تخضع أفغانستان لحكم طالبان منذ شهرين تقريباً، و خلال هذه الفترة شهدت أزمة إنسانية متنامية.
وتطلق حركة أفغانستان اسم “إمارة أفغانستان الإسلامية” على البلاد.
وتلك الأزمة قد تتفاقم بشكل غير معقول إذا لم يتم إيجاد حل بصفة عاجلة.
ومن المرجح أن تتسبب الكارثة في مجاعة غير مسبوقة بالإضافة إلى أزمة اللاجئين بحلول فصل الشتاء.
وعن ذلك نشر موقع “أتلايار” الإسباني مقال رأي للكاتب ألبرتو سواريز سوتيل، ترجمته وطن.
معاناة سكان أفغانستان
وسلط المقال الضوء على معاناة سكان أفغانستان من تنظيم الدولة الإسلامية، المتمركز بالأساس في خراسان.
وخراسان هو الفرع الأفغاني لتنظيم الدولة الإسلامية، والذي يستعد لإضعاف حركة طالبان.
والدليل على ذلك، الهجمات الانتحارية الوحشية الثلاث التي وقعت هذا الشهر.
وتمت تلك الهجمات ضد مساجد في كابول (3 أكتوبر)، وقندوز (8 أكتوبر) وقندهار (15 أكتوبر).
في الحقيقة، تُظهر هذه الهجمات الثلاثة أن البلاد ليست آمنة كما زعمت طالبان.
وهذا الأمر من المرجح أن يضاعف من تدفق عدد اللاجئين.
وسيخلق الأمر توترًا داخل البلدان المجاورة (خاصة باكستان وإيران).
وسينجرّ عنه توتر العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والدول المتاخمة لأفغانستان.
استضافة اللاجئين
ومن المحتمل جدًا أن تطلب بروكسل من هذه البلدان استضافة اللاجئين.
وهذا الأمر لن تقبله هذه الدول، لأنها أولاً، لا تعد بلدان مزدهرة اقتصاديًا.
وفضلاً عن ذلك فإنّ اللاجئين الأفغان سيعيشون صراعات اجتماعية.
في ظل أزمة إنسانية محتملة وانعدام الأمن الناجم عن تنظيم الدولة، يجعلنا نتساءل
ما هي التحركات التي قام بها المجتمع الدولي؟
تتمثل المعضلة الكبيرة، في كيفية إيصال المساعدات الإنسانية إلى البلاد دون إضفاء الشرعية على طالبان.
كانت تلك الحركة حتى وقت قريب جماعة إرهابية.
معسكرين في الأزمة
وبناءً على هذه الأزمة، يمكننا تحديد معسكرين؛ المعسكر الغربي.
ويتجسد المعسكر في كيان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، الذين يريدون إرسال مساعدات إنسانية.
لكن في نفس الوقت يحجبون الاحتياطيات المالية لطالبان.
أما المعسكر الثاني، تمثله روسيا والصين وباكستان وإيران.
وعلى الرغم من أن هذه المجموعة بالنسبة للغرب هي مجموعة الأشرار، نظرًا لأنهم دائمًا ما يشككون في تصرفات الغرب.
لكنهم بالنسبة للسيناريو الأفغاني، فإن تفاعلهم مع طالبان له ما يبرره.
فبالتأكيد سيكونون أول البلدان التي تعاني من آثار انهيار حكومة طالبان، الذي سيتسبب لهم في التهديد الإرهابي.
ويسبب لهم تجارة المخدرات أيضًا، حيث أن أفغانستان هي المنتج العالمي للأفيون، الذي يستخرج منه الهيروين.
في سياق متصل، تعكس تصرفات الكتلة الغربية تناقض تقديم المساعدات الإنسانية دون الاعتراف بطالبان.
اتصالات مع طالبان
من جانبه، حافظ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا العظمى على مستوى اتصالات مع طالبان جيد نوعا ما.
ووعدت بروكسل ومجموعة العشرين بالاستثمار في البلاد.
ويتضح هذا من خلال قرار مجموعة العشرين باستثمار 1.3 مليار في البلاد.
وسيخصّص الاتحاد الأوروبي مليار من جملة الإستثمار وستمنحُها الولايات المتحدة 300 مليون دولار.
ويبدو للوهلة الأولى أن الإجراء يشير إلى استعداد هذه الكتلة للتخفيف من الأزمة الإنسانية.
ومن المرجح أن تؤثر تلك الأزمة عليها، ولا سيما أوروبا، ومع ذلك فإننا نواجه إجراءات ستساهم بالتأكيد في تفاقم الحالة.
كما يشير الكاتب إلى قرار وزارة الخزانة الأمريكية.
القرار يمنع طالبان من الوصول إلى 9 مليارات دولار من احتياطيات البنك المركزي الأفغاني.
على الرغم من مطالب طالبان المتكررة بهذا الشأن.
ومن المرجح جدًا أن مثل هذا القرار لن يعقد الأزمة الإنسانية، في البلاد فحسب.
المساعدات الإنسانية
ستزيد أيضًا من إحباط طالبان من عملية التفاوض.
و من المعروف جيدًا من قبل الطرفين أن ربط المساعدات الإنسانية باحترام حقوق الإنسان هو وهم.
لأن طالبان على الرغم من أنها لم تظهر بذلك العنف عندما وصلوا إلى السلطة لأول مرة في عام 1996.
لكنهم دائماً ما يفشلون في احترام حقوق المرأة والأقليات.
سيؤدي هذا الإحباط على الأرجح إلى البحث عن شركاء أكثر “تسامحًا” مع الطريقة التي يحكمون بها البلاد.
وخاصة أولئك الذين لا يمثل تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان لهم أولوية سياسية.
هذا هو الجانب الذي تلعب فيه الكتلة الثانية، كتلة الدول المجاورة وذات المصالح في المنطقة.
تتشكل تلك الكتلة من روسيا وباكستان وإيران والصين، وتلعب دورا مهماً.
كما تضع حد نسبي لأزمة أفغانستان المأساوية.
جمهوريات آسيا الوسطى
والسمة التي توحد هذه الدول هي انتقادها اللاذع للسياسة الخارجية الغربية (الولايات المتحدة…).
وخاصة تعزيزها للديمقراطية وحقوق الإنسان، والأهم من ذلك، قربها من أفغانستان.
تقع باكستان وإيران والصين على حدود كابول.
في حين أن جمهوريات آسيا الوسطى المتحالفة مع موسكو، تعتبر بمثابة جدار احتياطي لروسيا.
لفت الكاتب، أنه ربما يكون القٌرب الجغرافي من كابول، سبب احتفاظ هذه الدول بسفاراتها في كابول.
جاء ذلك على الرغم من عدم الاعتراف بإمارة أفغانستان الإسلامية (طالبان).
ولكن أيضًا مصالح بعض البلدان، لا سيما الصين وباكستان وكلاهما حليفان.
من المرجح أن تكون مفتاحًا في مستقبل أفغانستان، وهي انعكاس للواقع الجيوسياسي في المنطقة.
كما أورد الكاتب، أن بكين تهتم بالموارد الطبيعية لأفغانستان، وخاصة النحاس والليثيوم.
عنصر مهم
وهما معادن رئيسية في صناعة التكنولوجيا الحالية، غير المستغلة.
كما يمكن جعل أفغانستان عنصر مهم في طريق الحرير.
ومن المرجح جدًا أن تكون حركة طالبان أيضًا مهتمة بهذه المعادن كمصدر للدخل.
كما أنها تهتم أيضًا بالإمكانيات التجارية لطريق الحرير في منطقة تتمتع بثقافة قوية لتبادل السلع.
نتيجة لذلك، دعونا لا نتفاجأ من أن الصين على المدى القصير (ستة أشهر / سنة واحدة).
ستصبح أول دولة كبرى تعترف بطالبان، ربما من خلال اتفاقية تقوم على التبادل بين التجارة والأمن.
بالنسبة لإسلام أباد، فإن روابطها التاريخية والثقافية والعرقية، وحدودها الواسعة مع أفغانستان.
بالإضافة إلى الخوف من سقوط كابول في دائرة نفوذ نيودلهي، العدو الأول لإسلام أباد.
