محاربة التطرف في أوروبا ـ برامج الوقاية من التطرف.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الاستخبارات-ألمانيا و هولندا
بسمة فايد , باحثة بقضايا الإرهاب الدولي بالمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات-ألمانيا و هولندا
تعمل الحكومات الأوروبية على تبني استراتيجيات جديدة ، تهدف إلى الوقاية من الفكر المتطرف بأشكاله المختلفة، وذلك من خلال برامج وقائية وحملات تشمل إعادة التأهيل ومنع التطرف منذ بدايته. وتسعى حكومات الدول الأوروبية إلى تطوير برامج الوقاية من التطرف وتدريب العاملين في مختلف القطاعات والمؤسسات في مجال مكافحة التطرف.
برامج الوقاية من التطرف في ألمانيا -محاربة التطرف
بلغت ميزانية الوقاية من التطرف (162.5) مليون يورو في عام 2021. حيث حافظت ألمانيا في عام 2019 على تمويل برامج الوقاية التطرف وخصصت ما يبلغ (255) مليون دولار للبرامج التي تستهدف جميع أنواع الإرهاب، بما في ذلك (118) مليون دولار لاستراتيجية الوقاية من التطرف الإسلاموي وبرامج خاصة تتعلق بعودة المقاتلين الأجانب وعائلاتهم. يتم تمويل غالبية البرامج فيدراليًا، ويتم تنفيذها محليًا من خلال الولايات والمنظمات غير الحكومية. تركز البرامج على المجتمعات المحلية والمدارس ومراكز دمج اللاجئين مع إيلاء اهتمام خاص للوقاية وإزالة التطرف من خلال الإنترنت، ودمج اللاجئين، والسجون. هذه البرامج لها متطلبات تقييم إلزامية وقد بدأت المؤسسات البحثية المحلية في المشاركة في البحوث المتعلقة بمكافحة التطرف. وكانت قد أعلنت الحكومة الفيدرالية أنها ستواصل تمويلها لمنع “التطرف” في خطة موازنة 2020. وفيما يلي أبرز برامج الوقاية من التطرف في ألمانيا
برنامج لتوسيع الصلاحيات: عرضت مجموعة برلمانية داخل البرلمان الألماني في 9 نوفمبر 2020 برنامج مكون من (7) نقاط بوصفه وثيقة استراتيجية لمكافحة التطرف والإرهاب وأبرز ما جاء في وثيقة البرنامج هو توسيع نظام رقابة لمن يمثلون خطراً على الأمن توسيع نطاق صلاحيات التحقيق الخاصة بالأجهزة الأمنية – من بينها الهيئة الاتحادية لمكافحة الدستور إمكانية مراقبة مصادر الاتصالات كي يتسنى لها فك تشفير رسائل الماسنجر وتحديد هوية شبكات إرهابية بشكل سريع وخالٍ من الثغرات.
Live Democracy program : تبلغ ميزانيته (150.5) مليون يورو. يعد البرنامج هو حجر الزاوية في استراتيجية الحكومة لمكافحة التطرف والإرهاب وتعزيز الديمقراطية. ويهدف إلى منع تطورالمواقف المناهضة للديمقراطية والكراهية ويسعى لمنع عملية التطرف مبكرا، وأبرز الموضوعات التي يختص بها مناهضة التمييز، وتشكيل التنوع معاداة السامية، والإسلاموفوبيا والعداء للمسلمين، التطرف الإسلاموي التطرف اليميني، التطرف اليساري، خطاب الكراهية على الإنترنت. محاربة التطرف
“Cohesion through Participation programme” : يوفر البرنامج (12) مليون يورو من الدعم المستهدف سنويًا للبرامج والمبادرات التي يتم إنشاؤها على المستوى الإقليمي. يساعد هذا البرنامج في الوصول إلى المناطق الريفية أو الضعيفة هيكليًا على وجه الخصوص. يعد كلا البرنامجين السابقيين عبارة عن أدوات قوية وطويلة الأجل تجعل مواردهما المالية ركيزتين أساسيتين لاستراتيجية الحكومة الفيدرالية حول منع التطرف وتعزيز الديمقراطية.
