لن يستطيع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أن يستر عن العالم ما يرتكبه من جرائم أو ما يخطط له من أفعال، أقل ما يقال عنها بأنها تصدر من رجل مهووس بالسلطة، لا يرى سوى سفك الدماء وسيلة للوصول للعرش أو للحفاظ عليه. كما أنه لا مشكلة لديه بأن يستخدم أي طريقة، تساعده في القضاء على معارضيه أو منافسيه، أو حتى رؤساء دول لا يتوافقون معه بالآراء. وأبرز طرقه هذه: الخطف والأسر (كما فعل مع الكثيرين من رجال الأعمال في بلاده، وكما حصل مع رئيس حكومة لبنان سعد الحريري في العام 2017)، أو في استخدام التجسس الإلكتروني على الهواتف المحمولة على الرؤساء والشخصيات السياسية المختلفة والصحافيين مثل ما حصل خلال فضيحة “بيغاسوس”، أو من خلال خطف وقتل معارضيه بأبشع الطرق والوسائل كما حصل مع الصحافي “جمال خاشقجي”.
وإن من الأهمية الكبرى استمرار التذكير بحيثيات مقتل “الخاشقجي”، كي ندرك أكثر فأكثر، أن ما حصل منذ أيام في قضية وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، ما هو إلا نذر بسيط من ديدن محمد بن سلمان في التعامل مع المنتقدين قبل المعارضين.
حيثيات الأحداث ما قبل وبعد الجريمة
_ أولاً، الخاشقجي كان منذ زمن بعيد رجل النظام السعودي في المحافل السياسية والإعلامية وحتى الاستخباراتية، خلال كل عهود الملوك الذين مروا على السعودية أقله منذ الثمانينيات. وبالتالي فإن هروبه من بلاده بهذا الشكل وانتقاله للعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، معناه أنه أدرك مدى سوء محمد بن سلمان، ومدى قتامة مستقبل بلاده في عهده.
_ ثانياً، إقدام الخاشقجي على انتقاد بن سلمان من خلال وسائل الإعلام الأمريكية، التي لا يستطيع حجبها او محاولة التحكم بها عبر شراءها (بحدود معينة)، يعني أن الخاشقجي استطاع توجيه ضربة قوية لنظام حكم بلاده من داخل أكثر دولة يهابونها.
_ ثالثاً، تنفيذ جريمة اختطاف الخاشقجي من مكان دبلوماسي وفي بلد أجنبي، ولاحقاً قتله بأسلوب أقل ما يقال عنه بأنه لا يمت للإنسانية بشيء. ومن بعدها محاولة التستر على الجريمة وتجهيل أحداثها، بل وابتزاز أولاد الخاشقجي عبر قرض السكوت عليهم. كل هذه الأمور تؤكد بأن محمد بن سلمان لن يتورع عن اضطهاد مواطنيه بأي طريقة ومهما كلفت من كسر قواعد دولية وقيم إنسانية.
رابعاً، اتباع العديد من الخطوات لصرف الأنظار عما جرى، منها المشاركة بعد 22 يوم تقريباً، في مؤتمرات عامة واستضافة شخصيات دولية في البلاد. كما حصل في مؤتمر الاستثمار، حينما استضاف رئيس حكومة لبنان الأسبق سعد الحريري مرة أخرى (لكن هذه المرة من دون تعرض بالضرب له والتعذيب) وإشاعة جو من المزاح عبر التعليق علناً عن اشاعات باختطاف الحريري.
لذلك فإن كل الحديث عن وجود أحقية للسعودية، في فرضها العقوبات على لبنان وقطع العلاقات الدبلوماسية معه، تؤكد لنا أن ما يحصل الآن هو أفضل بكثير، مما لو كان اللبنانيين فعلاً تحت الهيمنة المباشرة لها، وإلا للقوا مصير الخاشقجي بأغلبيتهم لربما!!!
الكاتب: غرفة التحرير