الكاتب : د. أحمد الزين
ما قاله وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي بان الحرب على اليمن “حرب عبثية”، هو تعبير عن رأيه وقراءته للاحداث الحاصلة في اليمن، نابع من قناعته الشخصية كرجل إعلامي كبير يمتلك ثقافة واسعة مع تراكم تجارب وخبرات إعلامية هائلة. وهذا التوصيف ليس بجديد، فقد شاع كثيرا على ألسنة مسؤولين لبنانيين ذات شأن واصحاب مواقع سياسية أمثال رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والوزير السابق وليد جنبلاط.. وأيضا الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش.. والكثير من الكتّاب والاعلاميين الذين وصّفوا بان الحرب على اليمن عبثية. هذا يثبت بان مشكلة السعودية مع لبنان ليست بتوصيف الوزير قرداحي للحرب على اليمن، لان هذه الحرب بالواقع هي حرب سعودية واضحة المعالم، بانها حرب عدوان وطغيان على الشعب اليمني لإذلاله. الكلام ليس هنا، لان هذه الامور أتضحت للقاصي والداني، الكلام الذي يجب ان نتوقف عنده هو ان تتنادى الدول والمنظمات الحقوقية لمسألة التدقيق في تصريحات شخصية هامة كانت من ضمن النظام السعودي والعائلة المالكة هو سعد الجبري، الذي وصّف، في مقابلة مع قناة “سي بي أس” الامريكية، محمد بن سلمان بانه “المضطرب عقليا الذي يشكل خطرا على السعودية وامريكا والعالم”، الذي حاول قتل اللك عبدالله بالسمّ، ليتسنى لوالده التربع على عرش المملكة بصفته ولي العهد آنذاك، ويعجّل عقارب الزمن لإستيلائه على العرش. اليوم المشلكة الحقيقية التي يجب على العقلاء اخذها بالحسبان، هو انه هناك شخص (محمد بن سلمان) ينطبق عليه توصيف القاتل الجاهل اذا ما تمسك بالسلطة واستلم زمامها يصبح طاغوتا وديكتوريا اشبه بـ “هتلر”، وهذا ما علينا ان نخشاه على الشعب السعودي منه، وعلى الشعب اللبناني، وعلى شعوب دول الجوار والعالم أجمع.
أعود للمرور على المغامرة السعودية في لبنان والمغايرة لكل الاعراف السياسية الدبلوماسية، وعلى الازمة المفتعلة وتصعيدها وتطاولها على سيادة وكرامة لبنان غير المبررة وغير المقنعة، بإدعائها بانها أهتزت مشاعرها وأُهينت كرامتها على تصريح الوزير قرداحي. اذا كان كذلك، لماذا لم تحرك ساكنا عقب تصريحات المسؤولين اللبنانيين؟ ولماذا لم تعترض ولم تثأر لاهانات الرئيس ترامب المتواصلة للملك سلمان وللمملكة ووصفهم “بالبقرة الحلوب”؟ اذن، القضية أعمق من تصريح الوزير قرداحي، بل تكمن المشكلة في عقلية هذا النظام السفاحٍ، المحشو حقدا وإرهابا على اليمن الاقحاحٍ، وعقدة الانتقام من لبنان الداعم لليمن بتضميد الجراحٍ، وعقدة النقص لديهم أمام الشعب اللبناني الذي يفوقهم علما وفهما ومجدا. وخير دليل ما أدلى به وزير خارجيتها فيصل بن فرحان، بان الأزمة مع لبنان سببها هيمنة المقاومة وسيطرتها على القرار السياسي. أذن، لماذا هذه التهويل والوعيد وهذا العويل والتهديد، لمقام الوزير قرداحي؟ لقد فهمنا الان انكم اتخذتم قضية الوزير قرداحي كذريعة، وان مشكلتكم اليوم في لبنان هي مع المقاومة التي انتصرت على حليفتكم “إسرائيل”. لقد وجدنا عذرا ومبررا للهجمة السعودية العدائية ومواقفها التصعيدية ضد لبنان وحكومته ومقاومته وشعبه! ولكن غيرالمفهوم والمستغرب والمستهجن، هو لماذا هذه التدابير المتخذة من مشيخات الخليج بسحب سفرائكم وطرد سفرائنا؟ هل يستوي إبعاد سفراء لبنانيين وانتم تنقلون سفراءكم الى “إسرائيل”، عن اي عروبة تتكلمون!! وهل يستوي تنظيم حملات خليجية إعلامية عدائية ضد الشعب اللبناني، بينما انتم تنسقون حملات تطبيعية وزيارات صداقة مع “إسرائيل”، أي إسلام تدّعون!! لماذا تسحبون رعاياكم من لبنان العروبة وعن روابط الاخوة العربية تنفكّون.. بينما انتم تهرولون الى “إسرائيل” المعتدية والمحتلة لفلسطين وتزورون وتصافحون أياديهم الملطخة بدماء العرب، أنتم الى أي قوم تنتمون!!
