تريد السعودية رأس حكومة نجيب ميقاتي. حتى موعد الانتخابات، لا يبدو أن الرياض في وارد التخفيف من حربها الدونكيشوتية لـ«القضاء» على حزب الله، مع استعدادها لرفع سقف الضغوط، واستهداف مزيد من الوزراء في الحكومة الميقاتية. فبعد وزيري الإعلام والخارجية، أشارت تسريبات إلى امتلاك الرياض تسجيلات لوزير آخر في الحكومة يهاجم فيها السعودية والخليج
وتجزم مصادر معنية بأن السعودية «تتحدث بصراحة أكثر من أنصارها» في لبنان. وهي تقول بوضوح إن «المطلوب هو رأس الحكومة مجتمعة لا استقالة وزير بعينه». وتشير المصادر إلى «التسريبات التي خرجت للتصويب على وزير الخارجية هدفت إلى التأكيد أن كل حكومة ميقاتي خاضعة لحزب الله ويجب مقاطعتها». وتعزز هذه القناعة معلومات عن «تسجيلات ستطال وزيراً آخر في الحكومة»، وإشاعات عن وجود «ملفات خاصة بوزراء آخرين»، بالإضافة إلى تهديدات يومية بفرض عقوبات جديدة على لبنان. وقد لوحظ في الأيام القليلة الماضية، توقف السفارة السعودية في بيروت عن منح تأشيرات لطالبي السفر إليها من اللبنانيين، وبث إشاعات بين أبناء الجالية اللبنانية في المملكة عن احتمال إلغاء إقامات أو منع التحويلات المالية إلى لبنان وغيره من العناوين بالتزامن مع حملة تعبئة يشارك فيها كل الإعلام السعودي. وفي بيروت، يكثر الكلام عن احتمال أن تطلب الرياض من نادي رؤساء الحكومات السابقين ممارسة ضغط على ميقاتي لدفعه إلى الاستقالة.
ميقاتي الذي يتحدث عن تعرضه لضغوط مباشرة من أوساط لبنانية قريبة من السعودية، يشير ضمناً إلى عدم رغبته في دخول مواجهة تنعكس سلباً على موقعه كممثل للطائفة السنية في لبنان. وهو قال لمتصلين به إنه لا يزال يرى ضرورة لاستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، وأبلغ الموقف نفسه إلى قرداحي الذي أكّد لرئيس الحكومة أن السعودية تريد ما هو أبعد من هذه الخطوة، وأن ما من ضمانة بأن الاستقالة ستقفل الباب أمام مزيد من الضغوط، وأنه مستعد لأي خطوة ضمن سياق عام وليس استجابة لضغط سياسي فقط. علماً أن رئيس الحكومة نفسه «مصدوم» لرفض أي مسؤول سعودي التواصل معه شخصياً أو هاتفياً. وهو تلقى رسائل سعودية سلبية تجاهه شخصياً. ويبدو أنه حتى «رحلة العمرة» التي كان يحضّر لها بالتعاون مع الفرنسيين، قد تتعرض للعرقلة أو تنحصر في أداء المناسك، من دون عقد أي اجتماع معه.
ومع عودته إلى بيروت، يبدو ميقاتي مصراً على خطوة أولى من جانب الشركاء في الحكومة تتمثل في استقالة قرداحي بما يسمح له بفتح باب المقايضة، وهي خطوة يبدو أنه لا يوجد في لبنان من يدعمها سوى أنصار الرياض. فيما الحل، برأي الرئيس ميشال عون، يتمثل بدعوة الحكومة إلى الانعقاد لمناقشة الأمر ضمن استراتيجية بناء علاقات واضحة مع كل الدول العربية والصديقة. إلا أن رئيس الحكومة لا يرغب في مواجهة في مجلس الوزراء قد تؤدي إلى إطاحة الحكومة. ومع تأكيده أنه لمس عدم ممانعة الرئيس عون لاستقالة وزير الإعلام، إلا أنه يلفت إلى أن هناك كتلة وازنة في الحكومة (حزب الله وحركة أمل وتيار المردة والنائب طلال إرسلان) لن توافق على الاستقالة قبل الحصول على ضمانات مسبقة بأنها ستفتح الباب أمام معالجة الأزمة، يسأل ما إذا كان في إمكان الحكومة الاجتماع «بحضور الجميع»، بعد قرار حركة أمل وحزب الله الامتناع عن حضور جلسات الحكومة إثر كمين الطيونة، ورفضهما المشاركة في الخلية الوزارية التي شُكلت بعد اندلاع الأزمة مع السعودية. علماً أن معلومات تحدثت عن موافقة الثنائي على المشاركة «في حال حُصِر النقاش بملف الأزمة مع الخليج».
إلى ذلك، وصف نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ما تقوم به السعودية تجاه لبنان بـ«العدوان»، مطالباً الرياض بـ«الاعتذار من لبنان (…). يعملون بطريقة خاطئة لأن أحداً لا يستطيع ليّ ذراع حزب الله والشعب اللبناني، ولبنان ليس مكسر عصا، ولا نقبل أن تتدخّل السعودية بالحكومة». وعزا انزعاج الرياض إلى أنها «لم تستطع الهيمنة على القرار السياسي في لبنان، رغم الأموال التي دفعتها لأتباعها في البلد»، كما أنها «لم تعد تحتمل خسائرها في المنطقة (…)، وتوقيت العدوان على لبنان له علاقة بمأرب وبالخسارة المدوّية في اليمن». وشدّد على أن «القوات اللبنانية نفّذت كمين الطيونة نيابة عن أميركا والسعودية، بهدف محاصرة حزب الله عبر محاولة إشعال الفتنة».