رؤية 2030: خطة فشل مؤكد سيأخذ المملكة إلى المجهول

رؤية 2030

منذ كانون الثاني عام 2015 تاريخ تولي سلمان بن عبد العزيز الحكم في السعودية، والمملكة تشهد تغيرات جذرية هي الأولى في تاريخها، لم يكن سببها الرئيس في غالبية الأحيان، الملك نفسه، بل ابنه محمد الذي انتهز “ولاية العهد” عنوةً وأقصى والده ليتزعم إدارة البلاد في المرحلة القادمة ساعياً لتبوء أحد أهم مراكز الاقتصاد العالمي معتمداً في ذلك على “رؤية 2030” والتي يصفها خبراء اقتصاديون بأنها “منفصلة عن الواقع وستُدخل المملكة في المجهول”.

رؤية 2030: ركائزها على رمال متحركة

شهدت المملكة بين عامي 2014 و2015 أزمة حقيقية مع انهيار أسعار النفط، في بلاد وصل الانفاق فيها عام 2015 إلى 260 مليار دولار، بينما تمتلك اقتصاداً ريعياً يعتمد على القطاع النفطي بنسبة تقارب 90%، مع معدلات بطالة وصلت إلى أكثر من 12% يقابلها دخول مليوني شاب سعودي إلى سوق العمل سنوياً أي ان النسبة في ازدياد دائم ومطرد.

مقابل هذا الواقع ذهب ولي العهد إلى طرح هذا المشروع لإنقاذ الاقتصاد السعودي من الانهيار والذي يعتمد على “الابتعاد عن الاقتصاد النفطي والاعتماد على اقتصاد أكثر تنوعاً، والاهتمام بالقطاع الخاص واعداد البنى التحتية الجاذبة للاستثمارات الأجنبية”. تنشئ لأجل ذلك “صندوق استثمار سيادي” ضخم، ترتكز الرياض في تمويله على بيع 5% من أسهم أرامكو. فيما يرى خبراء اقتصاديون ان تمويل هذا الصندوق يحتاج إلى بيع حوالي 49% من أسهم أرامكو مع تحفظ عدد من المستثمرين الدوليين بعد الضربات التي تتلقاها من اليمن حيث أصبحت معرضة للقصف في أي وقت.

تحمل هذه الخطة نفسها أسباب فشلها، فالمملكة ببنيتها وتركيبتها الاقتصادية والإدارية والسياسية والثقافية، تحول دون نجاح هذه الرؤية.

البطالة وواقع الاقتصاد السعودي

يقدر معدل النمو السنوي للاقتصاد السعودي ما بين عامي 2003 و2013 أي طيلة 10 سنوات 0.8% فقط، رغم انفاقها تريليونات الدولارات على 5 خطط خمسية للتنمية الاقتصادية منذ عام 1970 إلى عام 2014، نتج عنها تحويل الميزانية السنوية للبلاد إلى ميزانية تعتمد بشكل أساسي على القطاع النفطي وفشلها في تحقيق النهضة الاقتصادية وتطبيق البنود التي خططت لها.

هذا ويبلغ معدل البطالة أكثر من 12%، مع انضمام حوالي مليوني شاب سعودي سنوياً إلى مئات الآلاف من العاطلين عن العمل في البلاد، والتي لا تملك إمكانية استيعاب هذا الكم من الطاقات، في ظل اقتصاد غير متكافئ، ما يجعل هذه النسبة طور التزايد لتصل إلى 22% في عام 2030. ورغم الجهود التي بذلت لمحاربة البطالة من خلال التشريعات والبرامج الإجرائية كتشجيع الشباب على العمل بمختلف مستوياته، واستبدال العمال الأجانب بآخرين سعوديين إلا ان ذلك لم ينجح حيث ازدادت معدلات البطالة إلى حوالي 4 درجات عما كانت عليه سنة 2000.

هذا الواقع الذي نتج عن عقود من الاقتصاد غير الديناميكي والريعي، لم يؤثر فقط على بنية المؤسسات الاقتصادية في الدولة بل أثر مباشرة على أداء الشباب السعودي الذي بات يتطلع بشكل دائم على حياة الرفاهية، الأمر الذي أفرز معضلة اجتماعية-اقتصادية في تأمين الكوادر التي ترتكز عليها رؤية 2030.

غياب الكوادر الشبابية والحاجة إلى مستثمرين

يبلغ حجم العمالة الأجنبية في السعودية خاصة في القطاع الخاص حوالي 80%، فيما يتوجه حوالي ثلثي المواطنين إلى القطاع العام ما يجعل 42% فقط من اجمالي القوة العاملة في المملكة من السعوديين.

يعود السبب في توجه الشاب السعودي إلى القطاع العام، إلى الرغبة في كسب فرصة عمل تؤمن له حياة الرخاء من راتب مغرٍ (يصل إلى أضعاف ما يتقاضه العامل الأجنبي في القطاع الخاص) وساعات عمل وجهد أقل مما هو في القطاع الخاص، الأمر الذي افسح المجال لملايين من الأجانب إلى اقتحام سوق العمل في البلاد. وهذا ما نتج عنه “حاضنة شعبية للبطالة في السعودية” فإما العمل بظروف خيالية أو الاعتماد على “المصروف”.

تعتمد رؤية 2030 على تفعيل عدد من الصناعات، مثل “المعادن والتعدين، التصنيع، البيتروكيماويات، الرعاية الصحية، الانشاءات، تجارة الجملة”، بغية تخفيف جزء من معدلات البطالة، فيما يواجه هذه الخطوة عدد من التحديات على رأسها حاجة هذه الصناعات إلى عمالة كثيفة فيما يتحفظ الشباب السعودي على القبول بمثل هذه الأعمال منخفضة الأجر والمردود.

كما تحتاج هذه المشاريع إلى بنية تحتية ممتازة لجلب المستثمرين الأمر الذي سيستهلك مبالغ كبيرة من الميزانية المخصصة دون حصول ضمانات بقدرتها على تحقيق العائدات المستدامة. وبينما يحتاج ذلك إلى عدد هائل من العاملين فإن السعوديون الممتنعون عن مثل هذه الأعمال سيحتاجون إلى مديرين واختصاصيين بأجور مرتفعة وامتيازات عدة لجلبهم إلى بيئة أعمال غير جاذبة.

كما أن البيروقراطية وغياب التخطيط والقوانين المرعية والمخصصة لتسهيل العمل الاستثماري وتنظيم الضرائب وعدم وجود بنى تحتية تكنولوجية ضخمة، إضافة لسياسة الابتزاز التي تنتهجها المملكة مع العمال القادمين إليها والتي تعلم أنها بحاجتهم أكثر من أي وقت مضى، حيث انها تستعملهم كورقة ضغط سياسية دائمة آخرهم كانوا العمال اليمينيين واللبنانيين. إضافة لخياراتها الخاطئة التي ورطتها في مستنقعات عدة من حرب اليمن وقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي، جعل الكثير من البلدان خياراً أكثر واقعية من خيار الاستثمار في السعودية.

 غياب الإصلاح السياسي

تعتمد المملكة على عقيدة عبد العزيز آل سعود “النفط والنزعة القبلية والدين”، حيث أصبحت الوهابية مرادفة للراديكالية، تخالف بشكل أساسي قضية الحداثة والمشاريع التنموية التي تعتمد على الانفتاح الذي يسعى إله محمد بن سلمان.

التفرد بالقرارات وعدم احترام حرية الرأي والتعبير التي وصلت إلى حد توحيد خطبة الجمعة في كل المملكة حيث يلجأ الدعاة إلى قراءة خطبة موحدة على آيباد. إضافة إلى اقصاء المعترضين بشتى الطرق والأساليب من وضع اليد على الأموال ومصادرة الثروة إلى الاعتقال والقتل ويبرز هنا قضيتان الصحفي جمال خاشقجي والثانية رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري.

توازياً مع ذلك، فإن الطريق إلى دولة الإنتاج، هو بالضرورة خلق اقتصاد معرفة، يتجاوز بالتالي النظام القائم على القبلية ما ينقض أهم الركائز التي تقوم عليها السعودية.

يمكن القول ان نجاح رؤية 2030 التي تتطلع إلى بناء اقتصاد عصري، على اعداد شعب أكثر انفتاحاً وأكثر قابلية لاكتساب المهارات والتفوق على النزعة القلبية التي تربّوا عليها، وهذا يعني تحويل مجتمعي ضخم، وقلب الطاولة على نظام اجتماعي كامل في وقت قصير أي ما يقل عن 14 عاماً وهذا أمر أشبه بالمستحيل.


الكاتب: غرفة التحرير

Exit mobile version