الأخبار
المؤسّسات الستّ المستهدَفة
تتّخذ المؤسّسات الستّ من محافظة رام الله والبيرة مركزاً رئيساً لها، ولبعضها فروع أو مكاتب في محافظات أخرى في الضفة الغربية المحتلّة وقطاع غزة. تعمل فيها مجموعة كبيرة من الأكاديميّين والأساتذة والمحامين والصحافيّين، فضلاً عن أسرى محرَّرين، وتنفّذ جميعها أنشطة وبرامج ومشاريع في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وتعمل على التشبيك رسمياً مع عدد من المؤسّسات الدوليّة، كما أن قسماً منها يرتبط بشراكة مع مكاتب ومنظّمات تتبع الأمم المتحدة. أولى تلك المؤسّسات وأبرزها «الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان»، التي تأسّست في القدس المحتلة في بداية التسعينيات، ويتركّز عملها على إسناد الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو الإسرائيلي، وتوثيق الانتهاكات بحقّهم والمتابعة القانونية لقضاياهم، وفي المرتبة الثانية الدفاع عن معتقلي الرأي وحرية التعبير في فلسطين. ولـ«الضمير» شراكات إقليمية ودولية مع مؤسّسات وائتلافات حقوقية مناهضة للتعذيب وداعمة للحرّيات والحقوق. أمّا المؤسّسة الثانية الأبرز فهي «القانون من أجل الإنسان»، المعروفة اختصاراً باسم «الحق»، فقد تأسّست عام 1979 على يد مجموعة من المحامين الفلسطينيّين، وهي تهدف إلى «تعزيز مبدأ سيادة القانون وصون حقوق الإنسان» في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة. وعلى عكس «الضمير»، تَركّز عمل «الحق» في السنوات الأخيرة على انتهاكات الحرّيات وحقوق الإنسان التي تُمارسها أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة، وتلك التي تُشرف عليها حركة «حماس» في قطاع غزة، وفي المرتبة الثانية انتهاكات العدو الإسرائيلي وجرائمه في فلسطين، علماً أنها شاركت سابقاً في تحضير عدد من الملفّات الخاصة بالجرائم الإسرائيلية وقدّمت اثنَين منها إلى المحكمة الجنائية الدولية. ولهذه المؤسّسة صفة استشارية لدى المجلس الاقتصادي الاجتماعي في الأمم المتحدة، وهي عضو في «المنظّمة الدولية لمناهضة التعذيب»، و«الشبكة اليورومتوسطية لحقوق الإنسان»، كما أنها تمثّل فرعاً لـ«لجنة الحقوقيين الدوليّين في جنيف».
المؤسّسة الثالثة هي «مركز بيسان للبحوث والإنماء»، الذي تأسّس في نهاية الثمانينيات، ويعرّف عن نفسه بأنه «مؤسّسة تقدّمية ديمقراطية أهلية، يعمل لتعزيز صمود الفلسطينيّين، ويطمح للمساهمة في بناء مجتمع مدني فلسطيني ديمقراطي وتقدّمي مؤثر». وفي المرتبة الرابعة تأتي «الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال/ فرع فلسطين»، التي تأسّست عام 1991، وتختصّ بتقديم الاستشارات والخدمات القانونية للأطفال، وتهدف إلى حمايتهم من الانتهاكات، ولها صفة استشارية لدى كلّ من: المجلس الأوروبي، منظّمة «اليونسكو»، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، علماً أنها أوّل منظّمة في فلسطين تُعنى بحقوق الأطفال وقضاياهم بشكل خاص. أمّا «اتحاد لجان المرأة»، فهو مؤسّسة نسوية تقدّمية تأسّست في بداية الثمانينيّات، وتشابه مركز «بيسان» لناحية العمل في مجال «الديمقراطية والتقدّمية»، لكنها تختصّ بالمرأة الفلسطينية وتهدف إلى «تعزيز وضعها وتمكينها بما يكفل مساواتها مع الرجل وتحقيق العدالة الاجتماعية لكلّ شرائح المجتمع». وأخيراً يأتي «اتحاد لجان العمل الزراعي»، الذي تأسّس في منتصف الثمانينيات على يد مجموعة من المهندسين الزراعيّين، ويُعنى بالتنمية الزراعية وإسناد المزارعين ودعمهم بأنشطة ومشاريع، ومن أهدافه: حماية حقوق المزارعين الوطنية والديمقراطية، وتعزيز السيادة على الموارد الطبيعية الفلسطينية. ويصف الاتحاد نفسه بأنه «مؤسسة تنموية زراعية مستقلّة تماماً، بحسب لوائحها الداخلية ورؤيتها ورسالتها وممارساتها»، وهو يتمتّع بشراكات مع شبكات فلسطينية ودولية، كما أنه عضو في «الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة»، «شبكة المعاملة التبادلية»، «الشبكة العربية للسيادة الغذائية»، «المنتدى الاجتماعي العالمي»، «ائتلاف العدالة البيئية الدولي»، وغيرها. وكان حاز ثلاث جوائز عالمية ما بين عامَي 2014 و2015، وهي: «جائزة خطّ الاستواء»، «جائزة السيادة الغذائية»، و«جائزة الإبداع العربي في الإبداع الاقتصادي».
بدايات التضييق
على رغم حداثة القرار الإسرائيلي، إلّا أن الحرب ضدّ مجموعة من منظّمات المجتمع المدني في فلسطين المحتلّة لم تبدأ معه، بل تعود بدايتها إلى الفترة التي أعقبت تنفيذ عملية العبوة الناسفة في «عين بوبين»، حيث شنّ جيش العدو حملة اعتقالات واسعة ضدّ نشطاء «الجبهة الشعبية»، وأتبع ذلك بحملة اقتحامات وتخريب لعدد من مؤسّسات المجتمع المدني، خصوصاً خلال شهرَي حزيران وتموز الماضيَين، ليبلغ عدد المؤسّسات التي اقتحمها الاحتلال خلال أقلّ من شهرين في رام الله أربعاً، أبرزها: «الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال»، «مركز بيسان»، ومقرّ «لجان العمل الصحي» الذي تعرّض وحده لأربع عمليات اقتحام خلال عام ونصف عام. وسبق حملةَ المداهمات تلك، في شهر آب 2020، قرارٌ رسمي من قائد المنطقة الوسطى في جيش العدو، تامير يدعي، باعتبار «القطب الطلّابي الديمقراطي التقدّمي» تنظيماً إرهابياً، و«القطب» هو الذراع الطالبي لـ«الجبهة الشعبية»، والمتّهم من قِبَل سلطات الاحتلال بتجنيد خلايا عسكرية من طلاب الجامعات لتنفيذ عمليات مقاومة. كذلك، أصدر العدو قرارات بإغلاق عدد من المنظّمات الأهلية الفلسطينية لفترات متفاوتة، لكن معظمها لم يمتثل لقرارات الإغلاق، الأمر الذي يبدو أنه دفع وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، شخصياً، إلى إصدار قرار بتصنيف المؤسّسات الستّ «إرهابية».
يندرج القرار الإسرائيلي في إطار «حرب اجتثاث» يواصل العدو شنّها على «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»
وسبق القرار اشتغال مكثّف من قِبَل «إن جي أو مونيتور» – وهي منظّمة إسرائيلية ترصد عمل منظّمات المجتمع المدني الفلسطيني وتلاحقها، وتُحرّض عليها لوقف عملها، وتقدّم تقارير للدول الغربية في شأنها – على خلْق علاقة بين المؤسّسات الستّ و«الجبهة الشعبية» استناداً إلى عدّة فرضيات ساقتها، من بينها: مقطع مصوّر تَظهر فيه القيادية في «الجبهة الشعبية» خالدة جرار، مع مسؤولين وناشطين من مؤسّسات مجتمع مدني خلال حفل تأبين للقيادي في «الشعبية»، رباح مهنا. كما شنّت صحف إسرائيلية حملات متلاحقة ضدّ المنظّمات المذكورة بعد اتّهام العدو لعدد من الموظّفين فيها بالمشاركة في دعم عملية «عين بوبين» وتنفيذها، كالمدير المالي والإداري في «اتحاد لجان العمل الزراعي» عبد الرازق فراج، والأسير سامر العربيد الذي يعمل في الاتحاد نفسه، والمدير التنفيذي السابق لمركز «بيسان» اعتراف الريماوي، والمدير الإداري والمالي لـ«اتحاد لجان العمل الصحي» وليد حناتشة، وغيرهم.
