تشكّلت «حكومة معاً للإنقاذ» رغم كلّ الخلافات والاختلافات ليس من أجل اجتراح المعجزات، إنّما من أجل عقد الإتفاقات مع صندوق النقد الدولي، وتحقيق بعض الإصلاحات المطلوبة أقلّه في قطاع الكهرباء، ومن ثمّ التحضير للإنتخابات النيابية المقبلة المطلوبة بإلحاح من الداخل والخارج، غير أنّ العراقيل واجهتها منذ اللحظة الأولى من تشكيلها، لا سيما مع ربط الملف القضائي بالقرارات السياسية، ما أدّى لاحقاً الى أحداث الطيّونة، وأخيراً الى افتعال مشكلة تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي «السابقة».
محاولات عدّة تحصل حالياً على أكثر من مستوى لإصلاح أو ترميم علاقات لبنان مع دول الخليج، لا سيما منها السعودية التي لا ترغب في الوقت الراهن بالتواصل مع لبنان وحكومته، ما دام حزب الله، على ما أعلن وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله آل سعود، «مسيطراً على المشهد السياسي»… فرئيس الحكومة نجيب ميقاتي أجرى على هامش مشاركته في «مؤتمر الأمم المتحدة الـ 26 للأطراف في الإتفاقية الإطارية بشأن التغيّر المناخي» الذي عُقد في مدينة غلاسكو في اسكتلندا، سلسلة لقاءات دولية وعربية، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة، كان أبرزها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الداعم الأول لحكومته ولبقائها حتى مواكبة إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي تُشدّد بلاده على ضرورة الحفاظ على الإستقرار في لبنان والمنطقة… فضلاً عن رؤساء مصر وقبرص وأرمينيا ورئيس الوزراء الإيطالي وسواهم… كما التقى ميقاتي أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي أبلغه أنّه سيوفد وزير خارجية بلاده محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الى لبنان الأسبوع المقبل للبحث في السبل الكفيلة بدعم لبنان ولمعالجة الأزمة الخليجية – اللبنانية. وأجرى محادثات مع نظيره الكويتي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح الذي شدّد على حرص بلاده على لبنان وسعيها المستمرّ لدعمه في كلّ المجالات، مشيراً الى أنّ لبنان قادر بحكمته على معالجة أي مشكلة أو ثغرة وسيجد كلّ الدعم المطلوب من الكويت وسائر الدول العربية.
وفي الداخل، تستمرّ الإتصالات التي تُجريها إدارة الخليّة مع بعض الدول المؤثّرة على دول الخليج، كما تنتظر الحكومة، والوزير قرداحي، عودة الرئيس ميقاتي من غلاسكو ليُبنى على الشيء مقتضاه. فالحكومة يجب أن تجتمع وتضع هذه الأزمة على الطاولة، بعد أن قام ميقاتي بجوجلتها مع جميع الرؤساء والمسؤولين السياسيين والإقتصاديين لكي تتخذ القرار المناسب الذي يُرضي السعودية، ويحافظ على سيادة لبنان وكرامته. وأوضحت الأوساط نفسها أنّه حتى الساعة ليس من حلّ نهائي مقترح لمعالجة الأزمة الديبلوماسية ولإعادة فتح صفحة جديدة مع المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي، مثل استقالة قرداحي التي طلبها ميقاتي منه، أو استقالة الحكومة برمّتها، لأنّ مثل هذا الأمر أو ذاك من شأنه أن ينعكس سلباً على عمل الحكومة في المرحلة المقبلة والتي يُفترض فيها أن يكون للبنان حكومة فاعلة ومنتجة وقادرة على إدارة أزماته المتراكمة.
وأشارت الاوساط الى أنّ دول الخارج تتمسّك ببقاء حكومة ميقاتي، وكذلك بعض الدول العربية التي تجد بأنّه قادر على التعامل مع أي مشكلة أو ثغرة قائمة حالياً بين بلاده ودول الخليج، ولهذا فإنّ أي منها لم يطرح مسألة استقالة الحكومة، كذلك شدّد ماكرون على ضرورة الحفاظ على الحكومة التي طال انتظارها من قبل الشعب اللبناني أولاً لإنقاذه من الأزمة الإقتصادية والمالية، كما من قبل المجتمع الدولي لمدّ يدّ المساعدة له.
واعتبرت الأوساط عينها أنّ الإحتشاد الدولي خلال لقاءات ميقاتي في القمّة المناخية، التي ضمّت رؤساء ورؤساء وزراء ونظرائه من دول عدّة، أكّدت على أنّ لبنان ليس متروكاً لوحده في ظلّ الأزمة التي يُواجهها مع السعودية ودول الخليج، وإن كان البعض يرى بأنّ لبنان دخل في عزلة عن بعض الدول العربية، ورأت بأنّ ميقاتي سيعود الى لبنان حاملاً معه مفتاح الخروج من الأزمة لمناقشته مع المعنيين.
ورأت الاوساط بأنّ تشبّث السعودية بموقفها، قد يزيد في الطين بلّة بدلاً من إعادة العلاقات الى طبيعتها، فلبنان لا يريد الدخول في عزلة عن العالم العربي، بل يعمل على وقف التصعيد السعودي والخليجي الذي من شأنه أن يؤثّر سلباً على اقتصاد لبنان المنهار أساساً، والذي كان يحتاج الى يد تنتشله من القعر. فمن أصل الصادرات اللبنانية بقيمة مليار ومئة مليون دولار، يبلغ حجمها الى السعودية بمفردها 240 مليون، وكان من المفترض أن ترتقع هذا العام الى 500 مليون دولار لولا الأزمات المتتالية من قضية الحبوب المخدّرة المهرّبة في الرمّان والآتية من سوريا، الى تصريحات قرداحي التي أثارت استياء السعودية…
وتتساءل المصادر نفسها: لماذا جاءت ردّة الفعل على تصريحات قرداحي بعد توزيره وبعد تشكيل حكومة ميقاتي، ولم تحصل مباشرة عندما صرّح بها منذ أكثر من شهر؟ والإجابة عنه كفيلة بمعرفة حقيقة ما تريده السعودية من لبنان. وأكّدت بأنّ السيادة الوطنية وحفظ كرامات الناس، خط أحمر لا يُمكن للبنان تخطّيهما، أيّاً تكن الحلول المقترحة لإعادة العلاقة اللبنانية – السعودية الى ذات البين.
وترى الاوساط بأنّ المشكلة الكبرى التي تُواجه لبنان اليوم بعد «الأزمة مع السعودية»، هو أنّ التسويات والمصالحات تحصل في المنطقة من دون أن يحفظ لبنان حقّه فيها، بل يبدو أنّه يتمّ تحييده عنها، فيما كان يُطالب بتحييده عن الصراعات والنزاعات في دول المنطقة لكي لا يكون طرفاً الى جانب أي منها ضدّ الطرف الآخر، وليس عن التسويات الإقليمية والدولية، وهذا الأمر لا بدّ من إيجاد حلّ له لكي لا يبقى لبنان خارجها، أو تأتي على حسابه في ظلّ الظروف الراهنة التي يحتاج فيها الى نهوض إقتصادي ومالي وتحسين المستوى المعيشي للشعب اللبناني.