لم يكن تصريح وزير الإعلام جورج قرداحي، قبل تولّيه من منصبه الرسمي، هو السببب الأساسي للخطوات التي قامت بها المملكة العربية السعودية بعد ذلك، نظراً إلى أن المواقف التي أطلقها سبق أن تفوهت بها العديد من الشخصيات المحلّية (كرئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” النائب السابق وليد جنبلاط) والدولية (كوزير الخارجية القطرية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني)، بالإضافة إلى شخصيات أخرى قد تكون في مواقع أكثر أهمية.
الإشارة إلى تصريح كل من رئيس “الإشتراكي” ووزير الخارجية القطري، تحديداً، يعود إلى أنّ موقفهما، بعد الأزمة الحاليّة، جاءت متناقضة، الأمر الذي من المفترض أن تطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام، إلاّ أنّ الأساس يبقى ما تريده الرياض من الساحة اللبنانية، لا سيّما أنها تعتمد، تقريباً من العام 2017، سياسة الإنسحاب منها.
في جميع المواقف السعوديّة، سواء الرسميّة أو التي تأتي على شكل تسريبات إعلامية، رغبة بأن يذهب اللبنانيون، أولا على الأقل حلفائها، نحو صدام مع “حزب الله”، بحسب ما تؤكد مصادر سيّاسية متابعة لـ”النشرة”، وهو ما عبّر عنه وزير خارجيّتها فيصل بن فرحان خلال مؤتمر باريس في شهر آب الماضي، أيّ حتى قبل أن تولد الحكومة الحالية، نظراً إلى أن الرياض تحمّل الحزب مسؤوليّة كل ما يحصل في لبنان.
هذا الواقع، كانت قد عبرت عنه المملكة، لدى بحث الأزمة معها من جانب كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا خلال مرحلة تكليف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، حيث رفضت التجاوب مع أيّ رغبة في مساعدة لبنان، إنطلاقاً من القراءة التي لديها لمسار الأحداث فيه، حيث الأولوية لديها هي سياسية بالدرجة الأولى مهما كان الثمن، حتى ولو أدّى ذلك إلى إنهيار الأوضاع بشكل كامل.
في هذا السياق، تشير المصادر نفسها إلى أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، المستند على دعم أميركي وفرنسي، كان يراهن على قدرة هاتين الدولتين على تبديل الموقف السعودي، لكنه سريعاً تبلغ، عبر باريس، أنّ هذا الأمر غير وارد في الوقت الراهن، وبالتالي عليه العمل من دون الضوء الأخضر الذي كان ينتظره الحريري، الّذي إختار الإعتذار عن التأليف على تشكيل حكومة لا تحظى بمباركة الرياض.
بعد إنطلاقة الحكومة في العمل، لم تتردد الرياض في إرسال أكثر من رسالة سلبيّة، خصوصاً عبر وسائل الإعلام الّتي تدور في فلكها، وصولاً إلى إنفجار الأزمة التي سببتها تصريحات قرداحي، مع العلم أنّ ما عبّر عنه كان من الممكن أن يمرّ مرور الكرام، لا سيما أنه لم يكن حينها مسؤولاً رسمياً، لكن السعودية، على ما يبدو، أرادت من هذه الأزمة أن تكون بوابتها نحو العودة إلى لبنان، بطريقة مختلفة عن الماضي، وهو ما عبّر عنه بيان قطع العلاقات الدبلوماسية الصادر عنها.
من وجهة نظر هذه المصادر، الرياض تدرك، قبل أيّ فريق آخر، أنّ ما تطالب به ليس هناك من أفرقاء قادرين على تنفيذه، خصوصاً في ظلّ مواقف الحريري وجنبلاط المعروفة، لا سيما أنّهما إختبرا في الماضي تجربة أحداث السابع من أيار من العام 2008، إلا أنّ هذا لا يمنعها من الذهاب إلى التصعيد، على أمل أن يظهر من هو على إستعداد لتولي المهمة أو المغامرة، بالرغم من المطبّات الكثيرة التي تواجهها، لا سيما على مستوى الموقفين الأميركي والفرنسي.
في المحصّلة، الأساس يبقى الموقف الذي سيتّخذه رئيس الحكومة، بعد عودته إلى لبنان، نظراً إلى أنّ موقف وزير الإعلام بات واضحاً، لناحية عدم المبادرة إلى تقديم استقالته من منصبه، في ظلّ الدعم الّذي يحظى به من قبل العديد من الأفرقاء، مع العلم أن الرياض باتت تتعاطى مع لبنان على أساس أنه ورقة تفاوضيّة لا ساحة نفوذ مباشر.