حسن فحص|المدن
هل اقترب التباين في المواقف بين موسكو وطهران حول المفاوضات النووية من مستوى لم يعد الجانب الروسي قادرا على مماشاة الصديق الايراني في موقفه السلبي من المسار التفاوضي والجولات الست التي جرت في فيينا قبل اشهر ووصلت الى مرحلة متقدمة ونهائية، ولم يبق سوى الحصول على موقف واضح من المرشد الاعلى للنظام لاعلان اعادة احياء الاتفاق والعودة الى طاولة التفاوض.
الموقف الذي اعلنه وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبداللهيان واعتبر فيه ان مفاوضات فيينا وجولاتها الست وصلت الى طريق مسدود، هو موقف يدخل في محاولة التفتيش عن مخارج للتصرفات التي قامت بها طهران خلال الاشهر الماضية، وعدم حسم موقفها من النتائج التي وصلت اليها المفاوضات، تارة بذريعة اقتراب الانتخابات الرئاسية، وتارة اخرى بذريعة انتظار تشكيل الحكومة الجديدة، وطورا بذريعة تحديد الجهة التي ستتولى مهمة التفاوض بين وزارة الخارجية والمجلس الاعلى للامن القومي، ومرة اخرى لمعرفة الفريق الذي سيقود هذه المفاوضات من الادارة الدبلوماسية.
مسارعة المندوب الروسي الدائم في الامم المتحدة وعضو الفريق المفاوض في مجموعة 4+1 مخائيل اوليانوف للرد على تصريحات الوزير الايراني، وتكذيب ما قاله عن الطريق المسدود الذي وصلت اليه المفاوضات، يكشف عن تململ روسي واضح من التصرفات الايرانية التي تسعى لتسويغ ما قامت به في المرحلة الماضية. خصوصا وان المفاوضات التي قام بها المساعد السياسي لوزير الخارجية والمكلف بملف التفاوض النووي علي باقري كني بعد اجتماعه مع رئيس الاتحاد الاوروبي في بروكسل وصلت الى نتائج ايجابية مشجعة. واجبرت المفاوض الايراني على وضع حد للتلاعب الايراني في تحديد موعد للعودة الى طاولة التفاوض حتى نهاية شهر تشرين الثاني نوفمبر/ المقبل، والتخلي عن لعبة الحديث عن “العودة القريبة”، والتي تساءل عنها المندوب الروسي اوليانوف طالباً من الدبلوماسيين الايرانيين تحديد مفهوم “باسرع وقت؟”.
الاحداث التي يشهدها المحيط الجيوسياسي لايران وما يمكن ان تحمله من تحديات للنظام في طهران، قد تكون ذات طابع سلبي، هي التي دفعت القيادة الايرانية للنزول عن حصان التصعيد والتشبث بموافقها، والبحث عن مخارج تساعد في التهدئة والتوصل الى حلول بالحد الادنى من الاضرار. وهو مسار بدأ بالتبلور في التعامل مع الازمة الاذربايجانية لانهاء حالة الاحتقان والتصعيد التي سيطرت على طرفي الحدود خلال الشهر الماضي وكادت تتحول الى مواجهة عسكرية. وهذا المسار شمل ايضا الازمة الافغانية وظهر في التوجه الذي تبناه مؤتمر وزراء خارجية دول الجوار الافغانستاني الذي عقد في طهران قبل ايام تحت عنوان مجموعة 6+1 بمشاركة روسية، وشكل اعترافا ضمنيا بسلطة وحكومة الامارة الاسلامية لحركة طالبان، وبان الانتقال الى الاعتراف الرسمي رهن بتجاوب طالبان بتشكيل حكومة تضمن مشاركة جميع مكونات المجتمع الافغاني القومية والمذهبية والدينية. وهي خطوة قد تكون طهران قد اجبرت على اللجوء اليها، حفاظا على مصالحها مع شركاء استراتيجيين مثل روسيا والصين وباكستان الذين يدفعون لاستيعاب المتغير الافغاني مع طالبان والتوصل الى تفاهمات مع هذه الحركة تقطع الطريق على تحويل منطقة اسيا الوسطى الى فوضى وساحة نفوذ للتنظيمات الارهابية التي تهدد امنها ومصالحها.
الذهاب الى بروكسل، والليونة الايرانية في موضوع العودة التفاوض، لم يكن ايضا بعيدا عما تشهده الساحة العراقية من تطورات نتيجة الانتخابات البرلمانية التي قلبت المعادلة السياسية لصالح قوى لا تدور في الفلك الايراني، ووضعت الدور الايراني امام تحدي التعامل مع هذا المستجد، خصوصا بعد الهزيمة التي لحقت بالقوى والفصائل الموالية لها.
والطريق الى بروكسل فرضته ايضا التطورات التي شهدتها الساحة اللبنانية والارباك الذي يواجهه حليفها الاساس في الاقليم حزب الله بعد الاحداث الاخيرة، وامكانية انزلاق الاوضاع الى مناطق لا يرغب بها خصوصا وان المحور الايراني ينتظر مرحلة القطاف السياسي الذي طالما اكد امين عام الحزب على اقتراب موعده.
ومن ناحية اخرى، فالرسائل السعودية الى القيادة الايرانية كانت واضحة حول تطبيع العلاقات الثنائية والخروج من حالة التوتر بين البلدين، وارتباطها بنتائج جهود اعادة احياء الاتفاق النووي وعودة طهران الى طاولة التفاوض في فيينا. وهو موقف عبر عنها التريث السعودي في اعلان افتتاح قنصليتها في مدينة مشهد الايرانية بالتزامن مع افتتاح القنصلية الايرانية في مدينة جدة، الذي كان من المفترض اعلانه الاسبوع الفائت. وقد يدخل التطور الاخير على الساحة اللبنانية والموقف التصعيدي السعودي بعد تصريحات وزير الاعلام اللبناني حول الازمة اليمنية التي تشكل حساسية عالية للرياض لجهة الدور الايراني الواضح فيها، في صلب الموقف السعودي الذي يحرم ايران من تحقيق خرق في الحصار الاقليمي والعربي الذي تعاني منه، والذي تسعى لتوظيفه لتفكيك الضغوط الامريكية ضدها.
هذه التطورات والاقليمية والدولية التي فرضت الملف الايراني مادة على طاولة اللقاءات التي يعقدها الرئيس الامريكي جو بايدن مع القيادات الفرنسية والالمانية والبريطانية على هامش قمة روما، بالاضافة الى رغبة الحليفين الروسي والصيني بحسم الموقف واعادة اطلاق المسار التفاوضي، فضلا عن استمرار الازمة الاقتصادية الخانقة وضياع الفرص امام النهوض بالاقتصاد الايراني ساهمت في اجبار الطرف الايراني على التخلي عن صراعاته الداخلية والوصول الى قناعة بان المجال بدأ يضيق امام امكانية ترميم هذا الاقتصاد والوضع الداخلي، فضلا عن امكانية استيعاب تداعيات المتغيرات الاقليمية، ودفعت باقري كني المفاوض الايراني الرافض لمبدأ التفاوض، للتفتيش عن مخرج يبتعد عن الارث الذي وصل الى الحكومة الجديدة من الرئيس السابق حسن روحاني ووزير خارجيته وفريقه المفاوض، يعيده الى طاولة التفاوض، ويعلن تحقيق الانجاز النهائي التفاوضي وتسجيله باسمه حتى وان كان استكمالا لما توصل اليه سلفه عباس عراقتشي قبل اربعة اشهر في فيينا.