الحدث

زيادة رواتب القطاع العام والحد الأدنى للأجور لن تمنع وقوع أزمة معيشية كتب بن تشابمان إن وزير المالية سيرغب في الزعم بأنه كريم إلى أقصى حد ممكن، لكنه يأخذ بيد أكثر مما يعطي باليد الأخرى

يتمثل الخطر الأكبر في تراجع الدخل المتاح للإنفاق (رويترز)

بن تشابمان

مع زيادة الحد الأدنى للأجور وإنهاء تجميد رواتب القطاع العام، يبدو من الواضح أن وزير المالية يسعى إلى تقديم نفسه كصديق للناس العاملين العاديين.

فحوالي مليوني مواطن يعيشون على الحد الأدنى للأجور سيستفيدون من زيادة بواقع 6.6 في المئة في رواتبهم، التي ستصل العام المقبل إلى 9.50 جنيه إسترليني (13 دولاراً) في الساعة. وسينال أيضاً ما يصل إلى خمسة ملايين عامل في القطاع العام زيادة في الرواتب عام 2022 بعد تجميدها لسنة.

لكن الإعلان عن الخطوتين، الذي صدر من ضمن الميزانية هذا الأسبوع، يجب أن يُوضَع في سياقه.

فالحد الأدنى للأجور كان من المقرر بالفعل أن يرتفع إلى ثلثي الأجر المتوسط في المملكة المتحدة بحلول عام 2024. وعند المستويات الحالية، يساوي ثلثا الراتب المتوسط 9.42 جنيه في الساعة، أي أقل بثمانية بنسات فقط عن المعدل المعلن.

كذلك لن تعالج الزيادات في الأجور الركود غير المسبوق خلال السنوات الـ13 الماضية في الرواتب ومعايير المعيشة.  والأهم من زيادة 59 بنساً في الساعة هو أثر الخطوة في القدرة الشرائية الحقيقية لدى الناس.

تزعم الحكومة أن زيادة الحد الأدنى للأجور تساوي رفعاً للمداخيل السنوية بأكثر من ألف جنيه. وهذا الواقع لا يمثل الصورة الكاملة. فالرقم يستند إلى العاملين بدوامات كاملة، لكن كثراً من الناس الذين ينالون الحد الأدنى للأجور يعملون بدوامات جزئية.

بالنسبة إلى عامل يتقاضى الحد الأدنى للأجور ويستفيد أيضاً من “الائتمان الشامل” (برنامج حكومي يقدم مساعدات نقدية لذوي الدخل المحدود وفاقدي العمل)، لن يزيد دخله السنوي الصافي (بعد اقتطاع الضرائب والتأمين) سوى بـ256 جنيهاً فقط، وفق حسابات أجرتها “مؤسسة القرار”. ويعود السبب إلى أن العامل سيدفع مزيداً من ضرائب الدخل وإلى أن المدفوعات الخاصة بالمزايا تتراجع تدريجياً في شكل حاد حين يرتفع الأجر.

وستتآكل الزيادات في الرواتب بسبب زيادة أسعار البضائع والخدمات. فقد سجل معدل التضخم 3.1 في المئة، ويتوقع البعض أن يبلغ خمسة في المئة هذا العام، فيبطل جزءاً كبيراً من الزيادة البالغة 6.6 في المئة في الحد الأدنى للأجور.

لا نستطيع أن نجري احتساباً مماثلاً لعاملي القطاع العام لأننا لا نعرف مقدار الزيادة التي يخطط وزير المالية لإدخالها على رواتبهم.

ويخفي المعدل الرئيسي للتضخم أيضاً بعضاً من الأرقام الأكثر إثارة للقلق التي ستؤثر أكثر في الأسر الأدنى دخلاً.

فأسعار بعض المواد الأساسية، ولاسيما الغاز والكهرباء والبنزين، ترتفع بمعدلات أسرع بكثير من معدل التضخم. فقد ارتفع السقف السعري للطاقة بنسبة 12 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول) ومن المتوقع أن يرتفع أكثر حين يُراجَع في أبريل (نيسان). وتشكل هذه التكاليف عادة نسبة أكبر من الميزانيات لدى الأسر الأفقر مقارنة بتلك الأغنى.

