محمد بلوط- الديار
رئيس الحكومة : لـ «فكفكة العقد» مع الرياض بدءاً من استقالة قرداحي
الازمة الناجمة عن القرار السعودي واعلان القطيعة مع لبنان على خلفية تصريح قديم للوزير قرداحي حول اليمن لن تسلك الحلول بين ليلة وضحاها لانها ببساطة غير معلنة على هذا التصريح او على مبادرة الوزير الى تقديم استقالته باعتبار ان اقالته مسألة غير ميسرة وفق التوازنات التي تحكم مجلس الوزراء.
ولذلك فان الجهد الذي يبذل اليوم هو من اجل احتوائها وعدم تطورها وتوسع حجمها وآثارها، تمهيدا لمعالجة هادئة بعيدا عن التحديات والسجالات الساخنة التي من شأنها ان تصب الزيت على نار العلاقات اللبنانيةـ السعودية.
ويبدو ان الرئيس ميقاتي يركز على اعتماد هذا الاسلوب والنهج، آخذا بعين الاعتبار المزيد من الضغوط التي ستتعرض لها حكومته وهو شخصيا اذا ما كبرت الازمة مع المملكة وذهبت الامور الى مزيد من التدهور كما يسعى الى اعتماد سياسة تفكيك عقد الازمة مع السعودية عقدة عقدة لانه يدرك صعوبة حلها دفعة واحدة.
كما ان الرئيس عون اقرب الى هذا التوجه ايضا، لا سيما انه دعا منذ اندلاع الازمة الراهنة مع الرياض الى الحوار ومسأسسة العلاقات في اطار الانفتاح والحرص على افضل علاقات وتعاون بين البلدين.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل يستطيع الرئيس ميقاتي بمساندة من رئيس الجمهورية ايجاد مخرج لاحتواء او فرملة الازمة، تمهيدا لارساء حل يصوّب العلاقة مع الرياض ويحفظ في الوقت نفسه الحدّ الادنى من الاستقرار السياسي في البلاد او على الاقل بين الاطراف الداعمة والمشاركة في الحكومة؟
يقول مصدر سياسي مطلع ان الرئيس ميقاتي يأخذ بعين الاعتبار عناصر كثيرة في بناء موقفه من هذه الازمة، ولعل ابرز هذه العناصر ما يلي:
الغطاء الفرنسي – الاميركي واستتباعا الاوروبي لبقاء حكومته واستمرار عملها لاعتبارات عديدة ترى باريس وواشنطن منها، الحرص على ديمومة الحكومة للاشراف على الانتخابات النيابية في الربيع المقبل التي يعوّل عليها البلدان ،وبالاضافة الى ذلك فان تطيير الحكومة ستكون نتائجه
غير محسوبة اكان لجهة المحاذير بالذهاب الى فوضى عارمة في لبنان يرجح ان تنتقل تداعياتها الى الجوار، ام لجهة ترك الابواب مشرعة اكثر لتوجه لبنان شرقا.
ويحرص ميقاتي على مراعاة بل الالتزام بموقف واشنطن وباريس اللتين ساهمتا بشكل واضح في وصوله الى رئاسة الحكومة وتسهيل تشكيل حكومته.
ويشير المصدر ان رئيس الحكومة عندما فجرت الرياض موقفها الاخير بالقطيعة الديبلوماسية والاقتصادية مع لبنان لم يطرح على الاميركيين والفرنسيين فكرة الاستقالة، لكنه طلب منهم النصيحة والمساعدة، فكان جوابهم ان الحكومة يجب ان تبقى وان تستمر في عملها، وان الازمة مع السعودية تعالج بين البلدين في اطار البحث والحوار حول المخارج الممكنة دون المسّ بالحكومة.
وسمع ميقاتي هذا الكلام مجددا خلال لقائه الرئيس ماكرون ووزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن ومفاده «فتشوا على الحل خارج استقالة الحكومة».
ووعدت فرنسا في السعي لدى الرياض للمساعدة في حل هذه القضية لكن يبدو انها اصطدمت قبل ان تقدم على اي مسعى او تحرك بالموقف السعودي المتشدد الذي لا يتناسب بل يتجاوز حدود ازمة تصريح الوزير قرداحي.
