بولا مراد-الديار
لم تنجح كل الاتصالات واللقاءات التي يعقدها رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي على هامش مشاركته في مؤتمر الامم المتحدة بشأن التغيّر المناخي في مدينة غلاسكو في اسكتلندا، بفتح اي افق لحل الازمة المستجدة بين لبنان ودول الخليج. وجاء بيان وزارة خارجية البحرين يوم أمس التي دعت فيه جميع مواطنيها الموجودين في لبنان إلى «ضرورة المغادرة فورا، نظرا لتوتر الأوضاع هناك، مما يوجب أخذ الحيطة والحذر»، ليؤكد ان التأزم متواصل وان المسؤولين اللبنانيين لم ينجحوا رغم استنفارهم لمعالجة الازمة بتجميدها، حتى انها متجهة الى مزيد من التعقيد لا الحلحلة.
لا تعهدات فرنسية – اميركية
واتجهت الانظار في الساعات الماضية الى اللقاء الذي عقده ميقاتي مع وزير الخارجية الاميركية أنطوني بلينكن من منطلق ان معظم القيادات اللبنانية وصلت الى قناعة بأن اي خطوات ستتخذها لن تكون كفيلة برأب الصدع مع الرياض. اذ تقول مصادر رسمية لبنانية لـ»الديار»: «لو كانت استقالة الوزير قرداحي تحل الازمة لأقدم عليها دون تردد… لكن الاشارات التي تصلنا تؤكد انها ستكون دون نتائج تذكر، لذلك يفترض الانكباب على طلب مساعدة دولية وبالتحديد أميركية – فرنسية لحل الازمة، ومن هنا كان اصرار الرئيس ميقاتي على لقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كما الوزير بلينكن، وان كان الرجلان لم يتعهدا بأي شيء واكدا ان بلديهما سيبذلان كل الجهود اللازمة لمساعدة لبنان».
وتضيف المصادر: «ننتظر ما ستؤول اليه نتائج الاتصالات الدولية مع الرياض وعودة الرئيس ميقاتي لنبني على الشيء مقتضاه، من دون ان يعني ذلك اننا لن نتجاوب اذا كانت استقالة ميقاتي ستأتي بحد ادنى من النتائج».
بعد الانتخابات كلام آخر!
واعلن مكتب ميقاتي انه وخلال الاجتماع الذي جمعه ببلينكن اكد الاخير «دعم استمرار جهود الحكومة في اعادة الاستقرار وتحقيق التعافي الاقتصادي والمفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي وصولا الى تنظيم الانتخابات النيابية». كما اكد «مواصلة دعم الجيش والقطاعات التربوية والصحية والبيئية». ونقل «الاهمية والعاطفة الخاصة التي يكنّها الرئيس بايدن للبنان ولاستقراره وتعافيه، تمهيدا لنهوضه من جديد». بدوره عرض ميقاتي مقاربة الحكومة لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في لبنان رغم الظروف الصعبة على الصعد كافة. كما عرض التحضيرات الحثيثة لاطلاق الخطة الاقتصادية وبدء التواصل مع صندوق النقد الدولي، طالبا دعم الولايات المتحدة لهذا المسار.
كذلك تحادث الرئيس ميقاتي مع رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون بشأن العلاقات الثنائية بين لبنان والمملكة المتحدة والدور البريطاني في دعم لبنان، لا سيما في عملية النهوض الاقتصادي.
وكان لميقاتي لقاءات اخرى مع عدد كبير من رؤساء الدول والمسؤولين الدوليين ابرزها مع رئيس مجموعة البنك الدولي دايفيد مالباس بحيث تمت مناقشة مختلف المشاريع التي يعمل عليها البنك في لبنان لا سيما في قطاع الطاقة والكهرباء وتأمين شبكة الحماية الاجتماعية. كما تمت مناقشة آليات تمويل جديدة واضافية سوف يجري التشاور بشأنها في المرحلة المقبلة.
وقالت مصادر سياسية مطلعة على الحراك اللبناني والدولي الحاصل ان «احتمالات تحقيق خرق في جدار الازمة تبدو ضئيلة جدا ويبدو الافق مسدودا حاليا، ما يحتم علينا كلبنانيين التعامل مع الامر الواقع ومحاولة امتصاص تداعيات الازمة والاستفادة من التعاون الاميركي – الفرنسي الذي سيستمر حتى آذار المقبل باعتبار ان كل ما يعني باريس وواشنطن حاليا الحفاظ على حد ادنى من الاستقرار السياسي والامني في لبنان لضمان اجراء الانتخابات النيابية، اما بعد ذلك فلكل حادث حديث».