في المقابل، يرى ممثّلو المؤسّسات الستّ أن فشل إسرائيل خلال السنوات الأخيرة في وقف عمل المؤسّسات الفلسطينية، ولاسيما في فضْح جرائم الاحتلال دولياً، دفعها إلى اتّخاذ القرار الأخير، مؤكدين، خلال مؤتمر صحافي مشترك، أن مؤسّساتهم لن توقف عملها، و«لن تخضع لقرار الاحتلال لأنها تعمل وفق القانون الفلسطيني وتخدم الشعب الفلسطيني ببرامج تعبّر عنه وتمثّله».
أهداف الحملة
لن تقتصر تداعيات القرار الأخير على التمهيد لإغلاق المؤسّسات الفلسطينية وملاحقة العاملين فيها بذريعة تصنيفها «إرهابية» فقط، بل هو يُعدّ بمثابة سيف مسلط على أعناق بقيّة مؤسّسات المجتمع المدني الفلسطيني، بما يجعلها تحسب حساباً للعدو في برامجها وأنشطتها. ولعلّ هاهنا يكمن أحد أبرز أهداف الحملة الإسرائيلية، والمتمثّل في الردع والترهيب، إذ تريد سلطات الاحتلال تصعيد الضغوط على المنظّمات الأهلية الفلسطينية، وصولاً إلى إجبارها على رفض التعاقد أو توظيف أسرى محرَّرين أو ناشطين ذوي خلفية مقاومة، خشية تعرّضها للملاحقة. ويحاول الإسرائيليون، في هذا الإطار، تحويل أفراد خلية «عين بوبين» إلى «عِبرة لغيرهم»، ساعين في ترسيخ معادلة قديمة – جديدة عنوانها «من يعمل في المقاومة سيُعرّض مؤسسته ومحيطه للإغلاق والملاحقة». كذلك، تستهدف الخطوة الإسرائيلية مساومة بقيّة مؤسّسات المجتمع المدني التي لا تتلقّى تمويلاً مشروطاً، من أجل أن تجنح نحو التمويل الأجنبي المشروط كطوق نجاة، «وإلّا فإن مصيرها المحتوم هو الملاحقة والمداهمة والتخريب والتصنيف كإرهابية»، علماً أن كلّ المنظّمات الأهلية الفلسطينية تنشط فيها نخبة من النشطاء والأسرى المحرَّرين بحُكم طبيعة الواقع السياسي في فلسطين، عدا تلك التي تتلقّى تمويلاً أميركياً وتخضع لشروط صارمة وتعمل وفق المزاج الأميركي.
من جهة أخرى، يندرج القرار الإسرائيلي، بحسب مراقبين، في إطار «حرب اجتثاث» يواصل العدو شنّها على «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، عبر تشديد الخناق عليها، وحجب مصادر تمويلها ومصادر دخل نشطائها ووظائفهم. وفي هذا الإطار، يصف مصدر مطّلع ما يجري بأنه «تجفيف لمنابع تمويل نشطاء الجبهة الشعبية بشكل شخصي» في محاولة للردع والترهيب، عازياً ذلك، في جزء منه، إلى أن عملية «عين بوبين» ضربت العدو في مقتل، وأشعلت «الضوء الأحمر» أمام المخابرات الإسرائيلية، وجعلتها تتخوّف من عودة الجبهة إلى ساحة المقاومة بقوّة. ويلفت المصدر، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الجبهة الشعبية ستعاني من ضائقة مالية كبيرة إذا تمّ تنفيذ القرار الإسرائيلي وتمّ قطع تمويل المؤسّسات الستّ نهائياً، لأنها أكبر المؤسّسات المحسوبة عليها، ويعمل فيها عشرات الموظفين والنشطاء والأسرى المحرَّرين، خاصة في ظلّ استمرار قطْع السلطة الفلسطينية مخصّصات الجبهة منذ سنوات، على خلفية مواقف معارضة للسلطة». ويشير إلى أن «القرار الإسرائيلي يأتي في إطار ملاحقة الأسرى المحرَّرين وأرزاقهم في ستّ مؤسسات، أكثر من كونه متعلّقاً بعملية احتاجت إلى عبوة ناسفة فقط»، خاصة أنه طاول أيضاً منظّمات ليس فيها معتقلون متّهمون بعمليات مقاومة، مثل: «الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال»، «اتحاد المرأة»، و«مؤسّسة الحق».