصرية، أو الخوف من ذلك، إلى عواقب قاتلة. في عام 2017، فجّر سلمان عابدي، ناشط في تنظيم داعش، قنبلة في ملعب مانشستر ما أسفر عن مقتل 22 شخصًا، بينهم أطفال.
وكانت هذه واحدة من أكثر الحوادث الإرهابية دموية، من حيث عدد القتلى، التي شهدتها بريطانيا منذ عام 2005. أحد الأسباب التي حالت دون التصدي لعابدي، هو أن حارس الأمن -كايل لولر- كان يخشى أن يوصف بالعنصري إذا سلّط الضوء على شخص من أقلية عرقية يتصرف بشكلٍ مريب.
لقد وضع لولر في هذا الموقف الصعب ليس لأنه لم يكن يريد القيام بعمله، ولكن لأن الجماعات الإسلاموية تدفع منذ سنوات برواية مفادها أن كل مرة يتم فيها استجواب مسلم أو تسليط الضوء عليه لتورطه في شكل من أشكال التطرف -سواء كان ذلك صحيحًا أم لا- ستعتبر من قبيل العنصرية وكراهية الإسلام. هذه الاتهامات تغلُّ يد المهنيين عن القيام بواجباتهم بطريقةٍ مسؤولة. ومع ذلك، فليس حراس الأمن فقط هم الذين يجدون أنفسهم عالقين في هذه البيئة، بل يبدو أن الشيء نفسه ينطبق على أعضاء البرلمان أيضًا.
أما زارا سلطانة -النائبة عن حزب العمال عن منطقة جنوب كوفنتري- التي كانت تتحدث في قاعة وستمنستر حول النقاش حول كراهية الإسلام، فقد سلطت الضوءَ، واشتكت، من إحالة الطلاب إلى برنامج بريفنت بسبب دعم الفلسطينيين. ودعّمت ادّعاءَها هذا بالاستشهاد بمثالٍ لطالبٍ أحيل إلى البرنامج لأنه كان يرتدي شارة “فلسطين حرة”. ولكن، كما يتضح، تم فضح هذا الادّعاء على نطاقٍ واسع، ودعيت سلطانة لزيارة وزارة الداخلية لمعرفة المزيد عن البرنامج.
لا أحد بمنأى عن البيئة السامة التي تخلقها الجماعات الإسلاموية التي ما كانت تستطيع خلقها إلا في غياب التصدي الحازم لها. يتعين على الجالية المسلمة المتنوعة في المملكة المتحدة الوقوف في وجه الجماعات الإسلاموية، تمامًا كما يفعل عامة الناس، فالسماح لهذه الجماعات بمنصة دون تحدي لن يؤدي إلا إلى تشجيعها على تحقيق أهدافها، وإضعاف ثقة الجمهور في تدابير مكافحة الإرهاب.
ختامًا، يتعين على الحكومة البريطانية الآن أن تتخذ قرارًا: إما أن تسمح للجماعات الإسلاموية بالاستمرار في تقويض كل محاولة تبذلها الحكومة للحفاظ على سلامة الجمهور، أو أن تتخذ إجراءاتٍ صارمة ضدها ودعمها الواضح للتطرف الإسلاموي. لا شك أن إدارة خطر التطرف والإرهاب أمر صعب، ولكن المنظمات الإسلاموية تزيد من صعوبة هذه المهمة. لذا، وجب علينا التصدي لهذه الأخيرة إذا أردنا تحسين الأولى، وهذا يتطلب إرادة سياسية، ودعمًا من الجمهور.