القطيعة لا المذلّة
وواكب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حركة ميقاتي بالخارج، وفداً من لجنة العلاقات مع بلدان المشرق في البرلمان الأوروبي برئاسة عضو البرلمان ايزابيل سانتوس وعرض معه للأوضاع الراهنة في البلاد والتحضيرات الجارية للإنتخابات النيابية وملف التدقيق المالي الجنائي. وأكد عون أن «الحكومة ماضية في تحضير عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي على خطة النهوض الاقتصادي». وأضاف «معالجة الخلاف الذي نشأ مع المملكة العربية السعودية وعدد من دول الخليج مستمرة على مختلف المستويات على أمل الوصول الى الحلول المناسبة». وقال «التحضيرات قائمة لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها في أجواء من الحرية والشفافية». من جانبها، دعت رئيسة الوفد الى تفعيل عمل الحكومة من أجل تعزيز الإصلاحات ومحاربة الفساد، مضيفة «نشدد على اجراء الانتخابات النيابية والتحقيق في انفجار مرفأ بيروت».
من جهته، أكّد النائب طوني فرنجية، أنّ «تيار «المردة» يضع المصلحة الوطنيّة قبل كلّ شيء، لذلك لو رأى أنّ استقالة وزير الإعلام توقف الأزمة ولو أنّه لم يخطئ، كان سيتشاور معه ربّما، علمًا أنّ قرداحي غير ملتزم بالتيّار ويتمتّع باستقلاليّة في الأداء والرّأي». وقال: «إذا كان المطلوب إضافة المذلّة فوق الجراح، بمعنى استمرار القطيعة بكلّ الأحوال أكان مع استقالة أو من دونها، فنحن نفضّل القطيعة لا المذلّة، ونحن إلى جانب قرداحي في كلّ ما يفعله»، لافتًا إلى أنّ «الاستقالة هي أهون الشرور، وبإمكاننا الانسحاب والتفرّج، إلّا أنّ المصلحة الوطنيّة تقود موقفنا الّذي لا يفترض أن يكون ضعيفًا وجبانًا حتّى يخدم لبنان . فمن يخضع مرّة يخضع مئة مرّة، ونحن أصبحنا عرضة للابتزاز لأنّنا لا نتصرّف كدولة واحدة بتعاضد».
آلاف العائلات مهددة
في هذا الوقت، تضاعفت المخاوف على الوضع الاقتصادي، اذ يؤكد خبراء اقتصاديون ان القطيعة مع السعودية ستؤدي لخسارة لبنان اكثر من 220 مليون دولار سنويا، وهذا الرقم سيتضاعف مرات ومرات في حال اتخذت باقي دول الخليج نفس الاجراءات السعودية وبخاصة لجهة وقف الاستيراد من لبنان. وفي هذا السياق رفعت الهيئات الاقتصادية الصوت عاليا وزارت بكركي يوم امس منبهة من انه «ونتيجة الازمة، الاف العائلات مهددة مباشرة، لان هناك مصانع قائمة بلبنان بحد ذاتها وجهتها الحصرية باتجاه المملكة والخليج، اضافة الى ذلك هناك استيراد لمواد اولية لا تأتي الا من السعودية وايضا توقفت. هذا عدا السياحة والتجارة والزراعة التي كانت اساسا متأثرة بذلك».
البيطار: لن أتراجع!
قضائيا، التقى المحقق العدلي القاضي طارق البيطار في مكتبه في قصر العدل، يوم امس وفدا من أهالي شهداء فوج إطفاء بيروت. ونقل عن المحقق قوله خلال اللقاء «لن أتراجع عن ملف مرفأ بيروت إلا إذا تم إستبعادي بالسبل القانونية المتاحة.» وأكّد البيطار للأهالي على أنه يتابع التحقيق بكل جوانبه بالتوازي و»إن مسألة الإستنسابية غير صحيحة فالتحقيق يستدعي كل من وصلت إليه مراسلة حول ملف المرفأ واطلع عليها». وتابع إن «بعض المدعى عليهم قرروا إتهامي بمعالجة جانب واحد من الملف مؤكدًا على أن هذا الأمر غير صحيح كما أنه لا يمكن الكشف عن التحقيق لأنه سري.»
وأضاف: «إن الضغوطات أو التهديدات لن تدفعني للعودة إلى الوراء.»