برنامج تدريب الأئمة بالألمانية: شهد مدينة “أوزنابروك” بغرب ألمانيا في أبريل 2021 أول تدريب للأئمة المسلمين باللغة الألمانية، بمشاركة ما يصل إلى (30) داعية. ويتم التدريب الذي يستمر لمدة عامين بجمعية الرعاية “إسلام كوليج دويتشلاند” (كلية الإسلام في ألمانيا)، وبدعم من وزارة الداخلية ووزارة البحث العلمي في ولاية ساكسونيا السفلى. يقول “إسناف بغيتش” رئيس مجلس إدارة الجمعية، إن تأسيس الجمعية يهدف إلى توفير عرض إضافي، لأن الأئمة القادمين من الخارج غالباً ما يتعرضون في خطبهم ” لمواضيع لا تتعلق بسياق حياتنا”. وأضاف بغيتش أن الأجيال الجديدة للمهاجرين المسلمين أيضاً لا يمكنها في الغالب فهم خطبة بلغة موطن الوالدين بنسبة مائة في المائة.
وتوجد عدة برامج أخرى منها برنامج “المرشد” للوقاية من التطرف تم تطبيقه بالتعاون مع مراكز استشارات في العديد من المدن بولاية شمال الراين ويستفاليا. برنامج “الحوار المركز” مع المتشددين والبرنامج الوطني لمنع التطرف الإسلاموي (NPP) الذي تمت الموافقة عليه في عام 2017.
برامج الوقاية من التطرف في فرنسا -محاربة التطرف
أوقفوا الجهاد Stop Jihadism : أطلقت فرنسا حملتها ” Stop Jihadism” “أوقفوا الجهاد” في أواخر يناير 2015، لمواجهة تهديد التطرف الإسلاموي في جميع فرنسا. اتخذت فرنسا برامج وقائية لمكافحة الفكر المتطرف داخل أنظمة التعليم والسجون، وخصصت موارد إضافية لوكالات مكافحة الإرهاب و أعلنت فرنسا عن خطط لاستثمار (45) مليون دولار في إنشاء برامج لمكافحة التطرف في جميع أنحاء البلاد. و تبنت وزارة التعليم في فرنسا سلسلة من الإجراءات لمكافحة التطرف وتعزيز القيم الفرنسية. وفي سبتمبر 2016، افتتحت الحكومة الفرنسية (12) مركزًا لمكافحة التطرف في جميع أنحاء البلاد. وهذا جزء من خطة بقيمة (45.5) مليون دولار أعلنها رئيس الوزراء السابق مانويل فالس في مايو 2016 لمواجهة الخطر الذي يشكله المتطرفون في فرنسا. محاربة التطرف
برنامج لإعادة تنظيم السجون: بدأت فرنسا بعد هجمات يناير 2015 ، في إعادة تنظيم نظام سجونها من أجل عزل السجناء المتطرفين عن باقي السجناء. تضمن البرنامج – استنادًا إلى تجربة أجريت عام 2014 في سجن فرينز الفرنسي – تجميع السجناء المتطرفين معًا في وحدات معزولة عن السجناء الآخرين. ولكن أعلنت فرنسا أنها ستنهي البرنامج بعد ظهور مخاوف من أن هذا يساعد في تعميق شبكات التطرف داخل السجون.
برنامج أئمة على الطريقة الفرنسية: يهدف البرنامج إلى منع التطرّف وتفكيك الخطاب المتطرّف، وتدريب رجال الدين من خلال دورة مشتركة. كذلك إنشاء وحدات مسؤولة عن تفكيك الخطاب المتطرّف، والتحقّق من المستوى التعليمي لدى رجال الدين تأهيل تدريب الأئمّة” وتنظيم “شهادات” اعتماد لهم ووضع “ميثاق يؤدّي عدم احترامه إلى العزل”. ويُتيح تدريب الأئمّة تحقيق هدف آخَر بالنسبة إلى الحكومة الفرنسيّة، يتمثّل في إنهاء التعاون مع (300) إمام من تركيا والمغرب والجزائر.
برنامج إعادة تأهيل المتشددين: هو برنامج تدريبي خاص بإعادة تأهيل المتطرفين الخاضعين لتتبعات قضائية بسبب جرائم متعلقة باعتناق الفكرالمتطرف. يتم البرنامج عبر (4) مراحل تدوم من (2 إلى 3) أشهرتشير التقديرات إلى أن البرنامج في عامه الأولى استفاد منه قرابة الـ(100) شخص، بتكلفة جملية تبلغ من (1000 إلى 3000 ) يورو لكل شخص والأربعة مراحل هي :
- المرحلة الأولى: تشخيص الحالة.
- المرحلة الثانية: التشجيع على إعادة الاندماج.
- المرحلة الثالثة: دحض الخطاب المتطرف.