والعدد الكبير من اللاجئين الأفغان في أراضيها.
كل ذلك سيوضّح على وجه اليقين أن باكستان ستعترف مرة أخرى بإمارة أفغانستان الإسلامية على المدى القصير.
يمكن لأي هجوم أو أي لفتة دبلوماسية من قبل أي طرف أن يفسد العلاقة مع الآخر.
علاوة على ذلك، فإن تأثير إسلام أباد على مستقبل أفغانستان لا يزال حاضرًا.
سيناريو قاتم
من خلال أجهزة المخابرات المثيرة للجدل (ISI) ودورها كملاذ آمن منذ الحرب السوفيتية.
كما يمنح كلا العاملين الفرصة لباكستان لتكون لاعبًا ذا صلة على الأرض.
وهو الأمر الذي أخذته إيران وروسيا والصين في الاعتبار.
اجتمعت الدول الأربع لمناقشة مستقبل كابول وكيفية تنسيق دبلوماسيتها مع طالبان.
في سياق متصل، مع اقتراب أزمة إنسانية بحلول موسم الشتاء وازدياد انعدام الأمن بسبب تنظيم الدولة.
تواجه أفغانستان سيناريو قاتمًا بعد شهرين من وصول طالبان إلى السلطة والذي سيؤدي على الأرجح إلى أزمة لاجئين.
ستتدفّق بسرعة كبيرة في البلدان وأوروبا.
وفي مواجهة مثل هذا السيناريو، تم إلقاء الضوء على معسكرين متعارضين في المجال الدبلوماسي.
الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، ومعضلة تقديم المساعدات الإنسانية دون إضفاء الشرعية على طالبان.
وأدى ذلك إلى ظهور رسائل متناقضة مثل رسالة مجموعة العشرين.
التي اقترحت منح 1.3 مليار كمساعدات إنسانية.
تناقض غريب
ومن ثم قرار وزارة الخزانة الأمريكية بمنع طالبان من الوصول إلى احتياطيات البنك المركزي الأفغاني. وهذا تناقض غريب.
ومن المرجح أن يؤدي مثل هذا التناقض إلى تفاقم الوضع الإنساني في كابول.
وربما يثني طالبان عن الاستمرار في التفاوض مع الغرب.
ومن المعروف أن سياسة المطالبة باحترام حقوق الإنسان مقابل المساعدة الإنسانية، أمر لا تحبذه طالبان ولا تكترث له.
كما تشكل روسيا وإيران والصين وباكستان الكتلة الثانية على الحدود مع أفغانستان.
ولها مصالح تجارية واقتصادية وسياسية في أفغانستان.
في هذه المجموعة الرباعية، تبرز مصالح الصين وباكستان، وكلاهما حليفتان.
ولكن بمصالح أكثر واقعية من مصالح الغرب.
بالنسبة لبكين تعد أفغانستان مصدرًا للمحميات الطبيعية وطريق للتجارة غير المستغلة.
في حين أن اهتمامها بمنع أفغانستان غير المستقرة من أن تصبح ملاذًا للإسلاميين الراديكاليين
الذين يؤثرون على أقلية الأويغور المتاخمة لكابول.
أكبر منافس
كما تجعل من المحتمل جدًا أن تعترف الصين بأفغانستان في غضون عام من الآن.
أما باكستان، فإن روابطها الثقافية والعرقية، وحدودها الواسعة، واللاجئون الأفغان في أراضيها.
وخوفها من أن الهند أكبر منافس لها, يمكن أن تؤثر على طالبان.
ودورها كملاذ للجماعات الإرهابية منذ عام 1979، يمنحها صوت في مستقبل أفغانستان.
وهو الأمر الذي أخذته دول الجوار بعين الاعتبار.
فضلا عن دعوة باكستان إلى اجتماعاتها حول ما يجب فعله مع إمارة أفغانستان الإسلامية.
ختم الكاتب أنه سيتعين علينا أن نرى ما سيحدث في الأشهر المقبلة.
لمعرفة الكتلة التي عرفت كيف تلعب أوراقها جيدًا وكيف تتفاعل مع إمارة أفغانستان الإسلامية غير المستقرة.