الحدث

التمسك بصداقات لبنان العربية والدولية

د. نعمة جعجع -اللواء

بعد مخاضٍ عسير وُلدت الحكومة فاعتبرها اللبنانيون أقل من حكومة حلّ وأكثر من حكومة إدارة أزمة، وفي أفضل الأحوال بطاقة دخول إلى الحلّ الشامل. لكنها تعثّرت في خطواتها الأولى وحوصرت فغابت جلسات مجلس الوزراء بفعل الأزمات المتتالية بَدءًا بذيول انفجار مرفأ بيروت والدماء البريئة التي سالت هناك، إلى مُصارعة المحقق العدلي طارق البيطار،  وحادثة الطيونة المشؤومة التي سالت فيها دماء لبنانية، وصولًا إلى «أم الأزمات» التي وضعت لبنان في عين العاصفة بمواجهة إخوانه الخليجيين والعرب، والتي لا بدّ من الإسراع في معالجتها بوعي ومسؤولية بعيدًا عن المعاندة وتوسيع دائرة الصراع، لأن لبنان ما كان يومًا تصادميًا بل من مؤسّسي الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وحركة دول عدم الانحياز.
ما جرى يؤكد أن «القلوب بعدها مليانة»، وأي حل تُنتجه النفوس المحتقنة يشبه السارق الذي يأتي في منتصف الليل ويختفي قبل أن يمسكه أحد، وكلُّ حلّ يُفرض بالقوة أو العنف ليس حلًا، ونستذكر هنا البابا الطوباوي بولس السادس الذي قال في إحدى رسائله «إن كلّ حلّ بالعنف يكون مرفوضًا، وكل حلّ مرفوض لا يكون دائمًا». صحيح أن أمور كثيرة بحاجة إلى التغيير، وأشياء كثيرة يجب اقتلاعها من جذورها ومن بينها الفساد والرشوة وصرف النفوذ، لكنّ آخر المطلوب فرض الحلول بالقوة أو العنف أو إثارة النعرات او المسّ بكرامة أي لبناني أو عربي، خَشيَة الإضرار بأبرياء لا ذنب لهم على الإطلاق ولا شك أن هؤلاء يفضّلون أن يُبقَوا على مصائبهم على أن يُصبحوا في جهنم.
دروسُ لبنان المستفادة من تاريخه تُظهر انعكاس الصراع الدولي على تِركة الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمّية الأولى ونتج عنه نشوء دولة لبنان الكبير عام 1920، وانعكاس الصراع الفرنسي الإنكليزي في نهاية الحرب العالمية الثانية على لبنان لجهة قيام دولة الإستقلال عام 1943. واليوم تتأجّج الصراعات الدولية وتبلغ من الحماوة ما يؤشر إلى انعكاسات جديدة على لبنان لن تكون في مصلحته بالتأكيد ما لم يخرج الجميع من دائرة العنف والإستقواء لتصبح المقاييس الوطنية موحّدة ونستعيد الإرادة الوطنية الجامعة.
القوى السياسية كلها مُطالبة بتغليب الوعي والحكمة على الإنفعال والتراشق، والتمسك بصداقات لبنان العربية والدولية لأن الحكومة أصبحت مثل حَكَم قضائي مع وقف التنفيذ، وإذ ذاك يسلَم لبنان من المخاطر التي تهدّده، وإلا فلن يعود بوسعنا إلّا أن نقول «على دولة لبنان السلام».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى