اجتهاد غير مسبوق لـ«اتّهاميّة بيروت»: قرارات المحقّق العدلي قابلة للطعن
أصدرت الهيئة الاتهامية في بيروت اجتهاداً قانونياً يُفيد بأنّ الطعن في قرارات المحقق العدلي ممكن، مستدّلة على ذلك بنصوص قانونية من أصول المحاكمات الجزائية، لكنها لم تحدّد الجهة المخوّلة ذلك قانوناً، ما يفرض أن تصدر المحاكم العليا اجتهاداً تحدّد فيه المرجع الصالح للنظر في الطعون
ويأتي هذا الاجتهاد بعدما تقدّم رئيس الميناء الموقوف محمد المولى بطعنٍ في القرار الصادر عن المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار المتعلّق برفض إخلاء سبيله باعتبار أنّ مدة التوقيف تجاوزت السنة. ورأى شعيتو ومستشاراه بوسليمان وبدر، في متن القرار، أنّه في غياب النص الخاص، فإنّ النص العام هو الذي يُطبّق، ليستدلّ إلى أنّ قرارات المحقق العدلي لجهة باقي القرارات غير المتعلقة بالمذكّرات قابلة للاستئناف. ورأى رئيس الهيئة الاتهامية أنّه «لو أراد المشرّع عدم إعطاء الحق بالطعن استئنافاً بقرار ردّ طلب إخلاء السبيل لكان نصّ عليه أسوة بما فعله لجهة عدم الطعن في المذكّرات التي يُصدرها المحقق العدلي»، معتبراً أنّ «الهيئة الاتّهامية هي المرجع الصالح للنظر بالاستئناف».
بذلك تكون المحكمة قد كرّست سابقة تفتح الباب واسعاً أمام الطعن في قرارات المحقق العدلي. ورغم أنّ شعيتو ومستشاريه لفتوا إلى أنّه من خلال تخصيص باب خاص بـ «المحقق العدلي»، يظهر أنّ نية المشرع اتجهت إلى خلق كيان قائم بذاته لقاضٍ يعيّنه وزير العدل بموافقة مجلس القضاء الأعلى للنظر في قضية محددة من تلك المقرر إحالتها على المجلس العدلي، سُمّي محققاً عدلياً لا قاضي تحقيق، وروعيت في عمله الأصول المتبعة لدى قاضي التحقيق. فهل الهيئة الاتهامية في بيروت هي المرجع الصالح للنظر باستئناف قرار المحقق العدلي المتعلق بإخلاء السبيل؟ تساؤلٌ لا يلبث أن يجيب عنه شعيتو، مستدلاً بنص المادة ٣٦٣ من أصول المحاكمات الجزائية التي أوردت أنّ المحقق العدلي يُطبّق الأصول المتبعة لدى قاضي التحقيق، وأنّه بعد اكتمال التحقيقات وإبداء النيابة العامة التمييزية مطالعتها في الأساس، يُصدر قراره، إما بمنع المحاكمة عن المدّعى عليه أو اتّهامه وإحالته على المجلس العدلي. وخلُصت الهيئة إلى أنّه «يتبدّى من النصوص أنّ المشرّع حصر ما هو غير قابل لأي طريق من طرق المراجعة من قرارات المحقق العدلي بالمذكرات التي يُصدرها الأخير، من دون أن يشمل قرار إخلاء السبيل من بينها، سواء في نص المادة ٣٦٢ المذكورة أو أي نص آخر».
وبالتالي، هل قرار المحقق العدلي قابل للطعن فعلاً؟ والسؤال الأكثر أهمية: من يبتّ في قرار الطعن مكانياً؟ هل هي الهيئة الاتهامية في بيروت أم البقاع أم في بقعة ثالثة؟ علماً بأنّ تحديد الصلاحية يكون تبعاً لمكان وقوع الجرم أو مكان إقامة المدّعى عليه أو محل إلقاء القبض عليه. ورغم أنّ السؤال الأول أجاب عنه رئيس الهيئة قاطعاً الشكّ باليقين بأنّه يمكن الطعن في قرارات المحقق العدلي، إلا أنّ السؤال الذي لم تُجِب عنه الهيئة هو عن المحكمة الصالحة للنظر في هكذا دعاوى.
على أي حال، يفتح هذا القرار باباً كان موصداً بوجه قرارات المحقق العدلي، إذ كسر مقولة سائدة تبيّن أن لا سند قانونياً لها تقول إنّ تلك القرارات لا تقبل الطعن، ولكن، يبقى على أهل القضاء ولا سيما في المحاكم العليا الاجتهاد لتحديد المرجع الصالح للنظر في الطعون.
ريفي كان يعلم أيضاً، فلماذا لم يستدعه البيطار؟
سُرِّبت على مواقع التواصل الاجتماعي، أمس، وثيقة جديدة من ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، عبارة عن رسالة موجّهة من سفارة روسيا الاتحادية في لبنان إلى وزير العدل السابق اللواء أشرف ريفي، عام 2014، بشأن «بحارة السفينة روسوس المحتجزين على متن سفينتهم في مرفأ بيروت منذ ستة أشهر». لم يُذكر في الوثيقة وجود نيترات الأمونيوم، لكنّ السفارة أوردت في كتابها أنّ المحامي المتابع لسير القضية تقدم من محكمة القضايا المستعجلة بطلب بيع الباخرة بالمزاد العلني وحل مشكلة الربان. وأشار كتاب السفارة إلى أنّ الطلب لم يُقبل وأُحيل الملف إلى محكمة بيروت برئاسة القاضي جاد معلوف.
نشر الكتاب دفع إلى التساؤل عن سبب عدم استدعاء المحقق العدلي طارق البيطار لريفي كونها مؤشراً على احتمال معرفته بالأمر. علماً أنه تظهر على الوثيقة إحالتان، الأولى بتاريخ الثامن من أيار 2014 والثانية بتاريخ 25 حزيران 2014 يوم كان القاضي سمير حمود مدعياً عاماً تمييزياً. وختم الكتاب بالطلب من ريفي المساعدة على إيجاد حل لهذه القضية.
وكان البيطار أبلغ أهالي الضحايا بأنّ كل من استدعوا إلى التحقيق كانوا قد تسلّموا مراسلات حول نيترات الأمونيوم في المرفأ واطّلعوا عليها، معتبراً ذلك المعيار الذي يعتمده في الاستدعاءات. غير أنّ هذا المعيار لم يُعتمد مع ريفي، رغم فساده (المعيار) واستنسابيته باعتبار أنّ البيطار لم ينفّذ أي عمليات دهم أو تفتيش لمراكز قيادة الأجهزة الأمنية ومنها الجيش، مكتفياً بتلك التي أرسلوها إليه. إذ لا يُعقل أن يُرسل متورط للقاضي وثيقة قد تدينه، خصوصاً أن مسؤولية الأجهزة الأمنية والعسكرية تفترض أن تعلم بوجود «قنبلة» ضخمة بقيت في قلب بيروت 7 سنوات، فيما يُفترض أن يعدّ عدم علمها بذلك تقصيراً.