أيها العربان يا من ظاهركم عكس حقيقتكم! لقد برهنتم أنكم للغدر والظلم والطغيان عنوان، ومجازر العدوان على اليمن شاهد عيان.. وأدرتم الظهر لمأساة الفلسطينين وتخليتم عن قضيتهم وعن القدس الشريف، بينما تتسابقون الى خطوات التدرج نحو تثبيت التطبيع والانبطاح أمام الكيان الصهيوني، والخنوع والركوع لغير الله.. وأخر ما كنا نتوقعه أن نشاهد “الحاخام اليهودي يعقوب يسرائيل” يتجول فرحا في شوارع الرياض مرتدياً زيه اليهودي برفقة رجل أعمال سعودي، ونقيب في المخابرات السعودية..
يا حكام الخليح، حيّرتم العقول والالباب الى ما آلت أليه عظائم الامور، وكل فعل وجرم أفتعلتوه مدان وما وقع عليه من مجازر وأثم وظلم.. لقد حاولت ان اجد لكم عذرا، تبركا بقول الامام جعفر الصادق (ع): ” إذا بلغك عن أخيك الشىء تُنْكِره فالْتَمِس له عُذْرا واحِدًا إلى سبعين عُذْرًا”، فقلبت صفحات التاريخ، وسيرة الاقوام، لأجد لكم صنو أو مثيل.. أو ألتمس لكم صفة من صفات الشهامة اوالنبل او قيم المكارم الاخلاق فعجزتُ.. ولكن لم أرَ أفضل من قول الإمام علي (ع) الذي لا ينطق إلا صدقا وحقا ويقينا وبلاغة وعلما، عندما وصف أمثالكم: “اعلموا رحمكم الله أنكم في زمان القائل فيه بالحق قليل، واللسان عن الصدق كليل، واللازم للحق ذليل، أهله معتكفون على العصيان، مصطلحون على الإدهان”. وفي حديث عمر: “إياكُمْ وهذه المَجازِرَ فإن لها ضَراوةً كضَراوَةِ الخمرِ”.
عذرا على قساوة كلامي، فسفك دماء اطفال اليمن وفلسطين وخيانة التطبيع أشد ضرواة ووجع وإيلام! قديما في تراث العرب كانت النصيحة لا تقدر بثمن، والمثل يقول: “النصيحة بجمل (أو أبل)”. أما اليوم اوجه لكم “النصيحة مجانا ببعض جُمل”، أيها العرب المداهنون المطبعون، ويا أهل الدهناء والبادية، وأنتم أيها الأمراء والملوك، استفيقوا من سباتكم وأعدلوا سبابتكم قبل ان يرجع بكم الزمن الى زمن الخيمة والجمل، تهيمون بين كثبان فلاة الربع الخالي حفاة، وقت تستغيثون فلا تستجيبون حيث {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}، ومن أصدق من الله قيلا وحديثا: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، وتأكدوا حق اليقين بانكم لن تفلتوا من سنّة العقاب.. ومصائر الطاغية معمر القذافي، والمجرم صدام حسين، والسفاح شارون، ومبارك، وزين العابدين، وعلي صالح.. ليسوا عنكم ببعيد {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} من كل آثم ظالم قاتل مجرم سفاح.
يومئذٍ يفوت الأوان، ولا ينفع الندم، ولات حين مناص.