أثار الهجوم السيبراني الأخير الذي شنه كيان الاحتلال على محطات وقود إيرانية ردة فعل في الأوساط الإسرائيلية التي اعتبرت ان “قلة حيلة إسرائيل” حيال تغيير أي بند في الاتفاق النووي دفعها لارتكاب بعض الحماقات التي لن تغير أيضاً باستراتيجية الولايات المتحدة تجاه إيران وأولها العودة إلى الاتفاق.
صحيفة يديعوت أشارت في مقال لها إلى ان “النتيجة واضحة: إيران هي التي ستقرر إذا ومتى ستعود إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة، التي تكاد تستجديها للعودة والحديث” مؤكدة على ان “عقوبات ترامب لم تخضع إيران؛ فلماذا يعتقد أحد ما بأن طوابير الوقود ستفعل هذا؟”.
النص المترجم:
ثمة نبأ بالصفحة الأولى في “هآرتس” بشر بأن “إسرائيل حددت هدفاً جديداً في إيران”، جودة حياة الطبقة العليا، “قشدة طهران”، على حد قول مصدر سياسي رفيع، أكد (أي سرب بفخر) السياسة الجديدة. ارتبط النبأ بمنشورات عن هجمة سايبر ضربت كل محطات الوقود في إيران ونسبت لإسرائيل عن حق أم عن غير حق، لا أدري. الطوابير على الوقود، وفق منطق المصدر السياسي الرفيع، ستدفع “القشدة” للضغط على النظام للتراجع عن البرنامج النووي، ويأتي الخلاص لصهيون.
لم يحظَ النبأ بأي صدى جماهيري، إذ ليس هناك نقاش حقيقي حين يصل الأمر إلى إيران. ولكن فيه كل عناصر السخافة الإسرائيلية المتواصلة في الموضوع الإيراني، وفي المواضيع الأمنية بالعموم: نزعة قوة تحت غطاء الذكاء، وغرور الإدمان على عملية تكتيكية وابتكارات تكنولوجية، بينما الوضع الاستراتيجي آخذ في التدهور. بهذا المفهوم، تبدو الحكومة الحالية استمراراً لعهد نتنياهو، والنتيجة واضحة: إيران هي التي ستقرر إذا ومتى ستعود إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة، التي تكاد تستجديها للعودة والحديث؛ وإيران هي التي ستقرر إذا ومتى ستكون لها قنبلة نووية، والتي هي تهديد وجودي على إسرائيل.
نبدأ من انعدام الجدوى: لماذا يفترض أحد ما بأن سيكون هناك “ضغط من القشدة؟” فالجمهور الإسرائيلي لا يقل دلالاً عن النخبة الإيرانية. ولكن إذا ما شلت أي عملية سايبر ذكية من إيرانيين أو فلسطينيين آلة قهوة في شمال تل أبيب، فسيكون هناك احتجاج ضد سياسة إسرائيل في المناطق، ومثل هذا النوع من الضغط، الذي يتماثل علناً مع جهة خارجية معادية، يدفع الناس للتكاتف معاً، خصوصاً في إيران، الدولة ذات الإحساس التاريخي، والعزة الوطنية، والنظام ذي العينين المفتوحتين ويده ثقيلة. عقوبات ترامب لم تخضع إيران؛ فلماذا يعتقد أحد ما بأن طوابير الوقود ستفعل هذا؟
نواصل الغرور: أي دولة أخرى في العالم تسمح لنفسها بسلوك كهذا، بل وتتباهى به في تسريبات للصحافة. تلك الدولة التي باسم التهديد الوجودي عليها (وكل شيء عندنا نعتبره تهديداً وجودياً) تهاجم كل من تريده في أرجاء الشرق الأوسط. بل إن لهذا اسماً لامعاً-المعركة ما بين الحروب.
أنا مع استخدام القوة عند الحاجة، ولكن أمراً كهذا لا يحقق شيئاً بهذه الطريقة، بل يعطي أعداءنا الرخصة ليردوا بقوة بل ويتقدموا إلى إنجاز حقيقي. تماماً، مثلما في “حارس الأسوار”، حين سجلت حماس لنفسها نجاحات هائلة في مستوى السياسة والوعي، وأسقطنا مباني، وروينا لأنفسنا بأن هذا يخلق “خريطة ألم” عندها أو تعبيراً آخر من دائرة الوعي في جهاز الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي.
هكذا أيضاً في الموضوع الإيراني: نتباهى بهجمات جوية، بالسايبر وبالتصفيات، ويتموضع الإيرانيون هذه الأثناء في سوريا من خلال مساعدة مدنية وخلق ارتباطات؛ يعقدون اتفاقات مع الصين وروسيا لتلطيف حدة ضرر العقوبات، ويقتربون حتى من أعدائهم الأدلاء في السعودية، ويسيرون نحو النووي حين تكون إسرائيل غير ذات صلة.
إيران نووية تعدّ تهديداً غير مسبوق على إسرائيل، سواء لأننا “دولة قنبلة واحدة”، على حد قول الرئيس السابق رافسنجاني، أم لأن هذا سيغير وجه الشرق الأوسط. ينبغي عمل كل شيء كي لا يحصل هذا. ولكن بعد سنوات من العمل السري والعمل السياسي الحكيم من خلف الكواليس، والتبجح الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، وانعدام التفكير (كما في الضغط على الولايات المتحدة للانسحاب من الاتفاق النووي)، وإدمان الابتكارات… كلها ذات نزعة القوة تساعد إيران على الاقتراب من القنبلة.
ولعل هناك تفسيراً آخر، بدأه نتنياهو ويتواصل في العهد الحالي، وكل شيء للاستهلاك الداخلي. امتطى بيبي جواد التخويف الإيراني على مدى عهد. ومنذ تسلم نفتالي بينيت مهام منصبه وهو ينثر أقوالاً عن أن الجيش في واقع الأمر لم يكن جاهزاً لهجوم إيران (وهو، بالطبع، سيعده وسيكون جاهزاً للهجوم)، وفي هذا الجانب، تأتي تسريبات عن طرق عمل جديدة ولامعة. ومع كل يوم تتواصل فيه هذه السخافة قد تكون إيران تواقة للوقود، ولكنها تواصل التقدم نحو أهدافها.
المصدر: يديعوت
الكاتب: عوفر شيلح