2- بعد اللقاءات المكثفة التي اجراها على هامش مؤتمر المناخ مع رؤساء وامراء ورؤساء حكومات ومسؤولين عرب وغربيين تعزز الرأي لدى الرئيس ميقاتي ان المعالجة او الحل يجب سلوكه بشكل تدريجي.
وانه من المهم اتخاذ خطوة معينة من لبنان تجاه السعودية كبادرة ايجابية من اجل تخفيف حدة الاحتقان واعادة العلاقات بين البلدين على الاقل الى المربع الاول قبل نشوب الازمة الاخيرة.
ويشير المصدر السياسي المطلع الى ان ميقاتي يعتبر ان هذه الخطوة يمكن ان تترجم او تتجسد بان يقدم الوزير قرداحي استقالته، لذلك جدد بعد عودته الى بيروت امس ولقائه الرئيس عون (قبل زيارة الرئيس بري) دعوته لوزير الاعلام من اجل ان يبادر الى الاستقالة.
ويضيف المصدر ان ميقاتي يدرك بان استقالة قرداحي لن تحل الازمة اليوم مع المملكة، خصوصا في ضوء مواقفها المتكررة التي تكشف عن الاسباب الحقيقية وراء خطوتها الاخيرة. لكنه يعتقد ان هذه الاستقالة من شأنها ان تفرمل الازمة وتساعد على عدم الذهاب الى مزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين، كما انها تفتح الباب امام فتح جدار بين الدولتين بعيدا عن الاجواء المتشنجة والساخنة.
والسؤال، هل ان الافاق مفتوحة لتحقيق ما يطمح او يسعى له الرئيس ميقاتي؟
للاجابة على هذا السؤال يفترض الجواب على السؤال الذي طرحه الوزير قرداحي على البطريرك الماروني بشارة الراعي عندما طرح عليه فكرة الاستقالة.
وهو حل اذا ما قدم وزير الاعلام استقالته ستتراجع السعودية عن موقفها وقرارها؟ وكيف ستترجم تجاوبها مع هذه المبادرة رغم تأكيده في الوقت نفسه بانه لم يخطئ بتصريحه الذي سبق توزيره بوقت غير قصير.
وحسب الاجواء وما سجل حتى الان من مواقف ووقائع بعد اندلاع الازمة الاخيرة مع السعودية فان الرياض لا تحصر حل ازمة العلاقة بهذا التصريح وباثاره بقدر ما ترى فيه احدى محطات الازمة المتفاقمة مع لبنان بسبب ما تصفه بهيمنة حزب الله على الدولة والقرار اللبناني.
لذلك يعتقد المصدر السياسي ان الفرصة ضعيفة في نجاح فكرة استقالة قرداحي اكان على صعيد ضمان القبول والرضى السعودي بها، ام على صعيد مبادرة الوزير المعني الى هذه الخطوة من دون تأمين الضمانات السعودية.
وانطلاقا من هذه الاجواء يرى المصدر ان الحكومة باقية، وان اقدام وزير او اثنين على الاستقالة منها كما يسرب لن يحدث اي تأثير على استمرارها. فالقرار ببقائها يحظى بغطاء داخلي وخارجي قويين، لذلك فان الرئيس ميقاتي لا يضع في حسابه على الاقل في المدى القريب خيار الاستقالة.
اما فكرة التركيز على فتح الحوار المباشر بين الدولتين اللبنانية والسعودية لمعالجة الازمة القائمة والجوانب الاخرى المتعلقة بازمة العلاقة بين البلدين، فهي تصطدم بتشدد سعودي واضح، حيث تصر الرياض على وجوب مبادرة لبنان الى اتخاذ قرار صريح تجاه الاساءة التي تعرضت لها من تصريح الوزير قرداحي وان يبادر ايضا الى ما تصفه بتصحيح نهجه ومواقفه التي تعتبرها خارجة عن اطار سياسة النأي بالنفس.