كتبت نجلاء حبريري في الشرق الاوسط:
قبل قرابة 250 عاماً، وضع العالم البريطاني جيمس وات من غلاسكو أُسس الثورة الصناعية، عبر اختراعه آلة تكثيف البخار باستخدام الفحم. وها هم قادة العالم يجتمعون اليوم في المدينة نفسها، لبحث سبل تخفيض الانبعاثات الدفيئة ومنع تجاوز ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.5 درجة بالمقارنة مع عصر ما قبل الصناعي.
بهذه الصورة دشن رئيس الوزراء البريطاني أعمال «قمة القادة» في مؤتمر المناخ، وحث قرابة 120 زعيماً وقائداً مجتمعين في غلاسكو إلى اغتنام «الفرصة الأخيرة».
ودعا بوريس جونسون إلى وضع أسس “ثورة صناعية خضراء، تخلق بالفعل ملايين الوظائف، ذات الأجور والمهارات العالية (…) وتدفع اقتصاداتنا إلى الأمام”، وشدد: “دعونا نفعل ما يكفي لإنقاذ كوكبنا وطريقة حياتنا”. وفيما قال جونسون إن «القمم وحدها لا تحل مشكلة تغير المناخ»، إلا أنه دعا إلى أن يكون مؤتمر “كوب 26” “بداية نهاية” هذه الظاهرة.
وتُعد قمة “كوب 26” حاسمة لحصر ارتفاع درجات الحرارة العالمية بحدود 1.5 درجة، وتطبيق ما التزم به العالم في اتفاق باريس الذي أُبرم عام 2015.
وقال رئيس الوزراء البريطاني بلغة تتخللها المقارنات الطريفة، إنه “في السنوات التي تلت قمة باريس، بنى العالم بجهد وألم كبيرين قارب نجاة للبشرية، والآن حان الوقت لإعطاء قارب النجاة دفعة قوية، مثل بعض السفن الكبرى التي تسير في ممرات نهر كلايد”، في إشارة إلى ثاني أطول نهر في اسكوتلندا.
ولم يُخف جونسون قلقه من تداعيات فشل القمة، وحذر من غضب شعبي “لا يمكن احتواؤه” في حال فشل مؤتمر “كوب 26”. وحذر قادة العالم من مواجهة “حكم قاسٍ” من الأجيال القادمة في حال لم يتحركوا بشكل “حازم”. ورجح أن “غضب ونفاد صبر العالم لن يكون من الممكن احتواؤه، إلا إذا جعلنا مؤتمر “كوب 26″ في غلاسكو اللحظة التي ننتقل فيها إلى (العمل الجدي) بشأن التغير المناخي»، مشيراً إلى القطاعات الأربعة التي تركز عليها حكومته، وهي «الفحم والسيارات والمال والأشجار”.
– السيناريو الأسوأ
وانعكس طقس غلاسكو الغائم على الكلمات الافتتاحية للقمة، إذ اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه رغم الالتزامات المناخية التي قدمتها الدول، فإن العالم يتجه نحو “كارثة مناخية”. ودعا غوتيريش عشرات القادة المجتمعين في “المنطقة الزرقاء” بغلاسكو إلى “إنقاذ البشرية” عبر مواجهة التغير المناخي، و”وقف حفر قبورنا بأيدينا”. وقال: “لقد آن الأوان للقول كفى”، واختيار “إنقاذ مستقبلنا وإنقاذ البشرية”. وأضاف “كفى لانتهاك التنوع البيولوجي. كفى لقتل أنفسنا بالكربون. كفى للتعامل مع الطبيعة كمكب قمامة. كفى للحرق والحفر والاستخراج على أعماق أكبر. إننا نحفر قبورنا بأنفسنا”. ورأى غوتيريش أنه رغم الالتزامات الوطنية بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، فإن العالم يتجه نحو كارثة. وأوضح “حتى في أفضل السيناريوهات، سترتفع درجات حرارة الأرض فوق درجتين”.
– “فرصة رائعة”
لم يكن كل القادة بالإحباط نفسه، بل إن بعضهم بدا متفائلاً، وإن كان بحذر، بالفرص الاقتصادية “الرائعة التي تتيحها مكافحة التغير المناخي، كما ذكر الرئيس الأميركي. وقال جو بايدن: “وسط الكارثة المتنامية، أرى أن هناك فرصة رائعة، ليس فقط للولايات المتحدة وإنما لنا جميعاً». واعتبر أن اعتماد الطاقة الكهربائية للنقل ونصب ألواح للطاقة الشمسية وتوربينات لطاقة الرياح «يولد وظائف جيدة وعالية الدخل، للعمال الأميركيين”.
في المقابل، حذر الرئيس الأميركي الذي يسعى لتأكيد التزام أميركا بمكافحة التغير المناخي، واستعادة دورها القيادي في الساحة الدولية، من أن الاستمرار في الطريق الذي يسلكه العالم يضر بالاقتصاد. وقال إن دول العالم تقف اليوم عند “نقطة تحول”، مضيفاً “لدينا القدرة على الاستثمار في أنفسنا وبناء مستقبل عادل، مستقبل من الطاقة النظيفة، واستحداث ملايين الوظائف جيدة الدخل». واستطرد قائلاً: «نجتمع والتاريخ يراقبنا. كل يوم نماطل فيه، تزداد كلفة التقاعس. فلتكن إذاً هذه اللحظة التي نستجيب فيها لنداء التاريخ، هنا في غلاسكو”.
وأكد الرئيس الأميركي، الذي انسحبت بلاده في السابق من بروتوكول كيوتو واتفاق باريس للمناخ، إنه ملتزم بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 50 في المائة بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2005، وقال إنه مصمم “ليثبت للعالم أن الولايات المتحدة لم تعد إلى طاولة المفاوضات فحسب، بل نأمل في أن تقود بقوة نموذجنا”. وتابع قائلاً: “أعلم أن الأمر لم يكن كذلك، ولهذا السبب تعمل إدارتي لإظهار أن التزامنا بالمناخ يقوم على الأفعال لا الأقوال”.
– تكلفة التقاعس
ضم ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز صوته إلى صوت بايدن، وحث المجتمعين في غلاسكو على تجاوز خلافاتهم والعمل معاً، لأن “الوقت قد نفد بالفعل”. وقال الأمير تشارلز إن حجم الكارثة التي يواجهها العالم سيُكلف “تريليونات، وليس مليارات الدولارات”، محذراً من أن تكلفة التقاعس في اتخاذ القرارات اللازمة “أكبر بكثير” من تكلفة الوقاية.
وشدد الأمير تشارلز على ضرورة تعاون دول العالم في مواجهة تغير المناخ، وانخراط جميع قطاعات الصناعة في هذه الجهود، وقال: «في الوقت الذي نتعامل فيه مع هذه الأزمة، لا يمكن أن تكون جهودنا سلسلة من المبادرات المستقلة التي تعمل بالتوازي. يستدعي حجم ونطاق التهديد الذي نواجهه حلاً عالمياً على مستوى الأنظمة، يعتمد على التحويل الجذري لاقتصادنا الحالي القائم على الوقود الأحفوري إلى اقتصاد متجدد ومستدام حقاً». وتابع: «أناشد اليوم دول العالم لتعمل معاً على تهيئة بيئة تمكن كل قطاع من قطاعات الصناعة من اتخاذ الإجراءات المطلوبة».
– 100 مليار سنوياً
تواجه الحكومات ضغوطاً لمضاعفة التزاماتها بخفض الانبعاثات لجعلها تتماشى مع أهداف اتفاق باريس، وتوفير الأموال التي وعدت بها منذ فترة طويلة لمساعدة الدول النامية على تخضير اقتصاداتها وحماية نفسها من الكوارث المستقبلية. ودعا الرئيس الفرنسي في هذا السياق، الدول التي تسجل أكبر انبعاثات لثاني أكسيد الكربون والمتأخرة في التزاماتها
“برفع طموحاتها خلال الأيام الخمسة عشر” لمؤتمر “كوب 26”.
وطالب إيمانويل ماكرون في خطابه أغنى الدول وأكثرها تسبباً في التلوث، بالمزيد من الطموح، معتبراً أن هذه هي الطريقة الوحيدة “لإعادة المصداقية لاستراتيجيتنا” والتمكن من إبقاء الاحترار العالمي في إطار المستويات المستهدفة. كما دعا ماكرون الدول الغنية التي تأخرت في المساهمة بحصتها في دعم الدول النامية بـ100 مليار دولار سنوياً، إلى التحرك وتقدم التمويل على الفور.