- المرحلة الرابعة: إعادة التأهيل الاجتماعي والمهني للشخص. محاربة التطرف
برامج الوقاية من التطرف في بريطانيا وسويسرا
حددت الحكومة البريطانية موعد لصدور تقرير مستقل عن برنامج “PREVENT” لمكافحة التطرف في المملكة المتحدة. لكن لم يُلتزم بالموعد النهائي. عدم الالتزام بالموعد، يعني أنه سيتم تأخير نتائج المراجعة لما يقرب إلى (3 )أعوام. وهناك تساؤلات ورسم علامات استفهام و مخاوف عدة حول فاعلية برنامج “PREVENT” لبلوغ الأهداف المرجوة منه ومدى قدرته على منع الانجرار نحو التطرف العنيف خاصة بعد مقتل نائب حزب المحافظين البريطاني السير ديفيد أميس. يتولى”ويليام شوكروس” الرئيس السابق لـ”مفوضية الأعمال الخيرية” Charity Commission قيادة المراجعة. وكان قد تم إجراء مراجعات للبرنامج بشكل مستقل إلا أن المراجعة شهدت تأخيرات وخلافات، مع تنحي أول مشرف عليها تم تكليفه المهمة اللورد” كارلايل”
أعرب جون هولموود أستاذ علم الاجتماع في “جامعة نوتينغهام”، الرئيس المشارك في “مراجعة الناس لبرنامج “بريفانت” في 24 أكتوبر 2021 عن “قلق بالغ” من النتائج التي تم تسريبها إلى صحيفة “تايمز”، والتي أشارت إلى أنه يمكن إعطاء “جهاز الاستخبارات الداخلية البريطانية” (أم آي 5) MI5 صلاحيات أوسع في التعامل مع الحالات المشمولة في برنامج “بريفانت”.
كان أكثر من (50%) من بين (6287 )إحالة على برنامج “بريفانت” في العام حتى مارس 2020 لأفراد يعتقدون بأيديولوجيات مختلطة أو غير مستقرة أو غير واضحة. أما (25%) من عدد الإحالات فجرى على خلفية مخاوف من تطرف إسلاموي، في حين أن (22 %) منها كان يتعلق بالتطرف اليميني. وكانت أكبر فئة عمرية تتضمن أطفالاً وشباباً تبلغ أعمارهم (20) عاماً أو أقل، بمن فيهم (1559) طفلاً ما دون سن الـ15 سنة. ومن بين الأفراد الذين تمت إحالتهم إلى برنامج “بريفانت”، تبين أن (27 %) “لا يحتاجون إلى أي إجراء آخر” بعد التقييم، وقد نُقل (50%) من هؤلاء إلى خدمات أخرى، كالتعليم والإسكان والصحة العقلية، وذلك للحصول على دعم بديل. ونظر مخطط “تشانل” لمكافحة التطرف في أوضاع نحو (23%) من الإحالات التي وُضع أصحابها مع مرشدين متخصصين تُطلق عليهم صفة “مقدمي خدمة التدخل” Intervention Providers
كشفت الحكومة السويسرية عن خطة عمل وطنية تهدف إلى الوقاية من التشدّد والتطرّف العنيف. وتتركّز هذه التدابير على الإنذار المبكّر، وإعادة إدماج المخالفين، وتدريب مكوّنات المجتمع المحلّي مثل المدرّسين والمشرفين على الأنشطة الرياضية. تعدّ خطة العمل هذه جزءً من نهج ذي ثلاثة محاور يهدف إلى مكافحة انتشار التطرّف العنيف في سويسرا
التقييم
دفع تنامي انتشار التطرف وتزايد أعداد المنضمين من الشباب في أوروبا إلى جماعات وتنظيمات متطرفة العديد من الحكومات الأوروبية إلى اعتماد برامج وقائية لحماية هؤلاء الشباب من التطرف. كذلك طورت الدول الأوروبية من برامجها الوقائية بشأن منع التطرف .
شددت السلطات الأوروبية على أهمية الأدوات والسياسات التي يمكن أن تعالج الأسباب الجذرية للتطرف، مع تعزيز المرونة، وتعزيز الاندماج الاجتماعي، وتعزيز التفاهم المتبادل والتسامح، معالجة عدم المساواة، ومنع تهميش ووصم الجماعات أو المجتمعات.
يصعب قياس نجاح مثل هذه البرامج – نظرًا لأن إخفاقاتها علنية ولكن يكاد يكون من المستحيل حصر انتصاراتها. ونجد أن بعض هذه البرامج لا تحقق النجاح المرجو منها. وأن بعضها ليس بنفس الفعالية التي بدأت بها تلك البرامج. وباتت تستهدف فئة بعينها بشكل غير عادل مايزيد من مشاعر الكراهية والتطرف.