وفي حين تحدد الأسواق العالمية أسعار الطاقة إلى حد كبير، تتخذ الحكومة خياراً سياسياً بالضغط أكثر على ميزانيات الأسر من خلال رفع الضرائب وخفض المزايا.

في أبريل، سترتفع المساهمات في التأمين الوطني بواقع 2.5 نقطة مئوية – سيتحمل صاحب العمل 1.25 نقطة والموظف 1.25 نقطة. وشرائح ضريبة الدخل مجمدة أيضاً عند مستوياتها الحالية. وبالقيمة الحقيقية، يساوي ذلك زيادة ضريبية على العاملين.

ويُقَال إن وزير المالية رفض دعوات إلى خفض ضريبة القيمة المضافة على فواتير الطاقة، وهو خفض كان من شأنه توفير 60 جنيهاً سنوياً على كل أسرة في المتوسط.

ويتمثل أحد الخيارات الأهم التي اتخذها وزير المالية على صعيد السياسات في خفض “الائتمان الشامل”، ما أحدث فجوة في الميزانيات الخاصة بأكثر من خمسة ملايين شخص من ذوي المداخيل الأدنى. وبالمجمل، يسحب هذا الخفض وحده ستة مليارات جنيه من الإنفاق من الاقتصاد.

سيرغب وزير المالية في الزعم بأنه كريم إلى أقصى حد ممكن، لكنه يأخذ بيد أكثر مما يعطي باليد الأخرى.

فمن ناحية أخرى، هو سيخفض الدفعة الإضافية المفروضة على أرباح المصارف في محاولة لجعل القلب التجاري للندن “أكثر تنافسية”.

هناك خيارات أخرى. لقد أعلنت فرنسا أخيراً خطة لإعطاء كثر من مواطنيها الأفقر دفعة لمرة واحدة تساوي 100 يورو (115.55 دولار أميركي) للتخفيف من أثر أسعار الطاقة المتزايدة.

وتشرع الولايات المتحدة في برنامج في مجال الإنفاق والاستثمار التحفيزيين أكثر طموحاً مقارنة بالمملكة المتحدة، وتدرس رفع الضرائب على الثروات (أو، بعبارة أدق، على “الأرباح الرأسمالية غير المحققة”، مثل الزيادات في قيمة الأصول على غرار العقارات وأسهم الشركات).

وتشير استطلاعات الرأي إلى تأييد واسع النطاق في المملكة المتحدة لفرض ضرائب أعلى على الثروات، بيد أن وزير المالية – هو نفسه من كبار أصحاب الملايين – يبدو متردداً في فرضها.

ويقول منتقدو النهج الذي يتبعه (الوزير ريشي) سوناك إن النهج يخاطر بخنق التعافي الاقتصادي المهدد بالفعل بتعطل سلاسل الإمداد العالمية ونقص في العاملين فاقمته الضوابط التي فُرِضت على الهجرة بعد بريكست.

وقال سوناك إنه يريد أن “يوازن الميزانية” بالطريقة نفسها المعتمدة من قبل الأسر.

لكن الحكومة ليست أسرة. فكما أشارت ورقة صدرت هذا الأسبوع عن “مؤسسة الاقتصاديات الجديدة”، في مقابل كل جنيه أنفقه سوناك على إجراءات الدعم في مواجهة الجائحة، مثل برنامج الإجازات المدفوعة، طبع بنك إنجلترا جنيهاً بسهولة. وبالطبع لا تمتلك أي أسرة أداة قوية كهذه.

في هذا السياق، لا منطق على الإطلاق في موازنة الميزانية الحكومية بتدمير ميزانيات ملايين الأسر.

وبالنسبة إلى الشركات التي تعاني، قد يكون تحمل الزيادات في الأجور صعباً، لكن الخطر الأكبر سيتمثل في تراجع الدخل المتاح للإنفاق لدى الزبناء.

إن ما يحتاجه العاملون والشركات في الشكل الأكثر إلحاحاً هو ليس أن تعمد وزارة المالية إلى “موازنة ميزانيتها” بل نمو اقتصادي مستدام وازدهار متزايد يجري تشاركه في شكل أكثر إنصافاً – وهذا شيء تفشل الحكومات في تحقيقه منذ عقود.

© The Independent

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى